دأب النظام السابق علي ترديد اسطوانة مشروخة فحواها أن مصر دولة مؤسسات, بيد أن النجاح المذهل لثورة25 يناير2011 المجيدة قد فند هذه الاسطوانة بشكل قاطع انظر إلي تلك المؤسسات وكيف تبخر بعضها في ساعات بينما تبخر البعض الآخر في أيام. فها هي مؤسسة الأمن بكل جبروتها وأدوات قمعها تتبخر في ساعات امام هدير الثورة, وها هي مؤسسة الرئاسة بكل استعلائها وجبروتها وعنادها وأركان فسادها وإفسادها تتبخر في بضعة أيام, وها هي المؤسسة التشريعية بمجلسيها المزورين وأحدهما عرف بسيد قراره تتبخر بقرار حلهما, وها هي مؤسسة الإعلام الذي اطلق عليه زورا وبهتانا القومي تتبخر امام حقائق حاولت هذه المؤسسة الافتئات عليها بالتعتيم والتضليل ثم انظر إلي مؤسسة الحزب الوطني واعضائه الذين قدر عددهم بزهاء ثلاثة ملايين كيف انفرط عقده وكأنه بناء من كرتون. ان واقع الحال يؤكد بلا مراء أن المؤسسة العسكرية ظلت هي المؤسسة الوحيدة التي انفردت بالوطنية والشموخ قبل الثورة وبعدها. نزعم أن الاستبداد السياسي هو العامل الاساسي الذي يكمن وراء انهيار كل مؤسسات نظام مبارك علي هذا النحو السريع فلقد بنيت هذه المؤسسات اما علي القمع واما علي التزوير واستشري فيها الفساد كالسرطان وليس أدل علي ذلك من أن الجهاز المركزي للمحاسبات قدم ألف تقرير عن فساد حكومة عاطف عبيد وألف تقرير عن فساد حكومة أحمد نظيف لكن لم يحرك أحد ساكنا وكأن الأمر لا يعني الرئيس السابق الذي لم يخل خطاب له من دعوي محاربة الفساد, كما أن خادمه المخلص زكريا عزمي وقف ذات يوم في مشهد سينمائي ليعلن أن الفساد في المحليات وصل للركب, ألم يكن يعلم أن الفساد في مؤسسة الرئاسة وفي الحكومة قد وصل للاعناق؟ وكالجرذان التي تهرب من السفن وقت غرقها فإن كل رجال العهد البائد يتنصلون الآن من مسئولياتهم. فها هو أحدهم يقول إن الوزراء ما هم إلا سكرتارية لمبارك ينفذون كل أوامره وتوجيهاته باعتبارها أوامر لا تقبل المناقشة, وها هو وزير البترول السابق يقول لا فض فوه أنه مجرد بصمجي ولم يكن راضيا عن بيع الغاز لإسرائيل بهذا الثمن البخس والمجحف!! لم يكن لدي أحد من الوزراء أو بالأحري المستوزرين الجرأة لأن يقول لا أو أن يقدم استقالته حتي ينأي بنفسه عن هذه الازدواجية السافرة بين ما هو مقتنع به وما يفعله طبقا لأوامر ينفذها صاغرا والسؤال الذي يفرض نفسه هو: إذا كان هذا هو حال الوزراء فما عسانا أن نتوقعه من صغار الموظفين؟ في الاجابة عن هذا السؤال علينا أن نفتش عن الاستبداد السياسي الذي هو آفة كل الآفات وحاضنة تفريخ كل الموبقات بدءا من الجبن مرورا بالنفاق وانتهاء بالامتثال الكامل لكل شيء, وما أدراك ما الكرسي وعطاياه ومزاياه في النظام الفاسد. من هنا ومع نجاح ثورة25 يناير المجيدة لابد أن نغير جميعا كل سلوكياتنا السلبية التي فرضها علينا النظام البائد لقد كسر شبابنا باشعالهم جذوة الثورة حاجز الخوف واثبتوا بالدليل القاطع أنه لا يصح إلا الصحيح مهما يكن الترويع والقمع وليس أدل علي ذلك من سقوط دولة مباحث أمن الدولة التي كان مجرد ذكر اسمها يثير الرعب في العقل الجمعي للمصريين علي مدي عقود, وإذا كان الثائر الحق علي حد قول امام الدعاة الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي هو الذي يثور ليهدم الفساد ثم يهدأ ليبني الامجاد, فإن علي الشعب الذي انضم إلي الثوار أن ينفض عن جبينه كل السلوكيات السلبية التي رسخها الاستبداد لسنوات وسنوات. د.محمد محمود يوسف أستاذ بزراعة الإسكندرية