عندما يزداد معدل النمو السكاني ويمثل ضغطا علي سوق العمل وتبرز قضية البطالة, يتعامل بعض السياسيين والتنفيذيين مع الشباب باعتبارهم مشكلة. يحدث هذا الأمر في بلاد مختلفة في ظروفها. ولكن يجمعها خوف صانعي القرار أو بعضهم من الشباب خصوصا حين تلقي الجامعات والمدارس الفنية في كل عام اعدادا تقدر بمئات الآلاف, وأحيانا بالملايين, في سوق عمل متخمة فتبدو وكأنها مصنعلتفريخ العاطلين, وعندئذ تصبح الأرقام مخيفة بما تحمله من دلالات مقلقة لدي من يظنون انه ليس في الإمكان ابدع مما كان. وقد نجد في مصر الآن شيئا من ذلك علي نحو يجعل زيادة فرص العمل المهمة المحورية لأي سياسة اقتصادية ناجحة, والمعيار الاول في كثير من الاحيان لهذا النجاح, خصوصا أن عدد سكان مصر سيتجاوز المائة مليون نسمة خلال عشر سنوات علي الاكثر في ظل المعدل الراهن لزيادتهم وهو2.1%, ومع ذلك لاينبغي ان نغفل ان مايعتبر اليوم مشكلة كبيرة وعبئا فادحا إنما هو رصيد ثمين للمستقبل لمن يدرك ومصدر قوة مؤجل لمن يعي. فالمجتمع الشاب في تكوينه العمري يبشر بإمكانات وقدرات لايمتلكها المجتمع الذي يعاني مشكلة شيخوخة في هذا التكوين, ولكن هذا الفرق لايظهر إلا حين تكون السياسات العامة في المجتمع الفني قادرة علي استثمار النعمة التي ينطوي عليها تكوينه العمري, كما ان النقمة التي تنتظر المجتمع الذي تزحف عليه الشيخوخة تظهر نتيجة تراكم عبر فترة معينة من الزمن, وإذا كانت مصر نموذجا لمجتمع شاب ينتظر السياسات الملائمة, تبدو إسرائيل مثالا للمجتمع الهرم الذي تزداد فيه علامات الشيخوخة بين سكانه اليهود بسبب ضعف معدل التزايد السكاني من ناحية وتراجع الهجرة التي قام عليها هذا المجتمع في الاساس من ناحية أخري. وقد بدأت التداعيات السلبية لشيخوخة المجتمع الإسرائيلي في الظهور عبر توافق نخبة الحكم والسياسة والأمن من مختلف الاتجاهات تقريبا علي إعادة تعريف الكيان الذي كان يعرف بأنه دولة لكل مواطنيها ليصبح دولة لليهود فقط دولة يهودية, والاصرار علي ان يتعامل الجميع معه علي هذا الاساس. وربما لايعرف كثير من المهتمين بمستقبل النظام العالمي, والقلقين بسبب طابعه الاحادي وهيمنة الولاياتالمتحدة عليه, ان زحف الشيخوخة علي المجتمع في روسيا هو احد العوامل التي تخرجها من قائمة الدول المرشحة للصعود إلي القمة العالمية ومشاركة أمريكا فيها او انتزاعها منها, فالمجتمع الهرم المعرض لتناقص عدد سكانه في المستقبل سيكون من أهم مصادر ضعف الدولة الروسية بالرغم من كل امكاناته العسكرية والاستراتيجية والاقتصادية وغيرها. ولذلك ينبغي ان يكون التكوين العمري الاكثر شبابا للمجتمع المصري دافعا إلي التفاؤل وليس مبررا للهم والغم بالرغم من الصعوبات التي تواجه استيعاب الزيادة السكانية المطردة. خصوصا من يدخلون إلي سوق العمل في كل عام. ولو اننا كنا قد خططنا لاستثمار هذا المورد وليس فقط لاستيعاب الزيادة فيه, لكنا الآن من الفائزين في العالمين. فالمجتمع المصري هو من أكثر مجتمعات العالم شبابا في الوقت الراهن, اذ تصل نسبة من هم أقل من35 عاما فيه إلي نحو70%, من مجموع السكان, فوفقا للتعداد الأخير للسكان, الذي اجري في عام2006, كانت نسبة المصريين في المرحلة العمرية الاقل من15 عاما هي الأكبر علي الاطلاق, اذ يبلغ عددهم نحو27 مليونا نحو ثمانية ملايين وربع مليون عمرهم أقل من خمس سنوات, ونحو تسع ملايين وربع مليون من خمس إلي عشر سنوات, وتسع ملايين ونصف المليون تقريبا بين عشرة وخمسة عشر عاما. اما في المرحلة العمرية من15 إلي35 عاما, فقد بلغ عدد المصريين وفقا لذلك التعداد أكثر من24 مليونانحو ثمانية ملايين وثلث المليون من15 إلي20 عاما, ونحو ستة ملايين من20 إلي25 عاما, وخمسة ملايين وربع المليون تقريبا من25 إلي30 عاما, ومايقرب من خمسة ملايين بين30 و35 عاما. وتبلغ نسبة هذه المرحلة نحو ثلث عدد السكان الذين يعيشون داخل مصر72.5 مليون, وفقا لذلك التعداد الذي قدر من يقيمون في الخارج بنحو3.9 مليون آخرين. وهذه المرحلة من15 إلي35 عاما هي التي يري البعض انها تمثل الشباب في المجتمع, في حين يري آخرون ان مرحلة الشباب تبدأ من سن الثامنة عشرة حتي الخامسة والثلاثين, بينما يذهب بعض ثالث إلي مد هذه المرحلة إلي سن الأربعين وأحيانا بعدها بسنوات نتيجة ارتفاع متوسط العمر في كثير من بلاد العالم. وحتي إذا اخذنا بالاتجاه الغالب علي المستوي الاكاديمي الدراسي, وعلي صعيد المؤسسات والمنظمات المعنية بالقضايا الديموجرافية, والاجتماعية, والذي يذهب إلي ان مرحلة الشباب تنتهي عن سن الخامسة والثلاثين, فهذا يعني ان عدد المصريين في هذه المرحلة وماقبلها منذ الميلاد يصل إلي أكثر من51 مليونا أي بنسبة70% من اجمالي عدد السكان الذين يعيشون داخل مصر في عام2006, وفقا للتعداد الذي اجري في ذلك العام, وهذه قاعدة بشرية هائلة تتضمن مخزونا ينبئ أن اعداد الشباب آخذة في الازدياد بشكل مستمر علي نحو يمكن ان يدفع إلي التفاؤل بالمستقبل إذا وعينا مايمثله هذا المخزون من إمكانات كامنة وامتلكنا القدرة علي التخطيط لاستثمار هذه الإمكانات. ويقتضي ذلك تحقيق امرين بأقصي سرعة ممكنة: اولهما مراجعة جادة لنظام التعليم بمنأي عن التجريب الساذج الذي غرقنا فيه طويلا بغية اطلاق طاقات هذا المخزون الشبابي وتحريره من اعباء تنمية الذاكرة علي حساب العقل, فقد تأخر الاصلاح التعليمي طويلا, وكان هزال التعليم, ومازال, هو العامل الاول الذي اسهم بأكبر قدر في تحويل نعمة التكوين الشبابي للمجتمع إلي نقمة, وجعل الشباب عبئا بدلا من ان يكون رصيدا, ومصدر قلق وخوف بدلا من ان يكون عاملا للتفاؤل والانطلاق إلي المستقبل علي اسس واثقة. اما الأمر الثاني الذي تشتد الحاجة إليه فهو ملء الفراغ السياسي الذي يحرم المجتمع من استثمار طاقاته الشبابية ويوجد حالة من الارتباك والاضطراب وانعدام الوزن في اوساط من يفترض ان يشاركوا في إدارة الشأن العام ويضفوا علي حياتنا حيوية مفقودة.. وإذا كانت القيود التي فرضت علي الأحزاب السياسية لفترة طويلة لعبت دورا جوهريا في هذا الفراغ, فهذه الأحزاب تتحمل بدورها قسطا من المسئولية عن انصراف الشباب عنها, ولذلك بات عليها ان تسرع إلي إعادة هيكلة توجهاتها وليس فقط تنظيماتها لكي يكون لها حضور في مجتمع يزداد حضور الشباب فيه ديمجرافيا ويقل سياسيا. المزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد