حسمت الأغلبية الصامتة وليس الأخوان في أقاليم مصر وريفها الاستفتاء حينما صوتت بنعم لصالح التعديلات الدستورية رغبة منها في الاستقرار, وإنهاء هذه المرحلة القلقة, وأملا في بدء إجراءات تسليم السلطة لرئيس شرعي منتخب وبرلمان يرضي عنه الشعب. ولكي يعود الجيش إلي ثكناته بعد أن قام بدوره علي خير وجه في نجاح الثورة وحماية الوطن. صحيح أن الإخوان بشكل خاص وتيار الاسلام السياسي بشكل عام كان لهم دور مؤثر, لكن الصحيح أيضا أن تصويت77.2% لصالح التعديلات الدستورية لا يعبر عن قوة تيار الاسلام السياسي, وأنما يعكس قوة الاغلبية الصامتة في الريف والأقاليم وهي التي لا تنتمي إلي حزب أو جماعة, وإنما هي ترغب في العيش في أمان وطمأنينة بعيدا عن حالة الإنفلات الأمني الموجودة حاليا, والفوضي التي تعم الكثير من القطاعات في طول مصر وعرضها. الأغلبية الصامتة تري أن الثورة نجحت في الاطاحة بالنظام السابق, وأن التعديلات الدستورية تكفي مؤقتا لإختيار برلمان ورئيس بالطرق الديمقراطية السليمة, وهذا يكفي من وجهة نظرهم لتخطي تلك المرحلة الحرجة التي يعيشها المجتمع عقب الثورة. عموما هذه هي الديمقراطية وعلينا أن نتقبل نتائجها حتي لو تعارضت مع أفكارنا أو رغباتنا, وإلا فإن من يفعل غير ذلك فهو يريد ديمقراطية تفصيلا تناسب مقاسه فقط كما كان يفعل النظام السابق والنظم الديكتاتورية, وللأسف تقع بعض التيارات السياسية في ذات الخطأ حينما تريد أن تفرض إرادتها, وتبدأ في إلقاء الإتهامات علي كل من يخالفها الرأي لمجرد أن النتيجة لم تأت كما كانوا يريدون أو يعتقدون, ويستخدمون نفس الأساليب الديكتاتورية في التخوين والإقصاء أو التخويف من تيار الاسلام السياسي والاخوان كما كانت تفعل النظم السابقة التي اعقبت قيام ثورة يوليو1952, واستخدموا فزاعة الاخوان للقضاء علي الديمقراطية بدءا من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في حادث المنشية وإنتهاء بالرئيس السابق مبارك الذي اعتمد علي تلك الحجة في تغييب الديمقراطية وتسويق نظامه في العالم خاصة لدي الدول الغربية التي ازدادت مخاوفها من الاسلام السياسي بعد أحداث سبتمبر الشهيرة, وظهور القاعدة والتنظيمات المتطرفة الأخري علي الساحة الدولية, مما جعل هذه الدول تتحالف مع الزعماء علي حساب الشعوب حتي أسقط تسونامي الثورات العربية الحالية تلك النظرية الخاطئة, وبدأت خريطة عربية جديدة تلوح في الافق, بدأت في تونس ومصر, وفي الطريق اليمن وليبيا, وبعدهما سوريا والبحرين, وهكذا حتي يكتمل سطوع شمس الحرية من المحيط إلي الخليج. فيما يخص الأوضاع في مصر بعد الاستفتاء أعتقد أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة ليس في عجلة من أمره لإجراء الانتخابات البرلمانية, وأتمني لو صدقت التسريبات التي خرجت من المجلس الأعلي حول موعد إجراء إنتخابات مجلس الشعب في سبتمبر المقبل, لأن مدة الشهور الستة هي الحد الأدني المقبول قبل إجراء تلك الإنتخابات, وذلك حتي يتسني الاعداد الجيد لها بدءا باعداد الجداول الانتخابية الجديدة من خلال كشوف بطاقات الرقم القومي المسجلة في مصلحة الأحوال المدنية حسب النطاق الجغرافي لكل دائرة, وكذلك عودة الأمن إلي ممارسة دوره في تأمين اللجان بشكل حقيقي حتي لا تقع أعمال بلطجة وشغب أمام اللجان الأنتخابية, واعتقد أن ما حدث للدكتور محمد البرادعي أمام لجنة الاستفتاء والتعدي عليه بطريقة غير لائقة يؤكد ضرورة عودة الأمن أولا قبل إجراء الانتخابات وإلا ستقع مجازر علي أبواب اللجان الانتخابية, كما أن امتحانات الجامعات والثانوية العامة تنتهي مع نهاية شهر يونيو, ايضا مطلع شهر رمضان المعظم سوف يكون مع أوائل شهر أغسطس, وبالتالي فإن الموعد الملائم للانتخابات يكون منتصف شهر سبتمبر بعد أنتهاء أجازة عيد الفطر المبارك, علي أن تجري انتخابات مجلس الشوري بعد ذلك يمكن أن تكون الانتخابات الرئاسية في مطلع العام المقبل إن شاء الله. قبل انتخابات الشعب لابد أن يتم اصدار عدة مراسيم بقوانين, خاصة قوانين الاحزاب ومباشرة الحقوق السياسية وغيرها من القوانين التي تتناغم مع التعديلات الدستورية التي تم اقرارها. النص الدستوري الخاص بنسبة العمال والفلاحين احال تعريف العامل والفلاح إلي القانون, وبما أنه سيتم تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية فإنه يمكن إعادة تعريف العامل والفلاح بحيث يصبح العامل كل من يعمل ويتقاضي اجرا ليتم توسيع هذه الصفة لتشمل فئات عديد من الاطباء وأساتذة الجامعة والصحفيين والمهندسين وغيرهم لينتهي الجدل حول النص الدستوري العقيم(50% عمال وفلاحين) حتي يتم الغاء هذا النص بعد ذلك بعد أن فقد معناه ومغزاه ولم يعد له فائدة سوي إستخدامه كحيلة من كبار ضباط الشرطة وأمن الدولة للتسلل إلي مجلس الشعب كما حدث في المجلس المنحل. المزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة