السائر في الشوارع المصرية هذه الأيام يلاحظ شيئا غريبا ومتكررا بشكل مزعج حيث يقوم الناس بقتل أشجار الشوارع وبنشر الجزء العلوي منها وتحويلها إلي عصا خشبية جرداء بدون ورقة خضراء واحدة. معظم هذه الأشجار التي ذبحت تتجاوز أعمارها السبعين سنة, وكان يصل ارتفاعها إلي ما يقرب من ثلاثة أدوار وكانت تظلل بأفرعها مساحات كبيرة من الأرصفة والشوارع. وفي ظل الفوضي العارمة التي نعيشها, وانسحاب الدولة من أداء دورها في العديد من القطاعات, يأتي أصحاب المحال التجارية والشركات والعيادات ليقتلوا الأشجار من أجل مزيد من إبراز لافتاتهم الإعلامية القبيحة, ويأتي سكان البيوت ليجهزوا علي ما تبقي منها بسبب فكرة متخلفة منتشرة في كل مكان تقول إن اللصوص يقفون تحت الأشجار ليلا! وهو منطق يجعلنا نحرق البيت بالنار ليهرب منه الفأر.إن ما يحدث كارثة بيئية بكل المقاييس, ولسنا بحاجة هنا إلي أن نكرر أن الأشجار هي رئة المدينة التي تمنحنا الأوكسجين الذي نتنفسه, وأنها تقوم بصد الرياح المتربة, وتبريد الجو في الصيف وتقليل الاحساس بالحر, عن طريق تظليل الأسفلت الذي يمتلئ بالحرارة ومنعه من إعادة بث الحرارة إلي الجو مرة أخري.. ناهيك طبعا عن وظيفتها الجمالية ولسنا أيضا بحاجة إلي أن ننوه إلي أن كل شجرة مزروعة في شوارع الدول المتحضرة لها رقم وملف في البلدية ولها موظفون مختصون بمتابعتها دوريا والعناية بها لئلا يصيبها مرض أو ضرر. فعقوبة قطع شجرة في ولاية كاليفورنيا هي غرامة عشرين ألف دولار وفي حالة أخري تصل إلي السجن لستة أشهر. خسارة لا يمكن تعويضها, فهذه الجذوع الجرداء تحتاج إلي عشرات أخري من السنين لتتحول إلي أشجار من جديد هذا نداء ملح وعاجل لإنقاذ ما تبقي من الأشجار, حتي ولو كان الحل في إصدار أمر عسكري رادع لتجريم هذا الفعل الهمجي المتخلف. د.ميشيل حنا