أهنئ كل بني وطني الذين قالوا لا والذين قالوا نعم ففي عهد مضي.. عهد الظلم والاستبداد الذي انكسر تحت أمواج الثورة العتية الفتية, كنا لا نستنكف نحن الشعب المتدين بالفطرة ترديد كلمات الراحل أمل دنقل المجد للشيطان من قال لا في وجه من قالوا نعم من فرط ما أجبرنا. علي قول نعم فما قلنا لا قط إلا في تشهدنا لولا التشهد كانت لاؤنا نعم. اليوم قلت نعم أو قلت لا.. تقولها وتشعر بقيمتها فقد كان عرسا ديمقراطيا, فالخير في أي منهما كان قال الشاعر: إن قلت في الأمر لا أو قلت فيه نعم, فخيرة الله في لا منك أو نعم. وبالنسبة لي شخصيا كانت النتيجة معروفة سلفا بأن نتيجة الاستفتاء ستكون بالإيجاب نعم, فبداية كان هناك حس جمعي بأن هناك إجماعا وطنيا نحو وضع دستور جديد, وأن الاقتراع ب نعم أو لا يسير في اتجاه وضع دستور جديد, وأن الاستفتاء كان بشأن المنهج والإجراء والتوقيت, وليس حول الهدف, فقد كان التصويت علي المنهج لوضع دستور وليس ترقيع الدستور, كما حاول أن يروج البعض. ونأتي للسؤال لماذا جاءت النتيجة في صالح نعم وليس لا, أقول إن الذين قالوا نعم, كانوا يريدون وضع البلد علي مسار سيناريو واضح المعالم ومجدول زمنيا, وأدركوا بحسهم الفطري أن ارتداء الثوب المرقع خير ألف مرة من أن أسير عاريا مكشوف العورات تعصف بي ريح التخبط ويعفرني غبار المعمعة الدائرة حول تشكيل لجنة لوضع مواد دستور جديد. فالجماهير كان لديها شعور خفي بأن المجلس العسكري الذي وقف الي جوار الثورة والثوار, يريدها نعم, والشاهد أن الجيش قد رسم الطريق في حالة نعم, لكنه لم يرسم السيناريو في حالة لا, بل قال العسكر إن هناك سيناريوهات, وسيناريوهات هذه تضعك أمام جملة من الخيارات أي ضرب من الحيرة. وبعد سلسلة من اللاءات قبل وبعد تخلي مبارك كانت هناك حاجة جمعية بأن الشعب ليس في حالة عناد ومكابرة, وأنه يريد الدفع بعجلة الاقتصاد, والكل يدرك أن الخير كله سيأتي بعد, وأنه من الأفضل التصويت بنعم. وثمة تنبيه جوهري الي أن الاستفتاء لم يكن استفتاء حيال شعبية الإخوان, كما يحلو للبعض الترويج لذلك, وأكاد أزعم أن الفصيل الوطني المعروف بالإخوان قد بلغ حالة من النضج السياسي المحمود, وأن الإخوان هم الذين هرولوا نحو الالتحام بالتيار العامmainstream, وقالوها نعم عجلين متعجلين, وهو ما رآه البعض خطأ تكتيكيا من الإخوان, دفع البعض للخوف من التصويت بنعم, ومهما مارس الإخوان من آليات الحشد فلم يكن في وسعهم تغيير النتيجة الحتمية, فهم الذين انحازوا الي معسكر الأغلبية. ولا يجوز التعلل بالحجة السخيفة بأن الاخوان يلعبون علي العاطفة الدينية, فهذا اتهام صريح للشعب الذي قام بهذه الثورة بأنه لم ينضج بعد, وهو اتهام سبق وأن ساقه أحمد نظيف بأن الشعب المصري غير مهيأ للديمقراطية, كبرت كلمة تخرج من أفواههم. كيف وأن هذا الشعب لم تبغته الاثار الجانبية للثورة, ولم يسمح بالفوضي التي توعده بها النظام السابق, وشكل لجانه الشعبية التي حمت الكنيسة والمسجد في آن واحد معا. فليكف البعض عن القول بأن الثورة اختطفها الإخوان, فما ينبغي الوقوع فيما وقع فيه النظام السابق فنعظم دورهم أكثر مما يجب ونغرس روح الاستسلام في نفوس الناس من أنه بالوسع ظهور قوة وطنية تنافس القوة الوطنية للاخوان منافسة شريفة تخدم الوطن. أناشد القلة القليلة من بني وطني بالكف عن تبادل الاتهامات, وبأن من قال لا بأنه ضد المادة الثانية للدستور, أو أن من قال نعم قد أهدر دماء الشهداء وعقد صفقات مشبوهة.