هل كانت رسائل تويتر التي خرجت بالآلاف واستنسخت بالملايين تسير علي غير هدي؟ تحمل كلمات بلا معني وتضرب في اللا اتجاه أم كان لها( مضامين ومعاني) حاولت توصيلها للجمهور الثورة ومواطني مصر داخليا ومتابعيها خارجيا؟ للوصول إلي إجابة علي هذه التساؤلات انتقينا عينة من الرسائل بلغت27% من إجمالي الرسائل التي جري تبادلها عبر تويتر, واخضعناها لعملية تحليل مضمون, بناء علي ما احتوته من معاني ومعلومات في هذا الاتجاه أو ذاك, وقد كشف التحليل عن أن مضامين رسائل تويتر كانت واضحة وأحيانا قاطعة, وسارت في مسارات فرضتها أحداث الثورة وتداعياتها المختلفة من يوم لآخر, وقد أمكن تلخيص مضامين هذه الرسائل في ثماني فئات هي كالتالي: 1- رسائل الدعوة والحشد: دعت إلي الثورة والنزول للشوارع للتظاهر وهذه كانت حوالي نصف في المائة من الرسائل, وهي رسائل بدأت تحديدا يوم20 يناير علي تويتر, وهي بداية متأخرة نوعا ما قياسا لما حدث علي فيس بوك ويتوتيوب والمدونات والمنتديات, وهو ما يؤكد وعي الثوار بقدرات تويتر كشبكة اتصالات رقمية في التوقيتات الحرجة وفترة ما بعد الحشد والتجهيز للثورة, وبشكل عام بلغت هذه الدعوات ذروتها أيام24 و25 و26 يناير, ثم عادت للظهور مرة أخري يوم3 فبراير تحت تأثير موقعة البغال والحمير علي ما يبدو. 2- رسائل شرح فكرة الثورة: وهي رسائل حاولت توضيح أسباب الثورة وأفكارها وأهميتها وبلغت نسبتها6.51%, وقد اتسمت هذه النوعية من الرسائل بالتواصل المستمر, كنوع من الحفاظ علي الروح المعنوية للثوار وجذب مزيد من الجماهير, وإبراز عدالة القضايا التي قامت من أجلها الثورة, وبلغت ذروة هذه الرسائل يوم28 يناير في جمعة الغضب الأولي الشهيرة والتي كانت فيها الثورة في بدايتها وتحتاج أفكارها وأسبابها إلي مزيد من الإقناع والترسيخ في هذا اليوم, والملاحظ أن الغالبية الساحقة من هذه الرسائل انطلقت قبل صلاة الجمعة للتدليل علي سلامة القصد من وراء التحرك, خاصة وأن الأمور لم تكن قد حسمت بعد وكان النظام البائد في كامل لياقته. وقد سجلت هذه الفئة هبوطا بعد ذلك وصل إلي أدني معدل له يوم31 يناير ثم عادت لتسجل ذروة أخري يوم3 فبراير عقب الخطابات التي أعلنها الرئيس المخلوع ونائبة وأحدثت بلبلة لدي قطاع من الرأي العام, وكأنها جاءت ردا علي ذلك, وبما يرسخ القناعات الخاصة بالثورة. 3- رسائل تنظيم أعمال الثورة وفعاليتها: وهذه ركزت علي تقديم بيانات ومعلومات توفر دعم لوجيستي لفعاليات الثورة خاصة تنسيق مسار المظاهرات وتوقيتاتها وسبل التعامل مع الأمن وكيفية ترتيب المطالب ورفع الشعارات وغيرها, وهذه شكلت2.235%, ونظرا للطبيعة( الوجستية) والعملياتية التي تتسم بها هذه الرسائل فقد لوحظ أنها اتخذت مسارا متقطعا ولم تكن تظهر إلا في توقيتات تصل فيها الأحداث إلي ذروتها, ويشتد فيها الاحتياج للتنظيم, ولذلك نجدها تصل إلي الذروة يوم25 يناير, وتختفي ايام27 و28, وتظهر مرة أخري ايام3 و4 فبراير إبان محنة معركة الجمال والمولوتوف. 4 رسائل المشاركات مع الوطن العربي والعالم: وهذه ركزت علي تبادل الاخبار والخبرات والمعلومات مع ما يجري في تونس والجزائر واليمن وكذلك تلقي رسائل تشجيع ومؤازرة من كل الدول العربية تتابع الثورة المصرية وتؤيدها, وقد بلغت نسبة مشاركات هذه الرسائل25.53%, وقد اتسمت هذه النوعية بالغزارة والزخم الشديد, حيث سجلت أول ذروة لها يوم14 يناير وهو يوم هروب زين العابدين بن علي من تونس,, ثم مالت للهبوط حتي يوم20 يناير وهو يوم الدعوة الواسعة لتظاهرة25 يناير, وهنا ارتفعت المشاركات المتبادلة مع الوطن العربي, وبعدها ظلت في ارتفاع مستمر لتسجل ذروة جديدة يوم25 يناير تماثل ما حدث يوم هروب بن علي, ثم تعاود الهبوط دون فقد الزخم, وترتفع في فترة احداث التحرير الدامية وتسجل ذروة جديدة يوم6 فبراير مع الخطابات التي ألقاها الرئيس المخلوع ونائبه. 5 رسائل مواجهة الإعلام الرسمي: ظهرت هذه النوعية من الرسائل في فترات اشتداد الهجوم علي الثورة وشبابها من قبل وسائل إعلام النظام البائد, وقد شكلت هذه الرسائل نسبة ضئيلة لم تتجاوز النصف في المائة, مما يعكس ثقة بالنفس لدي الثوار تجاه ما كان يسوقه الاعلام الحكومي, كما يعكس ميل واضح لدي الثوار لاستخدام تويتر كشبكة اتصالات لوجستية ودعم بالمعرفة والمعلومات أكثر منها مجال لتفنيد ما يسوقه الإعلام الرسمي, وترك هذه المهمة لصفحات ومجموعات الفيس بوك, خاصة أن النقاش المطول لا يلائم طبيعة تويتر القائمة علي الرسائل الموجزة القصيرة, وربما يدل علي ذلك أن هذه النوعية من الرسائل لم تظهر إلا خلال الفترة من3 الي7 فبراير وهي الفترة المعروفة بما بعد خطاب الفتنة الذي القاه الرئيس المخلوع وانقسم الرأي العام المصري بعده قسمين ما بين مؤيد ومعارض. 6- رسائل رصد المواجهات مع الأمن, وقد شكلت هذه النوعية من الرسائل النسبة الأكبر علي الإطلاق في رسائل تويتر, حيث بلغت نسبتها47.62%, ويعود ذلك بالطبع إلي أن المعلومات المتعلقة بالمواجهات مع الأمن كانت حيوية للغاية بالنسبة للثوار, سواء من حيث تحقيق أكبر قدر ممكن من المناورة ميدانيا وتفادي المواجهات والقتل العمد بالرصاص بالميدان, أو لتوثيق مثل هذه الأحداث وإبرازها جماهيريا ودوليا كنوع من الردع ومنع المزيد من المواجهات, وتحقيق قدر أكبر من التعاطف من قبل فئات الشعب والعالم أجمع, وفوق ذلك الاستفادة من أي شيء يمكن أن يجعل المتظاهرين والثوار يحققون مكاسب علي الأرض تجاه الأمن, واللافت للنظر أن هذه النوعية من الرسائل كانت الوحيدة بين النوعيات الاخري التي حافظت علي قدر كبير من الزخم والحيوية خلال فترة الرصد ولم يشوبها الهدوء أو الغياب كما هو الحال مع العديد من الفئات الأخري, ومن معدل النمو والهبوط في هذه الرسائل لوحظ أنها بدأت قليلة هادئة محافظة علي مستوي مستقر منذ10 يناير إلي25 يناير, لكنها شهدت ما يشبه الانفجار والزيادة الضخمة خلال يومي28 و29 يناير المصاحبين لجمعة الغضب وما بعدها وما شهدته من مواجهات دامية وسقوط مروع لعشرات الشهداء, ثم عادت للهبوط والهدوء مرة اخري, لتسجل انفجارا جديدا خلال يومي2 و3 فبراير وما تضمنها من مواجهات عنيفة مع الأمن وأذنابهما من البلطجية في مواقع مختلفة من البلاد. 7- رسائل متابعة أحداث الثورة: كانت هذه النوعية من الرسائل بمثابة وكالة أنباء الثوار العفوية التلقائية التي تتلقي الاخبار الموجزة القصيرة للغاية من آلاف المنتشرين علي الإنترنت والميادين والجالسين أمام الفضائيات, وتعيد بثها للجماهير المسجلة سلفا في تويتر والمعروف سلفا ايضا مشاركتها في الاحداث, سواء ميدانيا أو في أماكن أخري, وقد بلغت نسبة هذه النوعية من الرسائل15.99% من جملة رسائل تويتر, ويلاحظ أيضا أنها احتفظت بحيويتها وتواصلها بلا انقطاع طوال فترة الرصد, وكغيرها من الفئات الأخري سجلت هذه الفئة صعودا كبيرا ومفاجئا يومي25 يناير و2 فبراير, لكونهما أكبر مركزين للأحداث التي كانت في حاجة إلي متابعة, نظرا لطول الأحداث وعنفها في هذين اليومين, ويلفت النظر أن هذه النوعية كانت متقطعة في البداية حيث لم تظهر خلال الفترة من10 الي14 يناير, وظهرت بشكل طفيف للغاية خلال15 18 يناير, ثم عاودت الاختفاء لتظهر من جديد يوم23 يناير وبلا انقطاع حتي نهاية فترة الرصد. 8- رسائل الرفض: ظهرت فئة قليلة للغاية من الرسائل التي عبرت عن رفضها للثورة وأفكارها وطريقة تنفيذها, وقد اتسمت هذه النوعية بقلة أعدادها, واختفائها السريع من الواجهة, وعدم تواصلها لفترة طويلة من أيام الرصد, فهي لم تظهر إلا خلال الفترة من30 يناير و5 فبراير وبلغت ذروتها عقب خطاب الفتنة يوم2 فبراير واستمرت حتي4 فبراير ثم اختفت لتعاود الظهور مرة أخري يومي9 و10 مع الخطابات التي سبقت تنحي الرئيس السابق, وبشكل عام شكلت هذه الرسائل ما يعادل0.98% من الرسائل التي خضعت للتحليل, وبالنظر إلي أن تويتر قناة تعبير حرة تماما ولا سيطرة لأحد عليها, فيمكننا القول أنه لم تكن هناك حركة معارضة ذات شأن للثورة وأفكارها وفعاليتها علي الأرض بمجتمع الإنترنت المصري ككل وليس تويتر فقط, وإذا أخذنا في الاعتبار أن بعض من هذه الرسائل كان ورائه فلول من النظام البائد وعصابات البلطجة الاعلامية والسياسية والأمنية المرتبطة به فيمكننا القول بأن رفض الثورة كان قضية شبه غائبة تماما عن تويتر.