كتبت: دعاء خليفة تنحي الرئيس مبارك, رأس النظام, إستجابة لثورة الشعب, لكن بعد أكثر من عشرة أيام, تتوالي المشاهد لتبدو الصورة في مصر مشوشة, غير واضحة, تصيب بالخوف أحيانا وباليأس أحيانا أخري. مظاهر يعتبرها البعض ثورة مضادة, متعمدة لإجهاض الثورة الحقيقية, بينما يعتبرها البعض الآخر عوامل تلهي الثوار بل والمجتمع عن البحث في مطالب وأهداف ثورة25 يناير ومدي تحقيقها. متظاهرون يستميحون الرئيس السابق عذرا ووجوه تظهر متوسلة إليه أن يأخذ الدواء بعد أن ترددت عدة شائعات عن تردي حالته الصحية واكتئابه. انفجارات يومية للعشرات من المظاهرات الفئوية المطالبة بحقوقها, مؤتمرات متتالية يعقدها عدد من الجماعات السلفية ومناقشات حول المادة2 من الدستور التي تعتبر الشريعة الإسلامية مرجعية. كم هائل من الشائعات التي تنتشر كالفيروس وحملات للتخوين أو إثارة الشكوك, مظاهر من الفوضي والبلبلة تثير القلق وأيضا التساؤلات. د. حسن نافعة, أستاذ العلوم السياسية, يري أن المشكلة تكمن في نقص المعلومات حول مايقوم به الرئيس السابق حسني مبارك في الوقت الحالي, وأن الدولة لم تتخذ أي خطوات واضحة لكي تطلب من الدول الأجنبي حصر ثروة الرئيس, فلن يكون مقبولا أي تساهل تجاه الرئيس أو رموز النظام السابق مثل صفوت الشريف وزكريا عزمي وغيرهما. وهو لايستبعد أن تكون مظاهر الثورة المضادة من احتجاجات فئوية ومن حملات للتشوية. أو أساليب إثارة البلبلة, من إعداد عناصر من أمن الدولة أو من فلول النظام الاسبق من الحزب ممن قاموا بإعداد موقعة الجمل أو البغال كما يطلق عليها. فلول من النظام السابق تحاول إعادة بناء نفسها, ولاتوجد أي خطوات جدية في ملاحقتها. مما يعطي انطباعا بأن الثورة المضادة تحاول إجهاض الثورة الفعلية. رأي تشاركه فيه الكاتبة الصحفية سكينة فؤاد مؤكدة أن مظاهر هذه الثورة المضادة ماهي إلا محاولات لتمكين فلول النظام من تخريب مصر لصالح أذرع الحزب الوطني التي رغم فسادها الذي استمر ثلاثين عاما, لم يتم القبض علي عناصرها المختلفة. وتتساءل من الذي يصدرا القرارات في مصر حاليا؟ لماذا لم يتم تشكيل مجلس رئاسي من رموز مدنية وطنية شريفة الي جانب عضو من المجلس العسكري؟ ما معني أن نغير بعض الوجوه دون أن نغير النظام؟ ماهي حدود الصلاحيات التي يمتلكها الرئيس السابق ورجاله الذين مازالوا في مصر حتي الآن, وماهي الرقابة التي تمارس عليهم, تقول الكاتبة مؤكدة أن محاولة استثارة الجانب العاطفي ونقص الوعي لدي كثير من المصريين البسطاء بما يقال أنه وفاء للرئيس وتكريم, هو من مظاهر الثورة المضادة المخططة, فهل نكرمه في مقابل تكريم الشعب بالأمراض, والفقر المدقع, تعذيب السجون وقانون الطواريء. إنها حالة من البلبلة والفوضي واثارة الشائعات يقابلها نقص وبطء شديد في الخطوات الحقيقية المطلوبة لإنجاح الثورة واستكمال مسيرتها. وتضيف: لم تظهر حتي الآن نتائج التحقيقات في الحوادث الخطيرة والمهمة التي يعرف المصريون من ارتكبها والمطلوب التعجيل بمحاسبة من أخطأوا, مئات القتلي وآلاف الجرحي, لم يحاسب من اغتالوهم, فهل الأمر سري؟ وهل هناك نوايا حقيقية لاحترام الثورة ومطالبها؟ إذن من المسئول عن ترك العصابات تثير الفوضي وتنهب المراكز البحثية وتثير الفوضي ومن لازال يقبض علي الأفراد؟ كلها أساليب مخططة, ولنقر ونعترف أن الخلاص الحقيقي هو في اجتثاث النظام القديم, وهو ما لن يحدث, ولكن الأمر جد خطير. فوضي وحملات تشويه وأيضا ظهور متنامي لأنشطة الجماعات السلفية ومناقشة حول المرجعية الدستورية من شريعة اسلامية أو إلغائها. محاولات كما تقول سكينة فؤاد لربط الثورة بالإخوان المسلمين وتحريك هذه الجماعات في هذا الوقت, حتي أصحاب الحق, للتأكيد علي نظرية الأجندات التي إن لم تكن خارجية فهي داخلية., فهذه أيام اختلاط الحابل بالنابل والحق بالباطل. بينما يري د. حسن نافعة أن فكرة ترويج أن الاخوان يركبون الموجة لتشويه الثورة ليست صحيحة, فالإخوان ليسوا من فجروا الثورة ولكن شاركوا فيها, أما مؤتمرات السلفيين والمناقشات حول المادة2 من الدستور, فهو كما يقول جزء من الحالة العامة, في اطار نظام يتحول نحو الديمقراطية.. فمصر بكل ألوانها تتحدث وتعبر عن نفسها, وكثير من الفرق والتيارات الصامتة بدأت تطرح نفسها بعد نجاح الثورة, بعد أن كانت تتصدر المشهد السياسي, فرق سياسية محدودة ويتساءل نافعة: لماذا حين يأتي السلفيون نقول أن ذلك خطأ؟ فما يحدث مناخ صحي, أن يتحدث الإخوان عن رغبتهم في تأسيس هذا الحزب أو ذاك, في اطار اطلاق حرية تشكيل الأحزاب, سيسمح بظهور أحزاب كثيرة, سيتم فيما بعد اختزالها في عدد أقل, ويضيف د. نافعة أنه لاقلق من ذلك لأن الفكر لايواجه إلا بالفكر المضاد, لا بالأمن كما كان يحدث, مطالبا بأن تتواجد حكومة مستقلة لديها رغبة واضحة في إزالة العوائق لإقامة مجتمع ديمقراطي, حتي لاتتحول الحرية لفوضي. أما بهي الدين حسين, عضو مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان فيري أن مايحدث يعكس توجهات مختلفة في الرأي, مابين سلفيين وليبراليين لايجب مصادرتها, ولكن هل هو تعبير طبيعي أم أن هناك اطرافا تحرك هذه النوازع الآن, ليس هو السؤال الأهم بالنسبة له. المهم ألا يشغلنا ذلك عن مدي تقدم الثورة, وبالنسبة له الثورة لازالت محلك سر, فالهدف لم يكن فقط إزاحة رأس النظام, فالنظام نفسه لازال موجودا. ويتساءل بهي الدين حسين عن تأخر الحوار بين المجلس العسكري وائتلاف شباب الثورة, وكذلك عن غياب الإجابات عن أسئلة كبيرة تخص التغيير الحقيقي في المرحلة القادمة. فما هي ضمانات أن يكون البرلمان القادم مختلفا, ولايحوي عناصر من النظام القديم. يجب أن نعمل علي اجتثاث آليات انتاج الفساد وعمل آلية للرقابة الشعبية والمؤسسية الحقيقية وإلا حتي لو أتي ملاك علي رأس السلطة, فسوف يتحول مع الوقت لديكتاتور في ظل صلاحيات يمنحها له القانون والدستور. دستور يوسع حريات الشعب ويقيد صلاحيات الحاكم هو مطلب رئيسي كما تقول سكينة فؤاد التي تؤكد ضرورة استمرار سخونة ميدان التحرير وميادين مصر حتي تلبي المطالب الحقيقية للثورة, وأن يحدد جدول زمني لهذه المطالب ويحل الحزب الذي أفسد مصر علي مدي ثلاثين عاما. فيجب العمل علي تهيئة الظروف لانتخابات حقيقية. أن يقف شباب الثورة جبهة دفاع لإنجاح مطالبهم في مقابل محاولات التشوية التي تقوم بها عناصر الثورة المضادة. فلا بديل عن خطوات جادة وسريعة لتحقيق المطالب الحقيقية للثورة كما تقول سكينة فؤاد, وماعدا ذلك لن يكون مانحن فيه إلا شراكة مع النظام القديم تحت ستار تلبية هذه المطالب, ويكون الهدف هو الحفاظ علي هذا النظام. تحديات يواجهها المجتمع وكذلك المجلس العسكري الذي أكد في اجتماعه الأخير مع عدد من الصحفيين أنه سيقف ضد أي قوي مضادة للثورة. تصريحات يترقب الجميع خطوات سريعة لتحقيقها.