بدأ من رئيس الجمهورية وحتي أصغر موظف في أي وحدة محلية لابد أن يملأ عدة صفحات تسمي معا( إقرار الذمة المالية) يذكر فيها إذا كان يمتلك مالا أو عقارا أو لديه قطعة أرض أو سيارة. إجراء روتيني يتكرر كل خمس سنوات لم يكن يهتم به الكثيرون، ولكن فجأة تتجه الأنظار بقوة مرشحة الإقرار ليلعب دورا أساسيا في كشف مسلسل الفساد, من خلال حسبة بسيطة نطرح فيها كل مستجدات الثروة مما سبق تسجيله في إقرار الذمة. هذا الدور الخطير للإقرار دفعنا لتقصي موقعه من قانون الكسب غير المشروع لنكتشف أن المشرع تعامل مع تزوير بياناته برقة معتبرها مجرد جنحة, يتراوح عقابها بين الحبس والغرامة بحد أقصي ألف جنيه, وعندما تحدثنا إلي المتخصصين اكتشفنا المزيد مما يدعونا للمطالبة بإعادة النظر والتعديل في القانون رقم62 لسنة1975. معلومات وهمية إقرار الذمة المالية متهم بتأمين تربح المسئولين من وظائفهم وإضافة شرعية علي الثروات التي تدخل جيوبهم ظلما وعدوانا.. كانت هذه الكلمات مفاجأة ألقي بها إلينا اللواء فاروق المقرحي مساعد وزير الداخلية الأسبق لمباحث الأموال العامة عندما سألناه عن دور الإقرار في كشف الذمة الخربة للمسئولين, موضحا أنه يحق لأي موظف أو مسئول عند بدء تسلمه مهام وظيفته أن يسجل في الإقرار الأول له ما يشاء من أموال وعقارات ومنقولات سواء كانت موجودة فعلا أو وهمية, ويلجأ البعض للمبالغة في الأعداد والأرقام خاصة الذهب والمجوهرات بهدف تأمين نفسه فيما بعد, إذ لا يكون مطلوبا منه في الإقرارات التالية( كل خمس سنوات) أن يبرر مصدر ما طرأ علي ثروته من زيادة لا تتناسب ومفردات راتبه, ويستطيع بمنتهي البساطة أن يقول إنه لجأ لبيع مشغولات زوجته الذهبية! والحل كما يطرحه اللواء المقرحي يكون في ضرورة اشتراط القانون علي دعم كل ما يكتبه المقر في أول إقرار له بالمستند الدال علي هذه الملكية, وبالتالي نغلق الباب أمام المعلومات الوهمية التي تمتلئ بها إقرارات المتربحين, وتكون عند الشك في أمرهم مصدر حماية لهم كما يطالب بإعادة صياغة الإقرار وتبسيط مضمون صفحاته المتعددة لكي يسهل علي الجميع التعامل معها, مؤكدا أنه شخصيا يحتاج لمن يساعده حتي الآن في ملء صفحات إقراره. التقادم مرفوض الاتهام الثاني يضيف المقرحي لقانون الكسب غير المشروع يتعلق بمواد تتحدث عن التقادم مثل المادة رقم(16) ونصها: تنقضي الدعوي الجنائية في جريمة الكسب غير المشروع بمضي ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ تقديم إقرار انتهاء الخدمة أو زوال الصفة مالم يبدأ التحقيق فيها قبل ذلك ويوضح أن نفس هذه المشكلة موجودة في المادة رقم18 من قانون العقوبات ويطالب بإلغاء مبدأ التقادم من أية جرائم تتعلق بالأموال العامة باعتبارها حقا أصيلا للمجتمع لا يصح أن يسقط بالتقادم, مشيرا إلي أن هذا المبدأ قد يكون مقبولا في أي جرائم أخري عدا المال العام. ويؤيد محدثنا ما يثار حاليا حول استعداد بعض المسئولين السابقين لرد ما أخذوه من أموال مقابل إسقاط العقوبة وفقا لمبدأ الإعفاء الذي تشير إليه المادة(118) من قانون العقوبات والتي وضعها المشرع لتحفيز هؤلاء علي إعادة الأموال المنهوبة, تماشيا مع مبدأ التسامح الإجتماعي والنسيان, بشرط ألا تكون هذه الجريمة مرتبطة بجرائم أخري. في حين يطالب بتشديد العقوبة لمن يلعب دور( الدوبلير) لمساعدة المتربحين علي التخفي تحت أسمائهم بحيازة وهمية لما يمتلكونه. غرامة مائة جنيه! المادة رقم(20) من قانون الكسب غير المشروع تنص علي: كل من تخلف عن تقديم إقرارات الذمة المالية في المواعيد المقررة يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن عشرين جنيها ولا تزيد علي خمسمائة جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين, ويعاقب بالحبس أو الغرامة التي لاتقل عن مائة جنيه ولا تزيد علي ألف جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين كل من ذكر عمدا بيانات غير صحيحة في تلك الإقرارات, وضعنا هذا النص القانوني أمام المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة سابقا وسألناه هل يتناسب هذا العقاب مع خطورة دور الإقرار؟ أجابنا بالنفي مؤكدا أن العقوبة هزيلة للغاية, بل ومضحكة تجعل دور الإقرار هامشيا للغاية, ويتساءل: كيف تكون كتابة بيانات غير صحيحة في الإقرار مجرد جنحة تستوجب هذا العقاب التافه, في حين أن نفس الفعل في أي ورقة رسمية أخري تقدم لجهة حكومية تعتبر جناية تصل عقوبتها وفقا لقانون العقوبات إلي الأشغال الشاقة, مؤكدا أن الجريمة واحدة في الفعلين ألا وهي التزوير, ويجب المساواة بينهما في العقاب لأن تزوير بيانات إقرار الذمة المالية ليس أمرا هينا يمكن التساهل بشأنه. لا سرية في الإقرار ويطالب المستشار الجمل من ناحية أخري بانتهاج التقليد الغربي فيما يتعلق بإعلان مضامين إقرارات الذمة المالية لكل من يشغل مناصب قيادية في الدولة, وهو ما تتبعه الولاياتالمتحدةالأمريكية للرئيس وأعضاء الكونجرس, موضحا أن هدف الإعلان ليس كشف الثروات وإنما لضمان الشفافية وأن تكون المعلومات المكتوبة سليمة ولإعطاء فرصة للناس للاطلاع عليها وتقديم أي اعتراضات موثقة علي مضمونها, كما تلزم الدولة المسئولين الذين يديرون شركات خاصة أو يمتلكون أسهما أو سندات بإسنادها إلي هيئات خاصة لإدارتها نيابة عنهم ثم العودة لتسلمها بعد الخروج من المنصب درءا لأي شبهات.