هذه الرياح والعواصف التي تهب حاليا علي عدد من دول المنطقة العربية مشحونة بكل عوامل الغضب والاحتقان الاجتماعي والاقتصادي والسياسي, لابد من التعامل معها بروح الرغبة في الفهم والبحث عن الجذور بدلا من حصر أنفسنا بين خطابين متباعدين أحدهما يستسهل لغة التبرير تجنبا للاعتراف بالخطأ. والآخر يبالغ في استخدام مفردات التضخيم للإيحاء بأنه لا أمل ولا رجاء! ولست أتجاوز الحقيقة إذا قلت دون تحرج إننا أمة تجيد لغة الكلام, وتستهن بقيمة العمل, وأن ذلك هو أهم الأسباب التي أدت إلي تخلفنا عن ركب الحضارة والتقدم, رغم أننا كنا أول من أضاء مشاعل ثقافة التنوير للبشرية بأهمية العمل وضرورة امتزاج العمل بالعلم وقوة المعرفة! إننا نتجاهل وعن عمد واحدا من أهم دروس الحياة علي طول التاريخ ذلك الدرس الذي يقول: إن قيمة الأمم تتحدد بقدر علمها وعملها, ولا شك أن هذا الامتزاج بين العلم والعمل هو مصدر القوة الحقيقية لكل أمة تتسلح بهما, فعندما تسعي أي أمة للعلم فإنها تعمل وعندما تعمل فإنها تتعلم وهكذا فإنها تعيش باستمرار في حالة حصاد, ولعل ذلك ما يعزز من أهمية ضرورة إعادة النظر في مناهج التعليم وعلاج العيوب والسلبيات المترتبة علي التوزيع العشوائي في التعليم, ثم إنه بات من الضروري أيضا الإسراع بإيجاد رابطة قوية بين سياسات التعليم واحتياجات التوظيف لأن غياب هذه الرابطة يمثل عبئا اقتصاديا واجتماعيا ثقيلا علي قدرات المجتمع خصوصا مع زيادة خريجي الكلام علي خريجي العمل والإبداع! نحن بحاجة إلي ثقافة جديدة للعلم والعمل بما يؤكد حق الإنسان في اختيار العمل الذي يقوم به لكي يعمل في المجال الذي يحب ويهوي مادام ذلك يتناسب مع قدراته وإمكاناته, ثم إننا أيضا بحاجة إلي ثقافة جديدة للعلم والعمل تعزز من مصداقية الإيمان بأن العمل هو الطريق الوحيد لبلوغ النجاح وليس أي طريق آخر, وإنه عندما يخلص المرء في عمله بضمير يقظ فإن كل المحظورات والعقبات التي تعترض تقدمه سوف تسقط من تلقاء نفسها! وفي ظل تحديات عاتية تفرضها علينا استحقاقات العصر الذي نعيشه فإننا لا نملك أي خيار لضمان الصمود والثبات في وجه هذه التحديات بغير سلاح العلم والعمل, لأن هذا السلاح هو خيارنا الوحيد.. وأيضا هو أملنا الوحيد, ومن ثم فإن من الضروري وجود رابطة قوية بين استثمارات التعليم واستثمارات التفريخ لفرص عمل موازية. ونحن أيضا بحاجة إلي ثقافة جديدة يتبناها المجتمع ككل وتشكل مدخلا ضروريا لإعادة النظر في نوعية التعليم وأهم التخصصات التي ينبغي التركيز عليها, وأظن أن ذلك ينبغي أن يستحثنا علي إعادة النظر في رؤيتنا لأولويات التنمية, بحيث تأخذ التنمية البشرية موقفا موازيا إن لم يكن متقدما للتنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية. وعلينا أن ندرك أن مستقبل أمتنا العربية يرتهن من الآن فصاعدا بقدرتها علي التنمية البشرية بأكثر من ارتهانه بمختلف جوانب التنمية الأخري دون الإقلال من أهميتها وضرورتها. *** خير الكلام: ** العقل هو الحجة القاطعة واللغة هي لسانها الفصيح! مرسي عطا الله [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله