تحولت الجيزة كغيرها من مدن الجمهورية إلي طابور طويل به كل الأعمار( شيوخ شباب رجال ونساء), الكل صف واحد( إخوان يسار مسيحيون مسلمون), والقبلة واحدة: صندوق الاقتراع, وغمس الإبهام في الحبر الفسفوري. انضممت للطابور الذي يحوي المئات, والذي سرعان ما تحول إلي طوابير تحوي الألف, وسط الهمس الاحتفالي في مدرسة محمد كريم بالجيزة صوت يصرخ: انتظروا.. لا أحد يدلي بصوته.. فالاستمارات مجهولة المصدر.. ولا يوجد ختم عليهن.. فهذه الاستمارات يمكن تزويرها, التف حوله المئات من المؤيدين عرف نفسه بأنه محب ناصف مرشد سياحي, وأن من شروط صحة الانتخاب أن تكون الاستمارة التي تدلي عليها مختومة من اللجنة العليا المشرفة علي الانتخابات وعليها ختم برقم اللجنة. وسط الصوت المرتفع والمشادات خرج القاضي المشرف علي لجنة( 102) بمدرسة محمد فريد وقال: أنا هنا من السابعة صباحا.. وتسلمت 400 استمارة ولاحظت أنه لا يوجد ختم.. فاتصلت بالمستشار رئيس اللجنة في محكمة الجيزة الابتدائية.. وأخبرني بأن الأمور تمام وأمرني بأن أمشي الانتخاب.. وأوضح لي أن كل أربع استمارات مع بعض عليهما ختم واحد وهو رقم اللجنة, ورفعه وسط هتافات الجماهير: باطل.. باطل. فأخبرهم من لا يريد الانتخاب في هذه اللجنة فعليه التوجه إلي لجنة أخري. انقسم المشاركون فاقترح صلاح علي( محام) أننا ننتخب هنا ونظل واقفين حتي خروج الصناديق ونشهد علي فرزها, اقتنع البعض وخرج البعض الآخر في شكل لجان للمرور علي باقي لجان مدارس الجيزة لتحذير المواطنين, وخرجنا معهم حتي وصلنا إلي مقر آخر للانتخاب وهي الهيئة المصرية للصرف الصحي بشارع مراد, وتكرر المشهد نفسه واستقبلنا العشرات المغادرين للمقر الانتخابي وأعلنوا تعاطفهم للاستفتاء لأنه لا يوجد ختم علي الاستمارات, وأن هناك شبه تزوير في هذه الاستمارات. هناك مشهد مختلف عما سبق في لجان الجيزة, وهو أمر ملحوظ, وهو مشاركة الكفيفات في الاستفتاء, تفسح لهن الطريق مجموعات من الكفيفات تصاحبهن المشرفات يدخلن معهن خلف الستار ويدلين بأصواتهن بحرية كاملة.. لم تعوقهن الرؤية, فالبصيرة أهم من البصر كما تقول إحداهن. إلي اليمين قليلا من المشهد في مدرسة التحرير الابتدائية حيث الحضور المكثف يقول الشيخ حسان علي: اليوم نريد أن نخرج من الجيزة وضواحيها بمليون نعم نهديها إلي مصر ونتوج بها الثورة.رد عليه الأستاذ إسحاق اميل( مدرس): لا.. نحن نريد مليون صوت بغض النظر عن هوية أصواتهم واتجاهاتهم, فنحن نريد صورة حضارية لا صناديق موجهة. البسطاء أيضا لهم حضور طاغي في اللجان يا نهار أبيض كل دا طابور.. دا ولا طوابير العيش أحدهم يقول, رد الآخر وسأله: مصر تستاهل مننا أن نقف بدل الساعة سنين. الواقف أمامي محمد علي يعمل حدادا: مش هنا التصويت.. انظر إلي بطاقتي أنا من الفيوم.. وصاحب العمل أعطاني الرخصة للذهاب للمشاركة وقال لي اذهب مباشرة للفيوم إن لم يكن لك صوت في القاهرة, اطمأن عندما أخبرته جموع المشاركين بأنه يحق له التصويت هنا. الطوابير المنظمة التي توحي لك بأنك في اليابان مثلا تملأ كل اللجان وكأنه اتفاق مسبق, أو كأن الشعب تغير ما بين عشية أو ضحاها, اختفت من المشهد ظاهرة الميكروباصات والأتوبيسات الموجهة من رجال الأعمال ومن أصحاب الأموال, وظهر مشهد جديد وهو السيارات الملاكي التي تقل الأسرة بأكملها, وكأن الآباء يقدمون لأولادهم درسا في الديمقراطية وعنوانه الاستفتاء. مشكلة أخري أثارها ناخبو محافظة الجيزة, وهي أن معظم اللجان لا توجد بها ستائر يتم الانتخاب خلفها, لكن يتم الإدلاء بالصوت أمام القاضي وأمام المسئول عن اللجنة بعد الاطلاع علي الاسم وتدوينه في سجل ورقي, الأمر الذي فتح باب الشك في أن الشخص يستطيع أن يدلي بصوته أكثر من مرة, لكن رئيس اللجنة قال: إن العملية محكومة, فلن أسمح بدخول من توجد في يده علامة الحبر الفسفوري, انصرفنا واستمر الجدل في الخير.