أعرف المستشار جودت الملط جيدا منذ أن شغل منصبه الرقابي في جهاز المحاسبات وأعلم كم كان الرجل يدفع ضريبة جديته ويقظة ضميره واصراره علي التصدي لهذا السيل من الفساد والانحراف في كافة المواقع وكان يحدثني عما يواجهه من صعوبات ومكائد من وزير المالية السابق بطرس غالي وكم حاول ان يوشي به عند كبار القوم بهدف الاطاحة به من منصبه ليصبح الطريق ممهدا أمام أهل البيزنيس, وكان أمام جودت الملط خياران إما أن يغمض عينه عما يجري أمامه من انحرافات وفساد يستشري أو يلاحق هذا الفساد ويضع الضوء الأحمر أمام هؤلاء الفاسدين والمفسدين.. وحدثني المستشار جودت الملط عن الاغراءات العديدة التي حاصرته ولاحقته من قيادات عديدة في مواقعها المختلفة, والرجل كان في استطاعته ان يكون من أصحاب الملايين لو أراد بشرط ان تتوافر لديه المرونة التي يريدونها. لقد كانوا يرسلون له الهدايا مما خف وزنه وغلا ثمنه, وكانوا يطلقون عليها تحية وكان يعيدها ويرفض ان ينصاغ الي تلك الطلبات المشبوهة.. الغريب في الأمر ان الرجل كان يرسل تقاريره الي البرلمان لتظل مكدسة حبيسة الادراج بناء علي طلب كبار القوم وأصحاب الجاه والنفوذ, ولو كانت هذه التقارير التي تدق جرس الانذار قد تم الالتفات اليها لما آل إليه الحال لهذا الخراب في كافة قطاعات الدولة. .. والغريب ايضا ان الرجل بمجرد ان يختتم بيانه الدوري داخل قاعة البرلمان الا وتضج القاعة بالتصفيق من نواب الحزب الوطني أنفسهم. لم أري المستشار جودت الملط مبتسما علي الاطلاق.. كان وجهه دائما يرتسم عليه المرارة وخيبة الأمل وله كل الحق.. لقد كان أعلم من غيره فيما يلحق باقتصاد هذا البلد من موارد تهدر وديون تتراكم حتي بلغت تلك الأرقام الفلكية. وهذا ما أكد عليه في حديثه المأساوي بالقناة الفضائية.. أقول للرجل الجاد: لاتحزن ياسيدي وابق في مسكنك الضيق المتواضع.. وانني اثق انك لست نادما لأنك اعطيت ظهرك لهذه الاغراءات المتواصلة ولست نادما لأنك لم تمتلك الفيلا الفاخرة علي شاطئ مارينا أو القصر المبهر في القطامية ولعلك تدرك ما آل اليه حال أصحاب القصور بعد ان اطلت علينا الشمس من جديد ويكفيك هذه الشعبية الجارفة التي تنالها عن جدارة, وهذا القبول الجماهيري العريض بمجرد سماع صوتك في القناة الفضائية ويكفيك تلك الشهادة التي وردت علي لسان رئيس الوزراء,. واتصور ان الابتسامة سوف تعود اليك بعد طول انقطاع. لقد كان مطلوبا منك بحكم منصبك ملاحقة هذه العصابة لكن يبدو ان زعيمهم كان يرحب بفسادهم ويفتح لهم ذراعيه! المزيد من أعمدة شريف العبد