وزير الإسكان يعقد اجتماعا بمقر جهاز مدينة "الفيوم الجديدة"    لمواليد برج الثور.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    الجامعة العربية والحصاد المر!    «غرفة الإسكندرية» تستقبل وفد سعودي لبحث سبل التعاون المشترك    مبادرات التخفيض "فشنك" ..الأسعار تواصل الارتفاع والمواطن لا يستطيع الحصول على احتياجاته الأساسية    السيسي: مكتبة الإسكندرية تكمل رسالة مصر في بناء الجسور بين الثقافات وإرساء السلام والتنمية    وزير التنمية المحلية: إنشاء 332 مجمعًا خدميًا في قرى «حياة كريمة»    ختام فعاليات المرحلة الثانية من الدورة التدريبية لخطوات اختبارات الجودة    تحقيق جديد في اتهام سائق بالتحرش.. وتوصيات برلمانية بمراقبة تطبيقات النقل الذكي    يوسف زيدان يرد على أسامة الأزهري.. هل وافق على إجراء المناظرة؟ (تفاصيل)    وزير دفاع الاحتلال: لا نعترف بسلطة محكمة الجنايات الدولية    150 هزة ارتدادية تضرب غرب نابولي.. وزلزال الأمس هو الأقوى خلال العشرين عامًا الماضية    موعد تجديد عقد لوكاس فاسكيز مع ريال مدريد    جاهزية بديل معلول.. الأهلي يتلقى بشرى سارة قبل مواجهة الترجي بنهائي إفريقيا    كشف حقيقة ما تم تداوله على أحد المواقع الإخبارية بشأن محاولة خطف طالب بالقاهرة    الرقابة النهرية: معدية أبو غالب رخصتها منتهية ومخالفة للاشتراطات    ضبط طرفى مشاجرة بالقاهرة نتج عنها وفاة طفلة وإصابة آخر    أجازة 9 أيام .. تعرف على موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2024    بتهم القتل والبلطجة.. إحالة أوراق عاطل بالقليوبية لفضيلة المفتي (تفاصيل)    تأجيل 12 متهما ب «رشوة وزارة الرى» ل 25 يونيو    رئيس الوزراء يلتقي أعضاء المجلس التصديري وغرف الصناعات الغذائية    تعاون مصري سعودي لتعزيز حقوق العمال.. برنامج تأميني جديد وندوات تثقيفية    هيدي كرم تكشف عن البوستر الرسمي لمسلسل الوصفة السحرية.. يعرض قريبا    العرض على شاشات المتحدة.. صبا مبارك بطلة مسلسل وتر حساس من 45 حلقة    كيت بلانشيت بفستان مستوحى من علم فلسطين.. واحتفاء بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي العرب (صور)    دعاء النبي في الحر الشديد: كيفية الدعاء أثناء موجة الطقس الحار    احذروا الشائعات.. مجلس الوزراء يكشف حقيقة بيع المستشفيات الحكومية ووقف الخدمات المقدمة للمواطنين    في اليوم العالمي للشاي.. أهم فوائد المشروب الأشهر    إجراء 74 ألف عملية جراحية لمواطني المنيا ضمن مبادرة «القضاء على قوائم الانتظار»    «الشراء الموحد»: الشراكة مع «أكياس الدم اليابانية» تشمل التصدير الحصري للشرق الأوسط    وزير الري: أكثر من 400 مليون أفريقي يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى مياه الشرب    «القاهرة الإخبارية»: حماس تنتقد جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنين    الخارجية الأردنية: الوضع في قطاع غزة كارثي    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    «التضامن»: مغادرة أول أفواج حج الجمعيات الأهلية إلى الأراضي المقدسة 29 مايو    هالاند.. رقم قياسي جديد مع السيتي    أحمد الفيشاوي يحتفل بالعرض الأول لفيلمه «بنقدر ظروفك»    الموعد والقناة الناقلة لقمة اليد بين الأهلي والزمالك بدوري كرة اليد    هل يصبح "خليفة صلاح" أول صفقات أرني سلوت مع ليفربول؟    حفل تأبين الدكتور أحمد فتحي سرور بحضور أسرته.. 21 صورة تكشف التفاصيل    وزير التعليم: مدارس IPS الدولية حازت على ثقة المجتمع المصري    كرة اليد، ماذا يحتاج الزمالك لاقتناص لقب الدوري من الأهلي؟    الهجرة تعقد عددًا من الاجتماعات التنسيقية لوضع ضوابط السفر للفتيات المصريات    «القومي للمرأة» يوضح حق المرأة في «الكد والسعاية»: تعويض عادل وتقدير شرعي    «ختامها مسك».. طلاب الشهادة الإعدادية في البحيرة يؤدون امتحان اللغة الإنجليزية دون مشاكل أو تسريبات    طلب تحريات حول انتحار فتاة سودانية صماء بعين شمس    دونجا: ياسين لبحيري حماني من إصابة خطيرة.. وشكرته بعد المباراة    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات الثلاثاء    خبيرة تغذية توجه نصائح للتعامل مع الطقس الحار الذي تشهده البلاد (فيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-5-2024    لجان البرلمان تواصل مناقشة مشروع الموازنة.. التموين والطيران والهجرة وهيئة سلامة الغذاء الأبرز    داعية إسلامي: الحقد والحسد أمراض حذرنا منها الإسلام    حسام المندوه: الكونفدرالية جاءت للزمالك في وقت صعب.. وهذا ما سيحقق المزيد من الإنجازات    مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات إلى غزة لتجويع القطاع    الطيران المسيّر الإسرائيلي يستهدف دراجة نارية في قضاء صور جنوب لبنان    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعددية‏..‏ حكمة إلهية

إذا كان الله عزوجل جعل التعددية سنة من سنن الكون‏,‏ وخلق العالم مختلفا في العقائد‏,‏ والأرزاق‏,‏ والاشكال‏,‏ والأجناس‏,‏ والألوان‏,‏ ليثبت للخلائق جميعا دلائل الإرادة الإلهية‏,‏ وأسرار القدرة الربانية‏,‏ بأن لهذا الكون إلها واحدا‏,‏ خلق فسوي‏,‏ وقدر فهدي‏..‏ فلماذا نجد هذه الأيام عداوة ونفورا بين المسلم والمسيحي‏,‏ والغني والفقير‏,‏ والأبيض والأسود‏,‏ والذكر‏,‏ والأنثي‏,‏ وأصحاب اللغات المختلفة الذين يعيشون في مجتمع واحد‏.‏
ان مفهوم التعددية يتضمن الاقرار بحق الاخرين في العيش معا‏,‏ وان يكونوا متجاورين في المسكن والعمل‏,‏ ومتعاونين في خدمة البشر‏,‏ مثل الوقوف ضد تيار الالحاد وتيار الاباحية‏,‏ وضد المظالم الاجتماعية‏,‏ وضد العدوان علي حقوق الانسان‏,‏ والوقوف مع الشعوب المستضعفة‏,‏ وليس الوقوف ضد بعضهم البعض كما يحدث هذه الايام‏.‏
ولكن هناك ثقافات غريبة دخلت إلي بلادنا‏,‏ لا علاقة لنا بها‏,‏ مثل ترسيخ العمل الفردي‏,‏ ومحاربة المشاركة الجماعية‏,‏ أدت إلي ايجاد حالة من التعصب‏,‏ ورسخت لمبدأ رفض الأخر‏,‏ ومعاداته‏,‏ والخوف منه‏,‏ وعدم التعامل معه‏.‏
لذلك نحاول في السطور التالية مناقشة قضية تعايش الأديان معا‏,‏ لنوضح الأسباب الرئيسية التي أدت إلي التقوقع علي الذات بين أتباع الدين الواحد‏,‏ والخوف من التعامل مع الأخر‏,‏ من خلال تعريف مفهوم التعددية من منظور إسلامي‏,‏ ورصد اراء علماء الدين والاجتماع والنفس حول الحكمة الإلهية من خلق الكون متعددا في كل شئ‏.‏
مفهوم التعددية
يعرف الدكتور محمد عمارة المفكر الاسلامي التعددية في كتابه التعددية‏:‏ الرؤية الاسلامية والتحديات الغربية بأنها تنوع مؤسس علي تميز‏..‏ وخصوصية ولذلك فهي لايمكن ان توجد وتتأتي بل ولا حتي تتصور الا في مقابل وبالمقارنة مع الوحدة والجامع ولذلك لايمكن اطلاقها علي التشرذم والقطيعة التي لاجامع لآحادهما‏,‏ ولا علي التمزق الذي انعدمت العلاقة بين وحداته‏,‏ وايضا لا يمكن اطلاق التعددية علي الواحدية التي لا أجزاء لها او المقهورة اجزاؤها علي التخلي عن المميزات والخصوصيات علي الأقل عندما يكون الحكم علي عالم الفعل لا علي عالم الامكان والقوة‏.‏
فأفراد العائلة‏:‏ تعدد في إطار العائلة‏,‏ وفي مقابلتها‏..‏ والذكر والأنثي تعدد في إطار الوحدة الانسانية‏..‏ والشعوب والقبائل تعدد في جنس الانسان‏.‏
فبدون الوحدة الجامعة لا يتصور تنوع وخصوصية وتميز‏,‏ من ثم تعددية‏,‏ والعكس صحيح‏.‏
ويقول الدكتور عمارة في تعريفه ان التعددية مستويات يحددها الجامع والرابط الذي يجمع ويوحد ويظلل وحدتها وأفرادها‏.‏ فعلي المستوي العالمي‏,‏ هناك تعددية الحضارات المتميزة والقوميات المختلفة المؤسسة علي تعدد في الشرائع والمناهج والفلسفات واللغات والثقافات وبينها جميعا جامع الاشتراك في الانسان الذي لا تمايز فيه ولا اختلاف‏.‏
وعلي مستوي كل حضارة من الحضارات‏,‏ هناك تعددية في المذاهب ومدارس الفكر وفلسفاتها وتيارات السياسية وتنظيماتها وقد تكون في بعض الحضارات تعددية في القوميات واللغات والأوطان تتمايز وحدات التعددية في الخصوصيات المتعددة مع اجتماعها كلها في رابط الحضارة والحدة وجامعها‏.‏
ويوضح الدكتور عمارة في تعريفه ان التعددية ككل الظواهر والمذاهب الفكرية‏,‏ لها وسط عدل متوازن ولها طرفا غلو احدهما إفراط والآخر تفريط‏..‏وسطها العدل المتوازن هو الذي يراعي العلاقة بين التميز والتنوع والتعدد وبين الجامع والربط والوحدة بينما يمثل التشرذم غلو القطيعة والتنافر الذي لا جامع له كما تمثل الوحدة المنكرة للخصوصية غلو القهر المانع من تميز الفرقاء واختصاصها‏.‏
ويشير في تعريفه إلي انه اذا كانت الرؤية الاسلامية قد قصرت الوحدة التي لا تركيب فيها ولا تعدد لها علي الذات الالهية وحدها‏,‏ دون كل المخلوقات والمحدثات والموجودات في كل ميادين الخلق المادية والحيوانية الانسانية والفكرية تلك التي قامت جميعها علي التعدد والتزاوج والتركيب والارتفاق‏..‏ فان هذه الرؤية الاسلامية تكون بهذا الموقف الثابت ثبات الاعتقاد الديني بل جوهر هذا الاعتقاد قد جعلت من التعددية في كل الظواهر المخلوقة سنة من سنن الله سبحانه وتعالي في الخلق والمخلوقات جميعا وآية من الآيات التي لا تبديل لها ولا تحويل انها القانون الالهي والسنة الالهية الأزلية الأبدية في ميادين الكون المادي‏,‏ والاجتماع الانساني وشئون العمران وميادينه وبها تتميز وتختص الوحدانية في ذات الحق كما تتميز وتختص التعددية بكل مظاهر الخالق‏.‏
كما يشير الدكتور عمارة في تعريفه إلي أنه اذا كانت الوسطية الجامعة في الرؤية الاسلامية هي خصيصة من خصائص الامة الاسلامية والمناهج الاسلامية يشهد عليها القرآن الكريم المنبئ عن جعل الله سبحانه وتعالي هذه الامة امة وسطا وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا‏..‏ وهي وسطية العدل‏,‏ أي التوازن‏,‏ الذي لايقوم إلا بجميع عناصر الحق والصواب من طرفي غلو الإفراط والتفريط‏,‏ وتميزها موقفا ثالثا وسطا مستقلا‏,‏ وذلك علي النحو الذي حدده الحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه الرسول صلي الله عليه وسلم‏:‏ الوسط‏:‏ العدل‏,‏ جعلناكم أمة وسطا‏.‏ اذا كان هذا هو معني الوسطية الإسلامية‏,‏ فإن التعددية الموزونة بميزانها‏,‏ لابد أن تكون تميزا لفرقاء يجمعهم جامع الإسلام‏,‏ وتنوعا لمذاهب وتيارات تظللها مرجعية التصور الإسلامي الجامعة‏,‏ وخصوصيات متعددة في إطار ثوابت الوحدة الإسلامية‏,‏ الأمر الذي يجعل هذه التعددية‏:‏ نموا‏,‏ وتنمية للخصوصيات‏,‏ مع احتفاظ كل فرقائها‏,‏ وأطراف الخصوصيات‏,‏ وأفراد التنوع بالروح الإسلامية‏,‏ والمزاج الإسلامي‏,‏ وتواصل الفروع مع أصل الشجرة الطيبة لكلمة الإسلام‏,‏ التي هي بلاغ الله الي رسوله صلي الله عليه وسلم‏,‏ وبيان هذا الرسول الي العالمين‏.‏
وبهذا المنظار والمنهاج‏,‏ يكون طريق النظر الإسلامي الي قضية التعددية‏,‏ فيراها قانون التنوع الإسلامي في إطار الوحدة الإسلامية‏.‏
حكمة إلهية من التعددية
ويقول الدكتور أحمد عمر هاشم عضو مجمع البحوث الإسلامية ورئيس جامعة الأزهر الأسبق‏,‏ إن رب العزة جل وعلا أدري وأعلم بالخلق‏,‏ وشاءت ارادته أن يخلق الناس مختلفين‏,‏ منهم المؤمن‏,‏ ومنهم الكافر‏,‏ ومنهم الطائع‏,‏ ومنهم العاصي‏,‏ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم‏.‏
وفي لذلك خلقهم إشارة الي الإرادة الربانية‏,‏ التي قضت بتنوع الخلق وتعدد الناس‏,‏ وتعدد عقائدهم‏,‏ وجنسياتهم‏,‏ وألوانهم‏,‏ وتلك من آيات الله‏,‏ ومن آيات الله أيضا‏,‏ اختلاف ألسنتكم وألوانكم‏,‏ فهي تحمل للخلائق جميعا دلائل الارادة الإلهية‏,‏ وأسرار القدرة الربانية‏,‏ بأن لهذا الكون إلها واحدا‏,‏ خلق فسوي‏,‏ وقدر فهدي‏,‏ يخلق ما يشاء‏,‏ بيده الأمر والتدبر‏,‏ يبسط الرزق ويقدر‏,‏ ويحيي ويميت‏,‏ وهو علي كل شئ قدير‏.‏
ويضيف الدكتور هاشم‏,‏ أن في هذا ما يدعو الخلق الي الايمان بالله ربنا‏,‏ والخضوع له والتوكل عليه‏,‏ والاتجاه إليه وحده بالسؤال والدعاء‏,‏ لأنه لا أحد يستجيب‏,‏ ولا أحد يقدر إلا الله‏,‏ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت باستعن بالله‏,‏ وأعلم أن الأمة لو اجتمعت علي أن ينفعوك بشئ لم ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله لك‏,‏ وإن اجتمعت علي أن يضروك بشئ لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك‏.‏ ويوضح الدكتور هاشم أنه عندما يؤمن الإنسان بالحكمة الإلهية في التعددية‏,‏ في العقائد‏,‏ والأرزاق‏,‏ والأشكال‏,‏ والأجناس‏,‏ والألوان‏,‏ لا يزاحم الحكمة الإلهية في ارادتها‏,‏ ولا يتمرد علي هذا القضاء المبرم‏,‏ ولا يتسلط علي أحد من خلق الله‏,‏ وإن اختلف معهم في العقيدة أو الجنس أو اللون‏,‏ لأنه مادام يؤمن بأن هذه ارادة الله‏,‏ فعليه أن يتعايش مع الخليقة علي تعدد أنماطها‏,‏ وأطيافها‏,‏ وأن يعيش في سلام دائم ناداه إليه ربه حين قال ادخلوا في السلم كافة‏.‏
ويطالب الدكتور هاشم سكان هذا الكوكب الأرضي بأن يتعايشوا في سلام عالمي تعايشا سلميا‏,‏ وأن تسود ثقافة التسامح‏,‏ وأخوة الإنسان لأخيه الإنسان‏,‏ لأننا جميعا علي مختلف عقائدنا‏,‏ وأشكالنا‏,‏ وأجناسنا‏,‏ وألواننا‏,‏ ننتمي الي أصل واحد‏,‏ ونرجع الي أب واحد‏,‏ آدم والد الجميع‏,‏ كلكم لآدم وآدم من تراب‏.‏ ويستطرد قائلا‏:‏ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا‏,‏ فالتعارف والتآلف من الحكم الربانية التي استهدفها خلق الناس شعوبا وقبائل‏,‏ وعلي عقلاء العالم أن يقفوا موقفا حاسما حكيما لتوثيق الروابط بين بني البشر‏,‏ وتعميق الروابط في إطار الأخوة الإنسانية‏,‏ في تناغم وتضافر وتعاون‏,‏ فلا عدوان‏,‏ ولا صدام للحضارات‏,‏ بل تعاون وتضافر للقوة من أجل صالح البشرية جمعاء‏.‏ ما يطالب بأنه بدل من أن تبدد الملايين والمليارات من الأموال في أسلحة الدمار الشامل‏,‏ أن توجه الي البطون الجائعة‏,‏ والدول الفقيرة‏,‏ لأنهم اخوتنا في الإنسانية‏,‏ مهما اختلفوا جنسا أو لونا أو عقيدة أو هوية‏,‏ فكلنا نرجع الي أصل واحد‏,‏ وبهذا يمكن أن يعيش العالم في أمان‏,‏ وأن يسوده ثقافة التعاون والتسامح والاطمئنان‏,‏ وينطلق الي التعاون الذي أمر الله تعالي به‏,‏ القائم علي البر والتقوي‏,‏ كما قال تعالي وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان‏.‏
تعايش الأديان معا
وحول كيفية تعايش الأديان معا‏,‏ في ظل فكرةج التعددية‏,‏ يقول الدكتور محمد شامة أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الأزهر‏,‏ إن الإسلام هو أول من أقر التعايش مع الآخر في مجتمع واحد‏,‏ فعندما هاجر الرسول عليه الصلاة والسلام الي المدينة‏,‏ وكان يعيش فيها مسلمون ويهود ووثنيون‏,‏ ومن ليس لديهم دين معين‏,‏ فعمل الرسول ما يسمي وثيقة المدينة التي تقول إن كل هؤلاء يعيشون معا في وطن واحد‏,‏ لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات‏,‏ وهذا ما يسمي في العصر الحديث بالمواطنة‏.‏ ويضيف الدكتور شامة‏,‏ أن العلماء في العصر الحديث يسمون هذا بوثيقة السلام‏,‏ وهذا أبلغ ما يكون في تعايش الإسلام مع الأديان الأخري في مجتمع واحد‏.‏
ويوضح أن هناك تغيرا في الثقافات العربية والإسلامية حدث نتيجة الثقافات الأجنبية التي دخلت تلك البلاد‏,‏ والتي لا علاقة للإسلام بها‏,‏ ولكنها أدت الي ايجاد حالة من التعصب بين أتباع الدين الواحد‏,‏ رسخت لمبدأ رفض الآخر ومعاداته‏,‏ ووصل الأمر بأصحاب الدين الواحد الي التقوقع علي الذات‏,‏ والخوف من الآخرين‏.‏ ويطالب الدكتور شامة جميع المجتمعات بأ تفهم ما فعله الرسول صلي الله عليه وسلم مع أصحاب الأديان الأخري في المدينة ويلتزمون به‏,‏ لأن ذلك يحل الكثير من المشكلات التي تحدث حاليا سواء في الدول الغربية أو الدول الشرقية‏.‏
احترام إرادة كل إنسان
وإذا كان جميع الأنبياء من آدم عليه السلام إلي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم دعوا إلي دين واحد وهو إسلام القلب لله‏,‏ كما يوضح الدكتور محمد الدسوقي أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة‏,‏ فإن هذا الدين الواحد اجتمع جميع الأنبياء فيه علي ثلاثة أسس أو أمور‏,‏ الأمر الأول هو الدعوة إلي وحدانية الله‏,‏ فلا يوجد نبي إطلاقا دعا إلي غير ذلك‏,‏ الله واحد أحد‏,‏ فرد صمد‏,‏ لم يلد ولم يولد‏,‏ ولم يكن له كفوا أحد‏,‏ والأمر الثاني هو الإيمان بالبعث والجزاء‏,‏ والثواب والعقاب‏,‏ والأمر الثالث هو الدعوة إلي مكارم الأخلاق‏,‏ فلم يأت أي نبي يدعو إلي شيء يتعارض مع الأخلاق إطلاقا‏,‏ فكل الأنبياء دعوا إلي محبة الناس وتعاونهم وتكافلهم‏,‏ والنهي عن الاعتداء والغيبة والنميمة وسوء الظن وأكل المال بالباطل‏,‏ وكل المحرمات التي نهي عنها الدين‏,‏ وهذه الأمور الثلاثة لا يختلف نبي عن آخر فيها‏.‏
ويضيف الدكتور الدسوقي‏:‏ اختلف كل نبي عن آخر في أمرين‏:‏ الأول أن كل الأنبياء قبل سيدنا محمد‏,‏ بعثوا إلي قومهم‏,‏ أما محمد عليه الصلاة والسلام فقد بعث للناس كافة‏,‏ ومع أن دعوة الإسلام تقوم علي مبدأ أساسي مهم جدا‏,‏ وهو لا إكراه في الدين‏,‏ فالإنسان ينبغي أن يختار العقيدة أو الدين الذي يطمئن له قلبه ويرتاح إليه عقله‏,‏ ومع هذا‏,‏ فإن الإسلام الذي بعث به سيدنا محمد يحترم الذين لم يؤمنوا به ماداموا لم يعادوه‏,‏ ومن وسائل الاحترام‏,‏ حماية أماكن العبادة الخاصة بهم‏,‏ واحترام حقوقهم الإنسانية التي يلتقون فيها مع البشر جميعا‏.‏
ويوضح أن عدم احترام الآخر يتم نتيجة جهل وتعصب وعدم احترام إرادة كل إنسان في الإيمان بالعقيدة التي يؤمن بها‏,‏ وهذه هي الأسباب الأساسية التي تؤدي إلي مظاهر الكراهية والنفور أحيانا‏,‏ وما يحدث من علامات يطلق عليها الإرهاب‏,‏ حيث توجد بعض القيادات في بعض الشرائع تحض بإرادتها أو بغير إرادتها علي نبذ الآخر‏,‏ وعدم التعاون معه‏,‏ والتخطيط للنيل منه‏,‏ وهنا نشير إلي قضية عرفها المجتمع الغربي‏,‏ وهي ظاهرة الاستشراف والتبشير‏,‏ فقد مثلت هذه الظاهرة حروبا فكرية ضد الإسلام والمسلمين‏,‏ مما حمل المسلمين علي أن يردوا علي الإساءة بمثلها‏,‏ ومن هنا بدأ الاحتقان يزداد حدة‏,‏ ويتطور تطورا غير صحيح‏,‏ والإنسان هو المسئول عن هذا وليس الدين‏,‏ فعلي العقلاء من أتباع الدين أن يحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا‏,‏ ويزنوا أعمالهم قبل أن توزن عليهم‏.‏
للتعددية منظور اجتماعي
وتري الدكتورة سامية خضر صالح‏,‏ أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس‏,‏ أن التعددية في منظور علم الاجتماع هي عبارة عن إطار للتفاعل تظهر فيه المجموعات التي تحترم التسامح مع الآخرين‏,‏ والتعايش المثمر والتفاعل‏,‏ بدون صراع وبدون انصهار‏.‏
والإنسان المصري من أفضل الشخصيات في العالم‏,‏ وتدلل علي ذلك بأن الحملة الفرنسية عندما جاءت علي مصر‏,‏ أشادت بالشخصية المصرية‏,‏ وقالت إن الشخص المصري نسيجه يميل إلي الإنسانية والرحمة والمودة أكثر من أي شخص أوروبي‏,‏ ولو وضع هذا الإنسان في إطاره السليم قانونيا لأصبح من أكثر أجناس الأرض إنتاجا وفكرا وإبداعا‏,‏ وأن المصري سواء كان مسيحيا أو مسلما لا يظهر ذلك عليه‏,‏ وليس هناك أي فرق بينهم إذا نظرت إليهم في كل التعاملات المختلفة‏,‏ إلا فقط عند العبادة‏,‏ فلكل عبادته‏.‏ وتوضح الدكتورة سامية خضر أننا إذا نظرنا للغرب سنجد هناك تقبل للآخر‏,‏ لأنه يوجد لديهم قوانين مدنية قوية تطبق بحزم علي الجميع‏,‏ بغض النظر عن الديانة‏,‏ ولا تقبل النقاش‏,‏ وهذه القوانين هي التي تجعل أي مجتمع من المجتمعات يسير كالساعة‏,‏ وعندما يكون القانون قويا في المجتمع يحل كل شيء‏.‏ وتطالب الدكتورة خضر بعمل تغيير اجتماعي وثقافي في المجتمع قبل أن تحدث أزمة أخري في المجتمع‏,‏ وضرورة تفعيل دور المثقفين وأصحاب الفكر‏,‏ وتطبيق القانون بكل مفرداته علي الجميع‏,‏ وعندما يتم ذلك سنجد أن هناك مجتمعا فيه تسامح ومودة ورحمة‏,‏ بعيدا عن الصراع والعصبية والتطرف‏,‏ ولن يكون هناك استبعاد للآخر‏.‏
العمل المشاركة هي الحل
من أهم العوامل التي أدت إلي عدم قبول الآخر في المجتمعات هي التطورات العالمية التي حدثت نتيجة استخدام شبكة الإنترنت كما يقول الدكتور محمود عبدالحليم منسي أستاذ علم النفس التربوي بجامعة الإسكندرية والتي كرست الذاتية والفردية لدي الطفل أو الشاب أو الرجل الكبير‏,‏ الذي يجلس علي الحاسب بمفرده فترات طويلة‏,‏ تؤدي إلي قلة عمله الجماعي والتشاركي مع أفراد المجتمع‏.‏ وضيف‏:‏ من تلك العوامل أيضا غياب عمل الفريق الواحد في مختلف المجالات‏,‏ مما يؤدي إلي الأنانية‏,‏ فالجميع يريد أن ينسب النجاح لنفسه‏,‏ ويضحي بنجاح الفريق من أجل نجاحه الشخصي‏,‏ هذا بالإضافة إلي التنشئة الاجتماعية الخاطئة من الأسر التي تحذر أطفالها من التعامل مع الآخرين‏,‏ وتقوم بتخويفهم من الآخر‏,‏ وتشبهه لهم بأنه سوف يخطفهم أو يسرقهم أو يؤذيهم‏.‏
ويوضح الدكتور عبدالحليم أن نظام التعليم الفردي الموجود في أغلب المجتمعات يقوم علي التنافس الجماعي بين الطلاب‏,‏ وهذا يؤدي إلي الأنانية بينهم‏,‏ وينظر الطالب للآخر علي أنه عدو له‏,‏ ويريد هزيمته والتفوق عليه‏,‏ لذلك يوجد لدينا منظومة اجتماعية تعليمية تكرس عدم قبول الآخر‏,‏ ومنها علي سبيل المثال‏,‏ فصل التلاميذ المسلمين والمسيحيين في مرحلة التعليم الابتدائي أثناء حصة الدين بالمدارس‏,‏ مما يؤدي إلي وجود حواجز بين التلاميذ تتكون بالعقل الباطن دون درايتهم بالأسباب الحقيقية لهذا الفصل‏,‏ نظرا لصغر سنهم‏.‏
ويري أن قبول الآخر يتحقق من خلال التوعية التعليمية والأسرية والدينية السليمة‏,‏ وتغيير نظم التعليم‏,‏ من القائم علي التلقين إلي التعلم النشيط القائم علي مشاركة التلميذ لأقرانه‏,‏ لكي يتعلم منهم ويعلمهم‏,‏ لكي نجد تفاعلا إيجابيا بين الطلاب وبعضهم‏,‏ وأن يكون الطالب هو أساس العملية التعليمية من خلال تعليم ذاته‏.‏ أيضا هناك مسئولية علي الإعلام بأن يقوم بدور فاعل في توضيح أهمية الأعمال التشاركية‏,‏ وقبول الآخر‏,‏ وأن تتناول الدراما التليفزيونية والسينمائية الأعمال التي تبين نتائج قبول الآخر الإيجابية علي الفرد والمجتمع‏.‏
وفي النهاية‏,‏ يتبقي الدور الأكبر والفعال علي الدعاة في الديانات المختلفة‏,‏ ليكرسوا مبادئ المحبة والتعارف والتراحم بين الناس جميعا‏,‏ حتي يصبح بحق‏,‏ الدين لله والوطن للجميع‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.