سامية عبدالسلام عندما وجدت أنه البديل لحلم العمر.. تقبلته, وعندما اقتربت منه أحبته وأخلصت له, ومن أجله اجتهدت حتي تفوقت, بذلت الكثير حتي أصبحت صاحبة بصمة فريدة, جعلتها تشعر بالرضا وتقتنع بأن هدية السماء قد عوضتها عن الحلم الذي لم يتحقق بما لا يقل عنه أهمية. وهي سحر الأغا, المدير التنفيدي لجمعية أصدقاء الغد المشرق التي ابتكرت منهجا لتعليم ذوي الإعاقة الذهنية القراءة والكتابة وساعدتهم علي الحصول علي شهادة رسمية بذلك لأول مرة. كان حلمها الالتحاق بكلية الطب, ودرست وتفوقت في الثانوية العامة التي حصلت عليها من دولة الإمارات العربية إلا أن تفوقها هناك لم يكن كافيا لدراسة الطب في مصر, فالتحقت بالمعهد العالي للدراسات والتأهيل التابع لجامعة عين شمس عندما علمت أنها ستحصل علي بكالوريوس التربية الخاصة والتأهيل بعد أن تدرس معظم علوم الطب مثل التشريح وعلم النفس وعلم الاجتماع والتخاطب والعلاج الطبيعي والعلاج الوظائفي والعلاج بالكهرباء لتصبح متخصصة في علاج وتأهيل ذوي الإعاقة, وهو المجال الذي عشقته وأصبح عملها الذي أخلصت له واجتهدت حتي حققت انجازا غير مسبوق في مجال الإعاقة الذهنية. وترجع إلي البداية عام1982 بالتحاقها بالدراسة الجامعية,فتعترف أن المهمة لم تكن سهلة ولا الدراسة نمطية, فقد كان لهذا المعهد نظام حيث يوضع الطالب ستة أشهر تحت الملاحظة لمعرفة مدي استعداده للتعامل مع اصحاب الإعاقات, وهو ما يتطلب توافر سمات مثل الصبر والقدرة علي تقبل المشكلات واحتمالها والعمل علي حلها, وبعد قبوله يدرس الطالب لمدة24 شهرا متواصلة, وحتي يستمر في الدراسة لعامين آخرين عليه إعداد مشروع تخرج بعد دخوله مجال العمل, فيختص بحالة بعينها أي يعهد إليه بطفل من ذوي الإعاقات ويقوم بإعداد اختبار قدرات وتقويم لمقدرته علي التواصل السمعي والبصري ومهارات السلوك التوافقي وغيرها من المهارات ويضع برنامجا تأهيليا لكل مهارة, وبعد تقويم المشروع واجازته يلتحق الطالب بالدراسة المتقدمة لمدة عامين آخرين ليصبح بعدهما مؤهلا لوضع برامج لاخصائيي التأهيل, وهذا النظام كان متبعا قبل افتتاح كليات التربية الخاصة وقد اجتازت سحر الاغا الدراسة بامتياز, ثم حصلت علي دبلومة متخصصة في نفس المجال. وفي سردها لحياتها العملية تؤكد أنها لن تنسي محمد عامر الذي بدأت معه مشوارها الدراسي والعملي. حيث استقبلته وهو في السابعة من عمره, وكان تقييم حالته ووضع برنامج لتأهيله هو جواز مرورها للمرحلة المتقدمة من دراستها. لم تعطلها حياتها الخاصة ولا أعباؤها الاجتماعية عن عطائها وتوازي مشوارها العملي مع مشوارها الأسري. حيث عملت في جمعية الهلال الأحمر ومستشفي الهلال الأحمر الفلسطيني ثم تولت مسئولية الإدارة الفنية لجمعية أصدقاء الغد المشرق وأيضا تزوجت وأنجبت ثلاثة من الأبناء المتفوقين. حيث يدرس أكبرهم التجارة باللغة الانجليزية والابنة في الثانوية العامة, أما الأصغر فهو تلميذ بالصف الأول الإعدادي. حبها لعملها واحساسها بالأمومة كانا دافعها لبذل ما في وسعها لمساندة الأطفال ذوي الإعاقة والاستفادة من قدرتهم. كانت بدايتها مع الاطفال من الأشهر الأولي حتي خمس سنوات من خلال برنامج التنبيه المبكر بهدف تحفيز ملكات الطفل قبل اكتمال نموه الفسيولوجي, ثم عملت مع الأطفال من عمر8 سنوات حتي16 سنة ممن لديهم إعاقات ذهنية وتأخر دراسي, ووجدت أن من يتخطي ذكاؤهم70% قادرون علي التعلم, وكان ذلك عند توليها العمل بالجمعية. حيث قامت بعمل تقييمات للحالات ووضعت برامج تناسب كل حالة, ووجدت لديهم استجابة لتعلم بعض المهارات ومن بينها تعلم الحروف والارقام, فصممت برنامج تهيئة لما قبل محو الأمية يتضمن العمليات الحسابية البسيطة, والتعرف علي الأفعال وربطها بالصور ثم الصورة بالحرف ثم الحروف بالكلمات ثم الجمل.. وهكذا, وقد شجعها تقدم الأطفال ومعرفتهم بمبادئ القراءة والكتابة والحساب علي التفكير في حصولهم علي شهادة محو الأمية, وبعد تطويع منهج الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار واجتياز الأطفال اختبارات الهيئة حصل28 منهم علي شهادة محو الأمية,وهو ما يحدث لأول مرة. وبعد هذا الانجاز طلب بعض أولياء الأمور استمرار ابنائهم في التعليم حتي يحصلوا علي شهادة الإعدادية, وهو ما ترفضه سحر الأغا بل وتحذر منه, لأنها تري أن الأبناء بذلوا أقصي ما في وسعهم وشعروا بفرحة النجاح ويصعب عليهم دراسة المواد الأخري مثل العلوم والجغرافيا والجبر والهندسة والنحو وغيرها وإذا شعروا بالفشل في استيعابها فسوف تحدث لهم انتكاسة ويصابون بالاحباط هم وذووهم. وهنا تشير إلي أهمية إدراك الأهل لقدرات أبنائهم الحقيقية ووضعها في حجمها الصحيح, وعدم المبالغة في توقعاتهم وألا يثنيهم ذلك عن مواصلة تأهيل الأبناء ومساعدتهم في الاعتماد علي أنفسهم. أما ذوو الإعاقة الذهنية الجسيمة والذين يستجيبون للتأهيل بصعوبة بالغة, فهم يحتاجون إلي التأهيل المستمر, وإلي مساندة أفراد المجتمع وإلي توافر مؤسسات لرعايتهم خاصة بعد رحيل الأهل. وأهم ما تؤكده هو إدراك الأهل أن الابن المعاق هو بشر له حقوق وعليه واجبات, وهو في الاساس إنسان يحب ويكره.. ربما يفهم أويتحرك ببطء لكنه يدرك ويحس ويفهم.