هناك من لايجيدون صناعة النصر ولكنهم يجيدون سرقته... خاصة إذا كان النصر قد صنعه الشعب, قفزت إلي ذهني تلك المقولة الصحيحة وأنا أعيش وقائع ثورة الشعب المصري التي إنطلقت شرارتها الأولي في الخامس والعشرين من يناير1102 لحظة بلحظة. ووجدت نفسي أعود بالذاكرة رغما عني83 عاما إلي يوم السادس من أكتوبر3791 عندما كان جيلي في نفس عمر هؤلاء الشباب الذين فجروا الثورة من أجل وطن حر تسوده الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية, ويشعر كل مواطن فيه بالكرامة. في ذلك اليوم من عام3791 حيث لم يكن معظم هؤلاء الشباب قد ولدوا بعد.. انطلق أبناء جيلي والغضب يملأ صدورهم, والشعب كل الشعب يقف معهم ليقاتلوا من أجل وطن حر لاتدنس ترابه قوات الاحتلال الإسرائيلي, وكانت حرب أكتوبر إرادة الشعب المصري لم تكن أبدا إرادة قائد أو زعيم أو رئيس مهما كان دورهم, وتجلي ذلك واضحا عندما أجمع العالم كله علي أن المفاجأة الحقيقية في حرب أكتوبر كانت هي المقاتل المصري الذي أذهل العالم, وكان هدفنا استعادة أرض الوطن المحتلة.. وجرت في نهر الحياة المصرية مياه كثيرة علي مدي الثمانية والثلاثين عاما. وقيل لنا لقد أديتم واجبكم, وسيذكر التاريخ تضحياتكم فانصرفوا إلي عملكم واتركونا نعمل بهدوء الشهداء سنقيم لهم نصبا تذكاريا مهيبا ونمنح أسرهم معاشات استثنائية, والمعاقون والجرحي سنقيم لهم جمعيات خيرية لرعايتهم والمقاتلون الأحياء سنكرمهم في إحتفالات كبيرة نقلد فيها القادة الرتب الرفيعة والأوسمة والنياشين.. وتوالت الأيام وبدأ أبناء ذلك الجيل يحملون تباعا لقب محارب قديم وظهرت جحافل سارقي النصر والذين لايجيدون صنعه. وجري في البلاد ما جري ووقع علي رقاب العباد ما وقع.. حتي جاءت اللحظة الفارقة في تاريخ الشعب المصري المعاصر يوم الخامس والعشرين من يناير.1102 وأثبت الشعب المصري أن له قلبا نابضا قادرا علي ضخ الدماء الحارة الطاهرة في جسد الأمة ممثلا في الشباب الذي كنا في مثل عمره في أكتوبر3791 القضية في مضمونها هي نفس القضية حرية مصر وكرامتها. والهدف هذه المرة لم يكن استعادة جزء من أرض الوطن دنسه الاحتلال ولكن استعادة الوطن نفسه. وأذهل الشعب المصري العالم كله عندما فرض إرادته وكانت أقوي أسلحته جملة من كلمتين انطلقت من صدور الجميع.. الشعب يريد.. فتحية من محارب قديم يشعر بالامتنان, لأن أرواح شهداء السادس من أكتوبر تتعانق مع أرواح شهداء الخامس والعشرين من يناير ولأن مقاتلي أكتوبر من المحاربين القدماء يشعرون بأن انتصارهم قد اكتمل علي يد ثوار52 يناير. ولعل هذا يفسر ذلك الموقف الرائع للقوات المسلحة من الثورة والذي أذهل العالم.. وأعود إلي بداية المقال وأذكر بأن هناك من لايجيدون صنع الانتصار ولكنهم يجيدون سرقته وعلينا جميعا أن نأخذ حذرنا, لأن الطريق مازال طويلا.