سعر الريال السعودي اليوم مقابل الجنيه المصري في البنوك    500 مليون جنيه دعما.. برلماني يبشر بانخفاض أسعار السيارات خلال الفترة المقبلة    الاتحاد الأوروبي يتعهد بتقديم 68 مليون يورو إضافية لمساعدة غزة    جيش الاحتلال الإسرائيلي: قصف مبان في جنوب لبنان كان بها عناصر لحزب الله    إدارة بايدن تتراجع عن فرض عقوبات على كتائب إسرائيلية منها نتساح يهودا    وزير الرياضة يشهد افتتاح بطولة الأندية الإفريقية لسيدات الطائرة    كلوب: حل أزمة محمد صلاح سيجعلني الأغنى في العالم    بيراميدز يهزم الزمالك ويتوج بدوري الجمهورية 2009    الأرصاد الجوية : رياح ترابية وسحب رعدية وفرص لسقوط الأمطار    تامر حسنى يعتذر لبدرية طلبة.. ورد مفاجئ من الأخيرة    سيد رجب يلبي رغبة عروسين بالتصوير معهما في الإسكندرية    تراجع إيرادات الأفلام في شباك التذاكر وتحقق 3 ملايين جنيه أمس    «بيت السناري» يستضيف ندوة «المكون الثقافي والسياسات الخارجية المصرية»    طريقة عمل كرواسون الفسيخ بالأفوكادو في البيت.. استعدي لشم النسيم    أسبوع الآلام.. الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحتفل بختام الصوم الكبير 2024    45 ألف فلسطيني يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى    استقالة متحدثة أمريكية اعتراضًا على حرب إسرائيل في قطاع غزة    بدء الفرز.. غلق باب التصويت بانتخابات التجديد النصفى لنقابة أطباء الأسنان    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    محافظ أسوان يوجه بمتابعة تطبيق المواعيد الصيفية للمحال التجارية    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية    الإسكان: 20 ألف طلب لتقنين أراضى توسعات مدينة الشروق    مواعيد صرف منحة عيد العمال للعمالة غير المنتظمة    رئيس «كوب 28» يدعو لتعزيز التعاون الدولي لتنفيذ اتفاق الإمارات التاريخي    «مياه دمياط»: انقطاع المياه عن بعض المناطق لمدة 8 ساعات غدًا    وكيل أوقاف دمياط يفتتح مسجد الفردوس في محافظة دمياط    يحيى الفخراني: «لولا أشرف عبدالغفور ماكنتش هكمل في الفن» (فيديو)    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    المفتي: ثورة 30 يونيو كانت تحريرًا لأرض مصر من أفكار خاطئة (فيديو)    مواعيد الصلاة في التوقيت الصيفي بالقاهرة والمحافظات.. وكيف يتم تغيير الساعة على الموبايل؟    «الصحة»: فحص 434 ألف طفل ضمن «الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية لحديثي الولادة»    بداية من الغد.. «حياة كريمة» تعلن عن أماكن تواجد القوافل الطبية في 7 محافظات جديدة    أرتيتا: لاعبان يمثلان صداع لي.. ولا يمكننا السيطرة على مانشستر سيتي    رحلة فاطمة محمد علي من خشبة المسرح لنجومية السوشيال ميديا ب ثلاثي البهجة    عاجل| مصدر أمني: استمرار الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي للوصول لصيغة اتفاق هدنة في غزة    بعد حادث شبرا الخيمة.. كيف أصبح الدارك ويب السوق المفتوح لأبشع الجرائم؟    وفد جامعة المنصورة الجديدة يزور جامعة نوتنجهام ترنت بالمملكة المتحدة لتبادل الخبرات    التربية للطفولة المبكرة أسيوط تنظم مؤتمرها الدولي الخامس عن "الموهبة والإبداع والذكاء الأصطناعي"    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة الجونة للإسكواش ويستعد لمواجهة حامل اللقب "على فرج"| فيديو    المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية: سببان لتسمية يوم الجمعة بهذا الاسم    مزارع يقتل آخر في أسيوط بسبب خلافات الجيرة    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    «التعليم» تستعرض خطة مواجهة الكثافات الطلابية على مدار 10 سنوات    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    أمن القاهرة يكشف غموض بلاغات سرقة ويضبط الجناة | صور    اتحاد جدة يعلن تفاصيل إصابة بنزيما وكانتي    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    تشافي يطالب لابورتا بضم نجم بايرن ميونخ    الشركة المالكة ل«تيك توك» ترغب في إغلاق التطبيق بأمريكا.. ما القصة؟    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    رحلة فنية قصيرة مازالت في القلوب .. ذكرى ميلاد هالة فؤاد    زيلينسكي يدعو إلى الاستثمار في صناعة الدفاع الأوكرانية    اكتشاف فيروس إنفلونزا الطيور في 20% من عينات الألبان في الولايات المتحدة    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هو وهى
لعبة الكراسي
نشر في الأهرام اليومي يوم 26 - 02 - 2011

لست في باب المقارنة‏..‏ لا وحق الله‏..‏ ومعذرة بعرض السماء والأرض‏,‏ فما استحضرني الآن ليس سوي الكرسي والرقم ثلاثين‏..‏ فبينما نعيش أحداث ثورة أسقطت كرسي نظام مكث ثلاثين عاما استشري فيها الفساد حتي بات أخطبوطيا مقننا علي جميع الساحات‏. في المال والأرض والعرض والماء والصحراء والدواء‏..‏ بينما يحمل التاريخ الذكري العطرة لثلاثين شهرا فقط جلس فيها الخليفة عمر بن عبدالعزيز علي كرسي الخلافة فشمل عدله كل فرد في أمته مسلما أو ذميا‏,‏ صغيرا أو كبيرا‏,‏ رجلا أو امرأة‏,‏ حتي أنه أطلق في المدينة من ينادي‏:‏ هل من فقير يستحق عونا؟ هل من مدين نسد عنه دينه؟ هل من شاب يريد الزواج فنزوجه؟ فلم يجد أحدا‏...‏ ويزيد جلوس العقيد معمر القذافي عشر سنوات فوق رقم الثلاثين متربعا علي الكرسي ليشعل في بلده نارا أتت علي الأخضر واليابس‏,‏ وظنه أن ثورة شعبه ليست سوي حسد‏:‏ عين‏..‏ عين والله عين وأصابتنا‏!!‏ ويغدو طالبو الحق لديه جرذانا‏,‏ والمتمردون علي قهره مغيبين بحبوب الهلوسة‏,‏ والمعارضة له كلابا ضالة‏,‏ والثائرون جراثيم‏,‏ والثورة مؤنث للثور‏!!!‏
وقبل ما يقف شباب الثورة في الميدان أياما علي الأقدام ليكتبوا تاريخ مصر الجديد‏,‏ كانت المحروسة بلد الشهادات قد تحولت بمضي الثلاثين في مسيرة الكحت والكبت والسحت والفحت إلي بلد الكراسي‏...‏ مصر التي كان رمزها النوراني تمثال الكاتب الفرعوني الجالس متربعا فوق الأرض علي ساقيه كتاب عملاق رمز الاطلاع والمعرفة والعلم‏!...‏ مصر التي كان مفهوم الشهادة فيها علي أيامنا قيمة وسيما وحاجة عظيمة‏..‏ مصر عاصمة الثقافة في ماض كان الإخوة العرب فيه يحجون إليها لينالوا من جامعاتها شرف أرقي الشهادات العلمية والأدبية والدينية التي يفاخرون بها أقرانهم عند عودتهم لأوطانهم لينالوا بحيازتها أرقي الوظائف والدرجات‏,‏ حتي أصبح أمرا بدهيا أن يكون أكبر كبير من الحاكم للوزير في بلاد العروبة خريجا في جامعات الأزهر الشريف والقاهرة وعين شمس‏..‏ مصر الشهادات تلك تهاوت فيها قيمة شهادة العلم والمعرفة عندما استلبت مواقعها الكراسي لتغدو أهمية سيادتك من كرسي سيادتك الذي غدا مصدر الشرعية الوحيد في مصر‏..‏ ومن هنا أصبحنا نموت علي الكرسي‏..‏ نقطع بعض عليه‏..‏ نلتصق فوقه بالغراء‏..‏ ندقنا بمسامير‏..‏ يخيط علينا فيه‏..‏ نأخذ هباته وملحقاته وقصوره وبورصته وأراضيه ولزوم وظيفته حقا طبيعيا أرسلته لنا العناية الإلهية‏,‏ ولكل ماسح جوخ نصيب‏..‏ نبوس القدم ونبدي الندم علي عدم احتفائنا واحتفالنا ولو للحظة لمن أنعم علينا بالجلوس عليه‏..‏ و‏..‏إذا ما كان كرسي المدير والوزير غالي عليه‏,‏ فما بالك بالكرسي الأعلي وأعلي الذي لابد وأن يكون التشبث به والدفاع عنه بالروح والدم‏..‏ روح الوطن ودم الشهداء‏!!‏ أما إذا لا سمح الله وتركناه ونحن لم نزل علي قيد الحياة فخلاص قد دخلنا سكة اللي يروح مايرجعشي‏,‏ واندرجنا تحت قائمة يكفيك شر المستخبي‏,‏ ويعوضك عوض الصابرين‏..‏
عندما انقلب الحال بتراكم البلاء من الشهاداتية إلي الكرسية تراجعت تعاقدات الهيئات الرسمية في المؤسسات القومية والمدنية أمام نفوذ أصحاب الكراسي‏,‏ وأصبح مجرد تليفون من صاحب كرسي يشيل ناس ويحط ناس ويقدم ناس علي ناس ويكرم ناس ويعري ناس ويكوم ناس وينقط ناس ويرمي طوبة ناس ويكفر ناس ويسكن ناس في قصور ويرقد ناس في الجحور‏..‏ مجرد تليفون صغير‏..‏ وموتوا بغيظكم يا أصحاب التعاقدات بالمواعيد والإمضاءات والموافقات والطوابير رغم ما دفعتموه من تحت الترابيزات لأن كل واحد علي كرسي إيده طايلة ووراه بلطجية تاكل الزلط ماعندهمشي يا أمة ارحميني‏..‏ و‏..‏أهمية الكرسي تتعدي دائرة الكرسي ذاته إلي أقارب الدرجة الأولي الذين ولابد وأن يكونوا المستفيدين الأول بأنواره وصولجانه‏,‏ وأيضا كل من يحمل لقب العائلة‏,‏ حتي ولم لم تكن هناك صلة دم بل تشابه في الأسماء فقط‏,‏ ولم تزل الذكري القريبة ماثلة في قول صديقنا الدكتور سعد المغربي عندما ذهب ليجدد جواز سفره‏,‏ فسأله مسئول الجوازات مرحبا بشوشا عما إذا كان من أقارب سيادة الوزير‏,‏ فصارحه دكتورنا بأنه مجرد تشابه في أسماء العائلات‏,‏ عندها أشار إليه من بيده الضبط والربط‏:‏ طيب يا سيد روح اقف مكانك هناك في آخر الطابور‏..‏ وغالبا ما توجد شخصية مقربة من صاحب الكرسي تكون بمثابة يده التي يضرب بها ويهدد بها ويطبطب بها ويدغدغ بها أيضا‏,‏ تلك اليد المرفوعة دوما بتعظيم السلام غالبا ما أن يهبط صاحبنا من كرسيه إلا وتكون أول من يمسك بتلابيبه وقفاه‏,‏ تكسر من وراءه القلة مع التبرع بإذاعة أسراره وسقطاته إن لم يكن في مذكرات بعائد مجز‏,‏ فهناك علي الدوام آذان مرهفة لسماع تفاصيل فضائح ساقط الكرسي‏!‏
وإنني لأري في قائمة الوظائف العديدة والعضويات الوفيرة والاستشاريات الزحمة المطبوعة في كروت البعض صفا من الكراسي فوق بعضها قاعد عليها صاحبها مدليا ساقين لا تصلان للأرض‏,‏ يقدم الكارت من قبل التحية نوعا من إفحامك لتعرف قبل ما تنطق إنت يا نكرة بتكلم مين‏!..‏ وقسما بالله أن أحدهم نقش في اللوحة الرخامية علي مقبرته من قبل ما يموت أنه نائب رئيس تحرير‏,‏ فربما ينفعه اللقب وهو رميم عند سؤال ناكر ونكير‏..‏ وهناك رؤية متوارثة ثاقبة يفهم من تحليلاتها بأنه كلما قلت قيمة الشخص زادت ألقابه في عصور التدهور والعكس صحيح‏,‏ لذا لم يذكر اسم أبي حنيفة أو ابن خلدون إلا مجردا فأي منهما بعلمه الغزير في غير حاجة لألقاب‏,‏ أما ما خفت موازين علمه فلا يدخل عليك بمؤلفه إلا من خلف زفة كراسي مثل‏:‏ العالم العلامة والحبر الفهامة والبحر الزاخر والمحيط الوافر وحيد زمانه سيد أقرانه عظيم خلانه‏..‏ الخ‏..‏ وفي سكة البحث في التاريخ السياسي للعبة الكراسي وجدتهم قد عثروا علي رفات الإمبراطور الأثيوبي هيلاسيلاسي مدفونة تحت كرسي مكتب الرئيس الذي اعتلاه منجستو هيلا ماريام وذلك بعدما كتم الأخير أنفاسه بوسادة ضاغطة في عام‏1975‏ ليجلس عليه بكرسيه أكثر من عشرين عاما ضامنا أن عدوه قد غدا تحت الكرسي ولا عين له طامعة في الكرسي الفوقاني‏..‏ وعلي درب الكراسي التاريخية شاهدت أخيرا في صدر أحد محلات الكبابجية في الحسين كرسي العرش بالتاج والنجمة والحروف الملكية الذي اعتلاه يوما فاروق ملكا‏,‏ شاهدته عزيز قوم ذل بذراع محترقة ورجل مسلوخة في عصره الصفيحي يستنشق نسيجه الحريري نكهة السجق الجملي المثقلة بالبصل والثوم بدلا من عطور باريس وأريج لانفان وشانيل‏,‏ وفي صالة بيتنا كرسي أرابيسك كان ثمنه في المزاد من أربعين عاما سبعة جنيهات‏,‏ وذات مرة عندما انكب مكوما علي ظهره من جراء أرجحة ضيف ثقيل يتحدث بيديه ورجليه‏,‏ اكتشفنا في قاعدته قطعة نحاسية مستديرة مستترة بختم من القرن الثامن عشر يشير إلي أنه كرسي السيدة هدي شعراوي صنع خصيصا من أجلها في فلورنسا‏,‏ وإلي وقت قريب مكثت رافضة التنازل عنه لتاجر الأنتيكات الذي لوح لي بمبلغ وقدره مقابل التحفة التاريخية‏,‏ ولكني أجد نفسي الآن نظرا للظروف المحيطة متجهة لفكرة القبول بعدما اقتنعت ببلاغة منطق يقول بأنني لست أساسا عضوة في جمعية السيدة هدي شعراوي‏,‏ إلي جانب أنني من جيل قامت الدكتورة درية شفيق بعد قرن من الزمان بتدريسه في الجامعة‏,‏ وقرأ عن سيزا نبراوي في صفحات تاريخ نضال المرأة المصرية من قبل ما تتولد أمه‏..‏
و‏...‏ بمراقبة دقيقة ورصد ميداني تجد غالبية أصحاب الكراسي شخصيات مرحة ظريفة لطيفة ودودة رحيمة متفهمة وموافقة‏..‏ هذا إذا ما التقيتها علي الواقف وعلي عجل‏..‏ لكنها وللغرابة ما أن تجلس وتترسم علي كرسيها وتدخل القالب حتي يركبها مائة عفريت من سكان الكرسي‏,‏ فتنقلب بقدرة قادر من اللطافة للسخافة‏,‏ ومن حسن الاستماع للسم الناقع‏,‏ لتكلمك وكأنها بالعة مليون ضفدعة‏..‏ والنصيحة للتعامل مع تلك الأغلبية الالتقاء بها في الممرات وع النواصي أو بين فتحات الأبواب أو علي البسطة أو في دخلة اجتماع أو في خرجة وفود‏!...‏ ويجرفني فيض التداعي في مسألة التآخي بين الكراسي والبشر‏,‏ حتي وجدت أني أخالف داروين في نظرية الإنسان والقرد‏,‏ لأقول إن الإنسان لابد في الأصل كرسي من لحم ودم‏,‏ فقد تشكل جنينا في وضع القرفصاء داخل رحم أمه‏,‏ وخرج إلي الدنيا ليجلس علي حجرها يلقم ثديها‏,‏ ومن شهره الرابع تدربه علي الجلوس فوق كرسي القصرية لقضاء حاجته‏,‏ ويكبر ليجلس علي كرسي تختة فصل يرفع أصبعه فيه‏,‏ ليجيب بذكاء فطري علي السؤال العويص فيحبطه المعلم بقوله‏:‏ انحط اقعد‏,‏ ويشب عوده ليجلس منكسا أمام غضبة والده الآمر الناهي‏:‏ وحياة ذقني ما أنت فالح‏,‏ وهتفضل طول عمرك انت والكرسي واحد‏...‏ ويقوم من الكرسي ينام علي كرسي أنفاس‏,‏ وتتشقلب مناهج التعليم مع كل وزير‏,‏ ويخرج من عنق الزجاجة بمعجزة يدور علي وظيفة بكرسي يقعد عليه شوية ويقوم يستريح شوية‏,‏ وتبيع أمه مصاغها ويستلف الأب معاشه ليفرحا بالجدع قاعد مع عروسته علي كرسي الكوشة‏,‏ ويمضي قطار العمر من كرسي إلي كرسي‏,‏ يطلع له فيه إيريال في راسه من طول تحديقه في برامج التليفزيون المستنسخة وكراسيها‏,‏ وتأتي النهاية بوضع النائم علي ظهره‏,‏ في حين يغادر كراسي المأتم من أتوا يؤدون واجب الجلوس لدقائق‏,‏ للفرار بعدها بمجرد انتهاء الآية قبل دخول مقرئ كرسي الصدارة في آية أخري‏,‏ وفجأة يهب جمع الجلوس للإسراع في مصافحة صاحب الكرسي الرفيع الذي أتي مندوبا عن صاحب كرسي أكثر منه رفعة‏,‏ وما أن يغادر سيادته حتي يأتي مقاول الفراشة للحساب ورفع الكراسي‏.‏
ومرورا بنظرية الإنسان أصله كرسي أجد من هو مثال لكرسي البلاج القماش الخفيف ع الجيب والقعدة‏,‏ والكرسي الأوبيسون المحدد إقامته في الصالون‏,‏ وكرسي سكنته العثة مركون في الصندرة‏,‏ وكرسي جبان منزو في آخر الصف‏,‏ وكرسي قيادة متصدر القاعة‏,‏ وكرسي تعوم علي عومه‏,‏ وكرسي عنفوان‏,‏ وكرسي نقرزان‏,‏ وكرسي يخلع لك الضرس‏,‏ وكرسي يسامرك‏,‏ وكرسي يكسر ظهرك‏,‏ وكرسي ما له ظهر‏,‏ وكرسي يطردك‏,‏ وكرسي ياخذك في حضنه‏,‏ وكرسي يطبق‏,‏ وكرسي ينفرد‏,‏ وكرسي واطي‏,‏ وكرسي عالي‏,‏ وكرسي تاخده بعيدا مع أم كلثوم في ضوء القمر‏,‏ وكرسي يعورك‏,‏ وكرسي تجرجره وراك‏,‏ وكرسي عيل وكرسي للناس الكبار‏,‏ وكرسي قداسة وكرسي فضيلة الشيخ‏,‏ وكرسي وشه مكشوف‏,‏ وكرسي أخلاق‏,‏ وكرسي حلاق‏,‏ وكرسي تغرز فيه ماتطلعشي‏,‏ وكرسي ما له لون‏,‏ وكرسي بكرش‏,‏ وكرسي يزحلقك للأرض‏,‏ وكرسي بار وكرسي صلاة‏,‏ وكرسي بيانو وكرسي فوتيي‏,‏ وكرسي إمام وكرسي ملته واقعة‏,‏ وكرسي قاضي وكرسي عرضحالجي‏,‏ وربنا مايوقعك ما بين يدي كرسي سيادة بلا قلب‏,‏ أو الاختناق في مضايق كرسي قلبه أسود‏,‏ أو اعتراض كرسي في الكلوب‏,‏ أو الإتكاء علي كرسي بثلاثة أرجل‏,‏ أو الإتكال علي كرسي في عرض كرسي‏,‏ أو مصاحبة كرسي بدون مسند‏,‏ أو الوقوع في غرام كرسي بأويمة وفرانشة‏,‏ أو منافسة كرسي بقاعدة عريضة‏,‏ أو الفضفضة لكرسي متنكر بكسوة‏,‏ أو الانسياق لكرسي مسماره خفي‏,‏ أو تكهين كرسي فيه رمق‏,‏ أو ترميم كرسي أصله مش كرسي‏,‏ أو التعامل مع كرسي نجارته مش ولابد‏,‏ أو الثقة في كرسي فراشة يوم في جنازة ويوم في فرح‏,‏ أو دس خبيئتك في كرسي أودة العيال‏,‏ أو معاملة الزوجة ككرسي وشها للحيط‏..‏ والنصيحة إذا تكالبت عليك كراسي كل منها شكل ولون البعد عنها والتنائي واللجوء للصلاة وقراءة آية الكرسي‏..‏
ولا ننسي عبقرية يوسف إدريس عندما كتب عام‏1968‏ بطريقة رمزية يسأل المصري الصبور حمال الكرسي الغليظ الذي لا يقل وزنه عن عدة أطنان‏:‏
‏*‏ من كام سنة شايله؟
‏-‏ من آلاف السنين‏.‏
‏*‏ من أيام الهرم يعني؟
‏-‏ من قبل‏..‏ من أيام النيل‏.‏
‏*‏ نيل إيه؟
‏-‏ من أيام ما سموا النيل نيل ونقلوا العاصمة من الجبل للضفة جابني عمك بتاح وقال لي يا شيال شيل‏!‏ شلت وأدور عليه في سلقط في ملقط بعد كده عشان يقول لي حط‏,‏ من يومها للنهاردة مش لاقيه‏.‏
‏*‏ وافرض مالقيتش عمنا بتاح رع تفضل شايل الكرسي؟
‏-‏ أعمل إيه؟ أنا شايله ودي أمانة‏,‏ خدت الأوامر إني أشيلها‏,‏ شلتها‏,‏ وأحطها إزاي من غير أمر؟ ربما يغضب‏.‏
‏*‏ تحطها زهق يا أخي‏!‏ تعب‏..‏ ترميها‏..‏ تكسرها‏..‏ تحرقها‏..‏ تثور‏..‏ دا الكراسي اتعملت عشان تشيل الناس مش عشان الناس تشيلها‏.‏
‏-‏ ماأقدرشي‏..‏ هو أنا شايله غية؟ أنا شايله أكل عيش‏..‏
‏*‏ ولو‏!‏ مادام هادد حيلك وقاطم وسطك تبقي ترميه‏,‏ ومن زمان ترميه‏.‏
‏-‏ ده عندك أنت لأنك ع البر مش شايل مايهمكش‏,‏ أنا شايل ودي أمانة وشايل الأمانة مسئول عنها‏.‏
‏*‏ لغاية إمتي إن شاء الله؟
‏-‏ لما يجيني الأمر من بتاح رع‏.‏
‏*‏ ده مات وشبع موت‏.‏
‏-‏ من خليفته‏,‏ من وكيله‏,‏ من ولد من ولاد ولاده‏,‏ من حد وياه أمارة منه‏.‏
‏*‏ طيب أنا بأمرك أهه إنك تنزله‏.‏
‏-‏ أمرك مطاع وكتر خيرك‏..‏ بس أنت تقرب له؟
‏*‏ للأسف لأ‏.‏
‏-‏ معاك أمارة منه؟
‏*‏ ماعييش‏.‏
‏-‏ يبقي عن إذنك‏..‏
كاتبي المفضل دوما‏..‏ يوسف إدريس‏..‏ أزف اليوم إلي روحك الوثابة الشابة ونحن في نهايات فبراير‏2011‏ أن رجلك الصبور قد عيل صبره ونفذ السهم فأنزل الكرسي الغليظ من علي أكتافه ثائرا ومضي حرا واثق الخطي يمشي ملكا‏..‏ الكاتب المتفرد المتأمل القارئ لكف مصر‏..‏ آه لو كنت معي اليوم لنرقب معا وعيا جديدا قد تشكل في رحم الثورة المجيدة‏..‏ رفض الجلوس علي كراسي التلقي وافترش تلقائيا أرض الميدان‏..‏ وعيا يرفض أشكال التعبير الهزيلة‏,‏ ويقول لا للفنون المبتذلة والكليشيهات الأدبية والشعرية الجاهزة والممجوجة ونموذج المعتوه الناطق بألفاظ السوقة من تربع علي كرسي البطولة السينمائية ليسوق فن التردي والابتذال‏..‏ وعيا جديدا قد أنجب آدابا وفنونا شابة نضرة نضارة هؤلاء الجدد الذين يصنعون جديدا فيه حب وحماسة وشغف وحرية تجلت شهداء وهتافات وأحلام وسياسات ورؤي‏,‏ ولاءات مرتفعة للفساد والجمود والأيديولوجيات الهلامية وبونابرتية الأنظمة الاستبدادية وجرم رأسمالية لا يهمها سوي الربح السريع‏.‏
و‏..‏نحن نعيش الآن أياما تتلاحق فيها لعبة الكراسي بأحداثها المثيرة والمتعاقبة علي أرض الوطن والمنطقة العربية‏,‏ حيث لم يعد يتاح للقلم مواكبتها‏,‏ أو حتي متابعتها علي برامج الشاشات‏,‏ فعندما تتناول في سطورك ما يجري فوق كراسي بلدك أو علي كراسي بلد الحدود أو البلد الخضراء الشقيق أو‏..‏ أو‏..‏ تكتشف عند النشر أن الكراسي التي كنت تكتب عنها قد اصطفت خلاص في اجتماع لتصحيح الأوضاع وإعفاء المواطنين من رسوم واستحقاقات‏,‏ ومنح الفيسبوك لكل مواطن‏,‏ وشقة لكل مقيم‏,‏ واعترافات وكأنها فوجئت بها بأن الظلم كان حقا سائدا‏,‏ وأن الناس سواسية‏,‏ وأن الدستور أعوج‏,‏ وأن الديمقراطية كسيحة‏,‏ وأن الفلوس تعاني التوحد عند ناس بعينها‏,‏ وأن مضاعفات البطالة تؤدي لما لا تحمد عقباه بحق وحقيقي‏,‏ وأن في الجعبة آلافا من الوظائف تنتظر شاغليها‏,‏ وأن في الأرض اتساعا لملايين أخر‏,‏ وأن في القلب الشغف وفي الأحضان اتساع وفي الإزماع السماع‏,‏ وفي العقل قناعة بوجوب مشاركة الشباب في حكم البلاد‏..‏ وتكتشف مع سرعة دوران عجلة الثورات أن الكراسي الأخري قد انزاحت وجهها للحائط لكنس الأرضية وغسل الدماء‏,‏ وأنك الآن أمام ما يجري فوق كراسي لم تكن في الحسبان في عالمنا العربي‏,‏ فمن بعد تونس ومصر تهتز الآن الكراسي في ليبيا التي حسدتها كما يقول قذافها عين الحسود‏,‏ واليمن والبحرين والجزائر والأردن والمغرب‏,‏ وقد تلحق بها كراسي السودان والعراق وإيران‏..‏الخ‏..‏الخ وهكذا تغدو المطاردة الآن مرهقة بل شبه مستحيلة بين القلم والكرسي والثورات الوليدة التي تطالب بتغيير النظام‏,‏ والتي تبدأ بقدر عال من العفوية والسيولة ليصعب بعدها احتواؤها أو إجهاضها أو متابعة سريانها‏!‏
والله يكون في عون كل وزير حلف اليمين بالأمس وقبل التضحية بالجلوس علي كرسي من شوك لأجل يمشي حال البلد الواقف‏,‏ في مرحلة يعلم مسبقا أنها فارقة وحارقة ومارقة ومفارقة‏,‏ وأن المجلس العسكري في حالة انعقاد دائم‏,‏ وأن الأسنان مشحوذة‏,‏ وشهداء للآن بلا أسماء‏,‏ وأبناء وآباء خرجوا ولم يعودوا بعد‏,‏ وجيش سقط منه شهداء لم يعلن عنهم كي لا يستنفر جنودا أشقاء لهم‏,‏ خلف مدافع الدبابات‏,‏ ودموع الثكالي لم تجف بعد‏,‏ وفنادق أولي وثالثة وسابعة بالضبة والمفتاح‏,‏ ومحاكم احترقت أحكامها‏,‏ وأحزاب تحت الطبع‏,‏ وكيانات سقطت‏,‏ أنجبت في حملها الكاذب كيانات‏,‏ وملايين من أبناء الوطن راجعة من الحدود ملتاعة وخالية الوفاض‏,‏ وثعابين في الشقوق‏,‏ وديابة مطلوقة‏,‏ وسجون بلا زنازين‏,‏ وسلاح بالكوم تحت الطلب‏,‏ وسينا علي الحافة أهلها البدو عانوا من جور النظام الكثير‏,‏ وشائعات بحجم الجبال تلوث المحيط‏,‏ وتمد شبكات القرابة والنسب والعمولة لكل شريف وعفيف‏,‏ وشرطة حيرانة في اسمها ولبسها ومظهر ردعها ما بين اللين والحسني وزرع الثقة‏...‏ وأن أربعة وثمانين مليونا راقدة لكل وزير في الذرة‏..‏ قاعدة لمعاليه للسقطة واللقطة في البيت والميدان‏..‏ رصداه بعين الصقر من برج المراقبة‏..‏ المنبه في يد والمسطرة في اليد الأخري والفيسبوك نافش ريشه‏..‏ و‏..‏الطموحات والطلبات ما لها سقف مفتوحة لعنان السماء‏!!
[email protected]

المزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة