النبل سمتك, والشهامة في عروقك, فارسا لاتخطئ العين ارتسامته, ولا الخطو الوئيد, ولا الأبوة فيه, دوما صدرك الحاني ملاذ للذين تيتموا من غير فقد. فاصطفوك أبا, وأنت تضمهم, تضفي علي الدنيا دثارا من أمان. هل كنت منذورا لتصبح هكذا, من غير جهد أو مكابدة, فلا نلقاك إلا في حقيقتك البسيطة, شامخا, تسع الجميع, وتنتقي من سوف تمنحهم يقينك, أنت متكأ لهم, وأنيس وحشتهم, وأنت الغامر المعطاء, لا يغويك مايغوي كثيرا من رجال العصر, من سفه, ومن ضعة, ومن شطط ابتذال. ولا تبتغي شيئا سوي ماتستطيع يداك من صنع, وماتعطيه من أنس ومن دعة, وماتمحو به لؤم الزمان. هاأنت تمسك بالعنان, جوادك المقدام في شوط السباق هو المثيل لفارس بطل, وأنت هناك مقتعد لصوته, ومنطلق تشق فضاءك العاتي, وأنت نظيره, فكلاكما يمضي لغايته, وكفك وهي تربت فوق جبهته تقول له كلاما من حديث الخيل, يعرفه, وتعزفه يداك. كان الجواد الحر طفلك, فالحنان له, وكل مباهج الحلوي, وفيه رأيت صنوك في النبالة والجسارة والبطولة والصدام, والقفز من فوق الحواجز طائرا من غير سرج أو لجام. رحبت بداخلك الطفولة, حين صرت أبا لطفلتي التي وجدت مشجعها وراعيها. ورأيت فيها وجه فارسة مهيأة, ستفصح عن مواهبها الدفينة ذات يوم. وتعلقت هي بالجواد, فصار حلما أن تكون جواره, ترعاه, تطعمه, وتسقيه, وتسأل عنه, في صحو, وفي مرض, إذا جاء الصباح. ورأيت وجهك حين تقرأ في الصغار غدا تهيئة لهم, وتحثهم كي يصبحوا ماتشتهيه, ليسعد القلب الكبير بفرحة الغصن الصغير, إذا نما وترعرعا. وأراك تخفي في تواضعك المحير ماصنعت وماكتبت. الفارس المقدام ليس كغيره المتشدقين بأنهم فعلوا الكثير, وغيروا بصنيعهم وجه الحياة, وأنجزوا ماأنجزوا وبه استحقوا أن يكونوا في الصدارة لامعين, وداخلين وخارجين, كأنما الدنيا لهم أبدا, وليس لغيرهم فيها زمان أو مكان. شيئا فشيئا, يأنس القلم الحيي لصحبة من حوله, راحت تشجعه علي نشر الكتابات التي طويت, روايات تضم شخوص عالمه من الفرسان, ملأي بالصراع وبالمواقف والتفاصيل التي تصف الحياة صغيرها وكبيرها, وحقيرها وجليلها. والريشة الموهوبة التعبير تضفي سحرها, فاذا الروايات التي كتبت سجل حافل لوجوه هذا العالم المملوء مضطربا ومختلطا ومزدحما بما لم يقترب من رصده أحد سواه. لكن أعداء المواهب لاتنام عيونهم, والغيرة السوداء تسعي للقضاء عليه صوتا بازغا, يأتي بما لم يعرفوه, لكن صاحبنا الوديع يسود الأوراق في ثقة, ويمضي لايبالي بالتجاهل, أو بأحقاد الذين نري نظائرهم لدينا ناشطين. لايعملون ولا يطاق لغيرهم أن يعملوا. يتآمرون بصمتهم عما يرون, كأنه عدم, ويفتنون في إغلاق كل نوافذ الضوء المتاح, لمن يرون وجوده خطرا عليهم, كاشفا لخوائهم والعجز عن أن يتحققوا. الفارس العذب الجميل, يخوض في لج الحياة, مسلحا بالنبل, والشرف الرفيع, وكل مايبديه من روح الترفع عن دناياهم ولغو حياتهم, وصغارهم, وسقوطهم في وحل دنياهم. ونتوشه بعض السهام فلا يبالي بالجراح. يمضي ويمعن في مسيرته ويقتحم المهالك نازفا, ويلوذ بالأدب البديع, وبالكتابة حين يسكن في صحائفها مرارة مايعاني من بلاء فيه يفتقد الرهان. ويغيب ذو القلب الكبير, وصاحب الصدر الحنون, صفينا الأنقي, وفارسنا الذي آذته هيبته, ووقفته الشجاعة في سبيل الحق, يدفع من شهامته ضريبة عيشه, وتقوده قدماه في ضنك الحياة, مصابرا, وبلا انقطاع. أنفاسه كانت تقول بأن نبض القلب يمعن في تراجعه, وليس هناك من أمل, وهذا الصدر مختنق, ومن خلف الكمامة أرقب العينين تنطفئان, والشفتين تنطبقان, والوجه النبيل يغيب منسحبا, فلا تبقي بشاشته, ولاصوت يجلجل في مسامعنا, فيطربنا, ولابقيا كلام. وعليك ياكنزا دفناه السلام!