فرض حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قانون001 للنقابات المهنية والصادر عام3991, واقعا جديدا علي ساحة العمل النقابي, فقد أصبح مطلوبا صدور قانون جديد, لا يتجاوز فقط مأزق عدم الدستورية ولكن المطلوب أن يعالج القانون المقترح الكثير من مواطن الخلل والضعف التي حملها القانون, وما خلفه من قصور وتأثير سلبي علي الأداء النقابي في غالبية النقابات. كما أصبح صدوره بشكل سريع مطلبا لتجنب المزيد من الاشتباكات والنزاعات التي تشهدها العديد من النقابات, ومحاولات البعض توظيف الواقع الجديد لتغيير الأوضاع القائمة والدفع نحو مزيد من الخلافات ونقاط الانقسام, وهو ما تجلي في تباين توظيف الحكم من جانب النقابات. فبينما رأي بعض النقابيين أن الحكم يعطي الحق في إجراء انتخابات وفقا للقانون الداخلي للنقابة, برز رأي ثان يري أن الحكم يستوجب الانتظار لحين صدور قانون جديد, في حين ذهب رأي ثالث إلي التشكيك في شرعية كافة مجالس النقابات وكونها غير شرعية. ويمكن الإشارة الي مجموعة من الملاحظات الرئيسية التي يعكسها واقع النقابات وما يحمله من مواطن ضعف, ودلائل علي غياب الأدوار المنوط القيام بها لحماية أعضاء النقابة والمحافظة علي مصالحهم والارتقاء بالمهنة. الملاحظة الأولي, تتعلق بدوافع عدم الدستورية التي استندت إليها المحكمة والممثلة في عدم عرض القانون علي مجلس الشوري, الأمر الذي أدي الي تقويض بنيان القانون, وبالتالي تعرض القانون لعوار شكلي يتعلق بكامل النصوص التي تضمنها, ومن ثم يمكن معه إعادة نفس القانون مع إدخال بعض التعديلات البسيطة عليه وتمريره مرة أخري وهو مايثير الكثير من مخاوف النقابيين. الملاحظة الثانية: ترتبط بما ترجمته ردود الفعل الاولي الخاصة بتأثير الحكم علي استمرار المجالس القائمة, وعلي إمكانية إجراء انتخابات جديدة, وإمكانيات الملاحظة القانونية للمجالس القائمة, حيث اعتبرت النقابات المجمدة, والمعطل فيها اجراء الانتخابات( ثماني نقابات) الحكم فرصة للعودة للقوانين الخاصة بكل نقابة, وتجاوز القيود التي فرضها القانون001 وأدت الي تأجيل الانتخابات ووضع بعض النقابات تحت الحراسة القضائية. الملاحظة الثالثة: ترتبط بالتوظيف السياسي, والقراءة السياسية التي حكمت قراءة الحكم, فتضارب التفسيرات ارتكز علي قراءات متعددة ذات مضامين سياسية, ومحملة بأهداف سياسية وشخصية ترجمتها حالة الترقب وربما التحفز التي سوف تشهدها ساحة النقابات المهنية في إطار محاولات البعض فرض ثنائية الحزب الوطني والإخوان كمحدد لتحديد طبيعة مستقبل العمل النقابي, وشكل القانون الجديد. الملاحظة الرابعة: ترتبط بتأخر الحكومة في تقديم قانون للنقابات رغم الإعلان الدائم عن وجود مسودته ودراستها واقتراب تقديمه للبرلمان, وهنا تمكن الإشارة الي مجموعة من الدوافع المفسرة لهذا التأخير وذات الدلالة لعلاقة الدولة بالمجتمع المدني ومنظماته, وأولها تباين الاهتمام الحكومي وتشجيعه لبعض مكونات المجتمع المدني ومجالات نشاطه دون الأخري. وثانيها: عدم تبلور الرؤية المحفزة للآليات المشاركة المجتمعية. وثالثها التأثير السلبي للبيئة المحيطة بالعمل الاهلي بصفة عامة, والنقابية بصفة خاصة, وقبل هذه العوامل تمكن الإشارة الي تجربة التيار الإسلامي الذي نجح في النفاذ للنقابات أواخر الثمانينيات واتخاذها كوسيلة لإجراء مفاوضات بين النقابة كمؤسسة وبعض أجهزة الدولة, الي جانب محاولات التنسيق بين النقابات المهنية خاصة التي يسيطر عليها التيار الإسلامي إزاء مواقف معينة. الملاحظات السابقة, تشير الي أهمية ما تفرضه متطلبات صياغة قانون جديد للنقابات المهنية يمتلك من الفلسفة والرؤية والصياغة مايمكنه من مراعاة دور النقابات المهنية كأحد مكونات المجتمع المدني, وكأحد أنماط المشاركة الشعبية التي لعبت دورا بارزا في تاريخ مصر علي صعيد التنشئة السياسية ومقاومة الاستعمار والدفاع عن حقوق العمال والمهنيين المصريين, وكإحدي الآليات المجتمعية الواجب تفعيلها لمواجهة تحديات التنمية والاصلاح التي تفرض نفسها علي اجندة الدولة والمجتمع. ولذا, ربما يكون من الضروري والبعض يدفع نحو الإسراع بإصدار قانون جديد مخافة أن تؤدي اللحظة الراهنة بما تحمله من تشابكات سياسية الي زيادة درجة التوظيف السياسي داخل النقابات ان نأخذ في الاعتبار, ان متطلبات الاسراع لا تعني تكرار أخطاء القانون001, أو عدم تلافي آثارها من خلال القانون الجديد, أو تضييق المساحة المتاحة من العمل النقابي والمسئولية المجتمعية. وهنا تبرز اشكالية رئيسية تتجاوز في مضمونها القانون المتوقع للنقابات المهنية, اشكالية تتعلق بالفلسفة الحاكمة للقوانين المنظمة لعلاقة الدولة بالمنظمات الاهلية, ودرجة استعداد هذه المنظمات وقدراتها علي تحمل مسئوليتها وتحديد ادوارها في ظل ظروف مجتمعية وبيئية غير محفزة لادوار تنموية وحقوقية يمكن ان تلعبها تلك المنظمات, واذا كان من المأمول ان يتجاوز القانون الجديد هذه الاشكالية, فان متطلبات تجاوزها تقتضي ان يختص القانون بتحديد الاطر العامة والأسس والركائز المرتبطة بدور النقابات كمؤسسات مدنية تعني بتطوير المهنة والدفاع عن مصالح اعضائها, في نفس الوقت الذي يعطي مساحة حقيقية وواسعة للوائح الداخلية لكل نقابة, وان يساعد الجمعيات العمومية لهذه النقابات علي تحمل مسئولياتها والاضطلاع بدورها كمؤسسة مدنية ديمقراطية تمتلك من مقومات الحكم الرشيد مايوفر لها القدرة علي تفعيل آلياتها الرقابية والمحاسبية والشفافية. وان يدعم القانون اللوائح الداخلية المتعلقة بانتظام واستمرار العملية الانتخابية ودوران السلطة الداخلية, وهو ماتعبر عنه مواد تنظيم انتخابات النقيب وأعضاء مجلس النقابة العامة والنقابات الفرعية. فالقانون بصياغته الجديد يجب ان يدعم أسس الشراكة وفلسفتها كإطار حاكم لعلاقة الدول بالمجتمع المدني, وان كانت المسئولية المشتركة وتدعيم أسس الدولة المدنية وترسيخ قيمها المدنية هي الإطار الحاكم, فيجب أن يكون القانون الجديد حلقة في سلسلة من القوانين والتشريعات المرسخة لأسس الدولة المدنية وقيمها ومسئولياتها المجتمعية والحكومية. كما أن النقابيين مدعويون للتفاعل والحوار معا وفتح قنوات تفاعل وتواصل مع الدولة من أجل ايجاد مساحة مشتركة لحركة النقابات تمكن النقابيين من تفعيل أدوارهم وآلياتهم بالقدر الذي يتوافق ومتطلبات أجندة العمل الجديدة, التي تفرضها التحديات والصعوبات المرتبطة بالعمل النقابي والمهني.