يبدو أننا لسنا مقدرا لنا أن نفرح فرحة واحدة صافية من الكدر أو انقباض القلب. فقد كانت مشاهد الناخبين أمام لجان الاستفتاء يوم السبت الماضي مثارا للفخر ومدعاة لأقصي طاقة الانسان الواعي علي الفرح.. ولكن التصرفات التي اتسمت بالرياء والجلافة والكذب لبعض السلفيين وانصارهم تسببت في إفساد فرحة المصريين بأول ممارسة ديمقراطية في تاريخنا كله. لقد استخدم بعض السلفيين لونا من الدعاية المقززة لإرغام الجماهير الحاشدة علي قول نعم في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية, ولا أجد تعبيرا آخر يليق بهذه الدعاية غير أنها مقززة فعلا, لأن الطبيعة الانسانية السوية لا تحتمل ابدا مثل هذا التضليل المتعمد للبسطاء وقد سمعت الكثير منه بنفسي, وأطلعني عليه عشرات الناس في محافظات مصر المختلفة وهو تضليل خائن, لأنه استند علي الورم الطائفي الذي زرعه في حشايا الأمة, النظام السابق, واعتمد علي بعض السلفيين قبل ثورة 25 يناير في إشاعته ورعايته حتي كاد يفتك بوحدة هذه الأمة. أما أخطر ما حدث في هذا الاستفتاء فهو الاعتداء الآثم والفظيع الذي تعرض له الدكتور محمد البرادعي عصر يوم السبت بعد نزوله من سيارته للادلاء بصوته في احدي المدارس بمنطقة المقطم وهو اعتداء لا يقل جلافة وانحطاطا عما فعله ذئاب الحزب الوطني وضواريه الفاسدة في موقعة الجمل بميدان التحرير عصر يوم2 فبراير الماضي وقد ابدع في وصفه الأستاذ محمد حسنين هيكل بقوله: إن أحط ما عرفته الأمة يعتدي علي أنبل وأروع من أنجبت الأمة. والحقيقة أن هذا الاعتداء علي رجل بقامة وقيمة واخلاص الدكتور البرادعي يمثل جريمة اغتيال معنوي منظمة لأهم رموز ثورة 25 يناير فقد كان الدكتور محمد البرادعي منذ وصوله إلي مصر في فبراير عام 2010 هو الرافعة الخلاقة التي منحت قوي الرفض لنظام مبارك الفاسد طاقة جديدة وصوتا له قيمته واحترامه في كل بقاع الارض, ووجها لا تملك كل أجهزة القمع الخائنة الطعن في جدارته أو تشويه ملامحه الوضاءة والمستنيرة. لا أقول هذا الكلام لأول مرة عن الدكتور البرادعي, فقد سبق لي قول مثله وأكثر منه في مقال منشور في المصري اليوم في مارس 2010 تحت عنوان البرادعي.. حلم الوجدان الشعبي, وآنذاك كنت واثقا من أن هذا الرجل الصادق والمستنير, القادم إلي بلده, بعد هجر طويل, تتحقق فيه كل شروط قائد التغيير وكل مقومات العائد بعد غياب, متخلصا من أدران السياق الفاسد الذي فرضه علينا الرئيس السابق, ومتحررا من عبودية الخوف من ملفاته في أمن الدولة.. أو من عبودية الاستمرار في منصب, أو الطمع في وظيفة مرموقة, وآنذاك استبشرت خيرا بمجيئه, وقد أثبتت الأيام أن الدكتور البرادعي كان فعلا واحدا من أهم الملهمين للراغبين في التغيير.. وواحدا من أهم الرموز الذين قادوا هذا التغيير. لهذا انخلع قلبي وأصابني الرعب وأنا أتابع ما حدث من اعتداء علي هذا الرجل, وقد انتظرت أن يصدر بيان عن أي جهة يدين هذا الاعتداء, أو يحدد مرتكبيه من البلطجية الذين رصدت الصحف وجودهم بكثافة أمام المدرسة التي كان البرادعي سيدلي فيها بصوته, ولكن يبدو أن هناك من يعجبه ما حدث مع البرادعي.. ولكن أيا كان المحرض علي الاعتداء, وأيا كان القائم به, وأيا كان المعجب به, فسوف يظل ما حدث مع واحد من أنبل رموز الثورة, هو مصدر الفزع وانقباض القلوب مما يحاك لهذه الثورة في الخفاء. والأهم أنه سيظل أيضا مصدر الانتباه الشديد لبلطجية الحزب الوطني الذين تحالفوا مع شيوخ أمن الدولة, ويحاولون الآن الإجهاز علي روح الثورة قبل اكتمالها.