باعتبارها الممارسة الأولي للديمقراطية منذ زمن طويل فإن الاستفتاء الأخير كان رائعا, ولم يكن يعيبه سوي تلك الصبغة الدينية التي حرص عليها بعض المؤيدين والمعارضين للتعديلات الدستورية علي التنادي بها لحشد الاصوات صوب آرائهم. رغم أن الموضوع من أوله لآخره لاعلاقة له بالدين, بل هو سجال وطني حول رؤي سياسية اختلفت في الإجابة علي سؤال بسيط هو: من أين يبدأ الإصلاح؟ حتي الآن لاتوجد مشكلة كبيرة ولكن كل المشاكل سوف تبدأ عند إقحام الدين في الانتخابات البرلمانية المقبلة ثم الرئاسية.. مابعدها المشكلة ان الناس لديها الكثير من القضايا الحقيقية التي ينبغي أن يختلفوا عليها ولكن هذه القضايا, رغم أهميتها البالغة, غير مطروحة للنقاش فلم يجد السياسيون غير الدين لحشد الناس وراء مايتصورن أنه في مصلحة الأمة! إن الممارسة الحقيقية للديمقراطية لاتنتهي بالموافقة علي إنشاء الأحزاب بمجرد الإخطار ولكنها تبدأ بإطلاق برامج سياسية لكل من يعن له إنشاء حزب تطرح أمام الناس تصورات لكيفية بناء المستقبل الجديد, وهنا سوف يبدأ الاختلاف الطبيعي والصحي بين المواطنين. هذه البرامج يتعين ان تتصدي للعديد من القضايا العاجلة التي تشغل الناس ولاتجد من يطرحها اما تمويها واما غفلة وإما افلاسا, الناس تتوقع ان تري إجابات عن أسئلة دقيقة وشائكة حول علاقة الدين بالمواطنة ووضع المرأة والأقليات في المجتمع الجديد, وتترقب طرح مفاهيم جديدة للممارسة الديمقراطية وضوابط محدد لعلاقة المواطنين بعضهم وبعض.. ثم علاقتنا بالعالم الخارجي وبالأمة العربية وبإفريقيا وبدول حوض النيل وبإسرائيل, وفي الاقتصاد, العنصر الحاكم في كل شيء الآن وأحد أهم اسباب قيام ثورة يناير, فإن الناس يجب أن تعرف كيف يفكر الساسة في حل مشكلات البطالة وعلاقات العمل والإنتاج داخل المجتمع والموقف من الاستثمارات الخاصة والأجنبية, وهي تريد أن تعرف من الحزبيين موقفهم من إعادة العمل بالقطاع العام ودور الدولة في إدارة الحياة الاقتصادية والسياسات المتعلقة بالأجور والدعم ومستقبل التعليم والرعاية الصحية, والسياسات الضريبية والمالية التي يقترحها كل حزب لتمويل كل ذلك. إن هذه عينة من القضايا التي تشغل بال الناس والتي هي مجال الصراع السياسي بين الأحزاب في الديمقراطيات المستقرة, وهي بطبيعتها قضايا خلافية تتنوع حولها الرؤي بعيدا عن العقائد والأديان التي تسكن القلوب.. مصانة في أمان.