في وقت نتحدث فيه عن فجوة الغذاء, وضرورة التوسع الزراعي, لزيادة الانتاج, نجد الرقعة الزراعية تتقلص, وسرطان البناء ينتشر حتي أن غابات الأسمنت احتلت ولاتزال مساحات كبيرة من أخصب, وأجود الأراضي الزراعية. الناس تبني.. والإزالات مستمرة.. والقانون لم يعد رادعا للمخالفين! التعديات علي الأراضي الزراعية وفقا للدكتور محمد سامح كمال الدين أستاذ الهندسة المعمارية ووكيل لجنة الإسكان السابق بمجلس الشوريد نشأت لأسباب عددة, منها الزيادة الكبيرة في أعداد السكان, والذين هم بحاجة الي سكن, والمدن الجديدة تتمدد علي حساب المناطق الزراعية المتاخمة للمدن, ومن أسباب التعدي رخص أسعار الأراضي الزراعية مقارنة بأسعار مثيلتها في وسط المدينة, وأخيرا غياب الرقابة, وعدم الحزم في تطبيق القانون, وعاما بعد عام, تمددت الكتل الأسمنتية, وصار70% من سكان مصر يقيمون في العشوائيات, وهي مناطق غير مخططة وغير مطابقة لمواصفات التخطيط العمراني, وأبعد ما تكون عنه, ومن أبرز سمات هذه المساكن, قربها الشديد من بعضها البعض, حتي أن المسافة بين كل مبني, وآخر لاتتجاوز مترين, كما أن الشوارع لاتسمح بمرور سيارة إسعاف, ولامطافيء ولاسيارة شرطة في حالة وقوع جريمة, أو حريق, يضاف إلي ذلك, نقص التهوية, وفقدان الخصوصية, وعدم ملائمة مساحات الغرف مع عدد سكانيها, حيث تصل الكثافة الي6 أشخاص في الغرفة الواحدة بمساحة3 أمتار في3 أمتار, ناهيك عن إنعدام سلامة المباني التي تقام دون تطبيق المعايير الهندسية.. وفي مثل هذه الظروف, تنشأ مجتمعات يعاني أصحابها كثيرا من السلبيات. وكانت النتيجة الحتمية لما حدث من اعتداء علي الرقعة الزراعية, أنها تآكلت, مما أثر بالسلب علي الاقتصاد المصري, نتيجة تراجع الانتاج من المحاصيل الزراعية. الحل كما يراه وكيل لجنة الإسكان السابق في مجلس الشوري يكمن في تخطيط عمراني لمناطق البناء, وهو موجود بالفعل لكنه يسير بخطي بطيئة, وعدم إزالة التعديات علي الأراضي الزراعية يعني أن البناء عليها سوف يتفاقم, وسوف تستعصي المشكلة علي الحل.. ولن نفيق إلا بعد أن تكون المخالفات قد التهمت المساحات المقررة للزراعة.. لا ضابط.. ولا رابط! ومسئولية مواجهة التعديات بالبناء علي الأراضي الزراعية, والتي أصبحت تشكل ظاهرة خطيرة كما يقول الدكتور مصطفي الدمرداش رئيس المركز القومي لبحوث الإسكان تقع علي عاتق أجهزة الحكم المحلي, فالبناء يتم بلا ضابط ولارابط, وكل الناس تبني بلا استثناء, وفي الريف تتم عمليات البناء دون أن يتحرك أحد للإبلاغ عنها, خاصة أن مرتكب المخالفة قد يكون قريبا, أو علي صلة بموظف الحي, وموظف الحي نفسه يبني ولا أحد يسأله, والنتيجة أن التعديات صارت تلتهم الرقعة الزراعية بلا رحمة.. أما الجهات المنوطة بمواجهة هذه المخالفات فهي لا تقوم بدورها علي الوجه الأكمل في مواجهتها, حيث يتم التغاضي عن بعض المخالفات, وفي أحيان أخري, تكون بعض الإزالة صورية, ومن ثم يتم استكمال البناء مرة أخري, حتي يصبح أمرا واقعا بعد توصيل المرافق, واقامة أصحابها فيها, والدولة لم تقصر من جانبها في حل مشكلة الإسكان, فقد توجهت وزارة الإسكان, لتوفير المساكن بشروط ميسرة, وأقامت المشروعات الإسكانية المخططة, وأوجدت البدائل, لكن مخالفات البناء والتعدي علي الأراضي الزراعية لاتزال مستمرة, بسبب غياب الرقابة. وقد سبق أن حذرت لجنة الإسكان في مجلس الشعب من حدوث فجوة غذائية, بسبب تناقص مساحة الأراضي الزراعية في وادي, ودلتا النيل, في الوقت الذي أشار فيه تقرير لمركز بحوث البناء الي ضياع1.2 مليون فدان من أجود الأراضي الزراعية, خلال25 عاما بسبب بناء المساكن عليها. التصحر في مواجهة الزراعة مخالفات البناء علي الأ راضي الزراعية كما يراها الدكتور عبد المنعم الجلا استاذ الأراضي بكلية الزراعة جامعة عين شمس تمثل اهدارا لهذه الثروة, والبناء عليها يحولها الي صحراء لاتصلح بعد ذلك للزراعة.. والخطورة تأتي من أن96% من أراضي مصر صحراء والمساحة المزروعة حاليا تقدر بنحو7.5 مليون فدان, بينما تقدر المساحة المحصولية والتي يتم حسابها علي أساس زراعة الأراضي مرتين في العام بنحو14 مليون فدان, وبذلك نري ضآلة حجم المساحة الزراعية, وبالتالي ليس من المعقول أن تترك المخالفات تقتطع من هذه المساحات التي تعتبر مصدرا غذاء للمصريين, ولحيواناتهم عرضة للتعدي بالبناء, والمخالفات التي استشرت بصورة جعلتها خارج السيطرة. شرطة متخصصة للإزالة ولأن كل الحلول المطروحة حاليا لمواجهة سرطان التعديات علي الأراضي الزراعية غير كافية, وغير رادعة, فإن المستشار عدلي حسين محافظ القليوبية, يري أن القوانين الموجودة حاليا كافية لمنع التعديات لكنها لاتنفذ بالسرعة, ولا بالقوة المطلوبتين لذلك يري المحافظ أن الحل يكمن في خطوتين, الأولي: هي انشاء شرطة متخصصة لإزالة التعديات بمختلف أنواعها, كشرطة السياحة, والكهرباء, والسكة والنقل علي أن تكون هذه الشرطة المخصصة لإزالة التعديات تحت تصرف المحافظ, لكي تتحرك بالسرعة المطلوبة لوقف التعديات فور وقوعها ودون الحاجة علي اجراء دراسات أمنية تستغرق وقتا, حتي يكون البناء قد ارتفع طابقا أو طابقين, ومن ثم يضع المخالفون حبل غسيل وبعض الطيور, والحيوانات, لإيهام قوة الشرطة المكلف بالإزالة بأن المكان مسكون, ويبدأ الالتفاف علي القرار بضرورة توفير مسكن بديل لكل حالة إزالة, وهو أمر ليس بمقدور المحافظ أي محافظ تنفيذه لعدم توافر وحدات سكنية.. وقد سبق أن تقدمت باقتراح بإنشاء الشرطة المتخصصة علي مجلس الشوري أثناء مناقشة قضية العشوائيات, وقد تبني المجلس الاقتراح, لكنه لم يدخل حيز التنفيذ حتي الآن. أما الحل الثاني الذي يراه المستشار عدي حسين, فيتضمن مصادرة الأراضي محل التعدي والمساحة المحيطة التي يجري تبويرها, والأمر يحتاج فقط الي تعديل تشريعي, واذا كان البعض يري أن المصادرة تمثل اجراء قاسيا, فمن الممكن نزع الحيازة لفترة محددة تتراوح مابين5 سنوات و10 سنوات, ومن الممكن ان نؤجر المساحة محل التبوير, و نستثمرها لصالح المالك.. وإذا تحقق ذلك فسوف تتلاشي التعديات علي الأراضي الزراعية نهائيا.