أنا ربة منزل وزوجي موظف بدرجة مدير عام بوزارة المالية, ونحن أسرة ميسورة ولم نكن نعاني من اي مشكلة وفجأة وجدتني اعاني من ثورة الشباب, فكما هزت هذه الثورة مصر كلها وتأثر بها كل شيء حولنا, تأثرت أسرتي أيضا بها فأنا لي ابن وحيد وأربع بنات, وأخاف عليه جدا وأعتبره الحارس علي أخواته, وفي يوم25 يناير الماضي, ذهب ابني الي عمله بشكل عادي, وعاد متأخرا معللا بالزحام, وخلال يومي26 و27 يناير, شك قلبي بأن هناك شيئا مايدور من وراء ظهري بين زوجي وابني الذي يتأخر كثيرا وعندما يعود إلي المنزل يتهامسان معا, وكنت اسمع كلمات متناثرة من حديثهما حول المظاهرات لكني اعتبرته كلاما عابرا مثل كل الاحاديث التي تدور في بيوت مصر. وفي يوم الجمعة أيقظ زوجي ابني مبكرا ووجدته يستعد للخروج وسألته لماذا ستخرج مبكرا فقال لي إنه يود لقاء احد اصدقائه قبل الصلاة, وعندما حذرته من الذهاب الي المظاهرات نفي اي صلة له بها, ولاحظت انه ووالده واخوته الاناث يشاغلونني حتي ينزل ابني دون ان اراه, ففطنت لامرهم وتظاهرت بانشغالي وعند نزوله اسرعت نحو باب الشقة لاري اخته تودعه وهي تضع له الكمامات في حقيبته فاستفسرت منه عما يحدث وصرخت في وجوههن جميعا, فانقلبت ضدي تماما, وقالوا لي أنه يفعل ذلك بالنيابة عنهن, فلقد كان يودهن ان ينزلن ويهتفن ويحتجن, وطلبت من زوجي ان يمنع ابننا من النزول في المظاهرات فاذا به يقول لي انه هو الذي شجعه علي ذلك وانه فخور به جدا فانقلبت عليه ودخلنا في شجار عنيف جدا لاول مرة منذ زواجنا واتهمته بأنه خائن للاسرة وغير امين علي ابنه, ولكن ذلك لم يغير شيئا وذهب ابني الي المظاهرات, وقلبي ينفطر عليه, ولم يتناول احد الطعام في ذلك اليوم حتي عاد لنا سالما واستقبلوه في البيت استقبال الابطال, وحمدت الله علي سلامته وصلينا جميعنا ركعتين شكرا لله, وحكي ابني لنا عما تعرض له ذلك اليوم, وفي اليوم التالي حزم حقائبه متوجها الي ميدان التحرير, ودخلنا في مصادمات مع بعضنا البعض مرة ثانية وتدخل والده واخوته ضدي مرة اخري وتمسك بموقفه ونزل الي الشارع: رغم انه يتقاضي مرتبا لابأس به ويعمل في وظيفة مرموقة جدا وبرر سبب مشاركته في المظاهرات بالظلم الاجتماعي والظلم الذي تعرض له طوال سنين عمره في الدولة وظل ابني حتي الخطاب الثاني للرئيس مرابطا في الميدان, ولم اتركه لحظة دون ان احادثه, وعلي الجانب الاخر استمر الشجار بيني وبين والده, وبعد ساعات عاد الي المنزل قائلا انه يشعر بانه ادي رسالته, وحمدت الله كثيرا وبدأت الامور تعود لطبيعتها في المنزل. وفي فجر اليوم التالي وفور استيقاظه لأداء صلاة الفجر شاهد علي التليفزيون منظر جثث المتظاهرين من زملائه الذين تم سحلهم فوق كوبري اكتوبر فتغرغرت عيوننا جميعا بالدموع وحزم ابني حقائبه مغادرا المنزل وعندما صرخت في وجهه حتي لاينزل بعد ان شاهدت نفس المنظر وكانت اول مرة يعلو فيها صوتي عليه في وجود زوجي, دخلنا في شجار حاد وتبادلنا الاتهامات والاهانات, وفتحنا كل الملفات القديمة حتي اخواته انقسمن فشقيقتاه الكبري والصغري وقفتا في صفي, وقالتا انه ادي واجبه وزيادة والباقون وقفوا ضدي, وإثر هذا الشجار حزمت حقائبي انا ايضا واصطحبتا بنتي اللتين تقفان في صفي الي شقتنا القديمة. ولا ادري كيف يفكر هو وزوجي, ولا ادري هل انا المخطئة ام هما المخطئان وهل ابني علي حق ام لا إنني اريد منه ان يكون بجانبي بعيدا عن كل مكروه فقط واصبحت اكره السياسة وأبغضها جدا, لانها فرقت اسرتي وشتت العائلة كما شتت تفكيري.. فما الذي تراه حلا لما ألاقية وماتعانيه آلاف الامهات أمثالي؟ * مافعله ابنك ياسيدتي تعبير عن مطالب المواطنين وأبناء الشعب, وهناك الملايين أمثاله ممن طالبوا بالتغيير, وخرجوا في مظاهرات سلمية.. لكن البعض ركب الموجة وراح يخرب الممتلكات العامة والخاصة, وحطموا السجون وأخرجوا المساجين ومنهم أعضاء الخلايا الإرهابية التي كانت تهدف إلي زعزعة وأمن واستقرار مصر. والمدهش أن الشباب فطنوا إلي مايحاك ضدهم, لكن بعض الفئات رفضت باصرار كل الحلول المطروحة.. والمدهش أنه كلما استجابت القيادة السياسية لمطلب من المطالب زاد هؤلاء في مواقفهم المتشددة. ياسيدتي كل شئ واضح بعد تنحي الرئيس حسني مبارك وتكليفه المجلس الاعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد والتي كانت قد ضمنت تحقيق كل المطالب لكن بعض من لهم أجندات خاصة كان لهم موقف رافض. إن الأمر علي هذا النحو يعرض البلاد للخطر ولابد للشباب الواعي أن يدرك أن كل شئ قد تغير وأن يعودوا إلي مواقع عملهم ودراساتهم ومنازلهم. وعلينا جميعا أن نلتزم صوت الحكمة من أجل مصر ومن أجل الاستقرار, وهذا أيضا مايجب أن يعيه ابنك وكل أبنائنا الأوفياء, فالاستمرار في المظاهرات والسيطرة علي ميدان التحرير لم تعد لهم قيمة, وإنما سوف يتسبب في مزيد من الخسائر, وسوف تنهار الخدمات ويتراجع الاقتصاد المصري إلي الوراء سنوات طويلة. إن مطالب الثورة أصبحت واقعا لارجعة عنه فكفي عنادا من أجل مصر.