عادت روسيا الي صدارة المشهد السياسي. اعترف لها خصوم الأمس بانها لم تعد خطرا عليهم. قالوا إن بلدان الناتو لا تضمر لها شرا ولا تستهدف مصالحها. نجحت الاطراف كافة في لملمة احزان الماضي وتجاوز تبعاته بعد ما شهدته منطقة القوقازمن توتر بلغ حد المواجهة العسكرية في اغسطس.2010 واستجاب المشاركون في لقاء لشبونة الي دعوة الرئيس الامريكي باراك اوباما الي اعادة اطلاق العلاقات بين روسيا والناتو علي غرار ما سبق وفعلت واشنطن ورغم اجواء التفاؤل التي سادت لقاءات برشلونة بعد انضمام الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف اليها وتزيين وثائقها بامضاءات يصفها البعض بالتاريخية, فإن هذا التفاؤل يظل مشوبا بالحذر تجاه ما طرحته اطراف الناتو علي روسيا بشأن الانضمام الي الدرع الصاروخية في إطار ما جري التوصل اليه من اتفاق حول وضع تحليل مشترك وشامل لشروط التعاون في مجال الدفاع الصاروخي. وسارع الرئيس ميدفيديف ليكشف عن ان فكرة انشاء المنظومة المشتركة لا يزال يكتنفها غموض كثير لان اعضاء الناتو انفسهم لا يملكون تصورا واضحا عن ماهية هذه المنظومة والتكاليف المتوقعة لتنفيذها, ومن ثم فإن روسيا وبالتبعية لا تستطيع إدراك كنه هذه المنظومة الصاروخية وحقيقة دورها فيها علي حد قوله, في نفس الوقت الذي أعربت فيه بلدان البلطيق وبولندا وتشيكيا عن مخاوفها من المشاركة الروسية. ورغم كل هذه التحفظات اعلنت موسكو الدوائر الغربية باستعدادها للمشاركة في انشاء هذه المنظومة الصاروخية شريطة ان تكون الدعوة للمشاركة حقيقية وليست للاستعانة بروسيا كقطعة اثاث استكمالا للديكور علي حد تعبيرالرئيس ميدفيديف الذي قال ايضا بوجوب ان تشمل المنظومة الجديدة المقترحة كل الفضاء الأوروآسيوي ولا تقتصر علي مسرح واحد للعمليات العسكرية في اشارة الي ما قد يهدف الي تغطية الفضاء الاوروبي وحده. واشار الي ضرورة ان يكون ذلك في اطار من الشفافية والتكافؤ, من منطلق اتفاق كل الاطراف حول مفهومه ومضمونه والالتزام بالمساواة ومراعاة مصالح الآخر لدي المشاركة في صناعة واتخاذ القرار وتثبيت ذلك قانونيا في وثائق حلف الناتو. وبهذا الصدد تعالت في موسكو أصوات معارضين أعربوا عن الكثير من الشكوك تجاه احتمالات قبول ما تطلبه روسيا. وكشف بريخودكو مساعد الرئيس الروسي عن ذلك بقوله إن التباين لا يزال موجودا في وجهات نظر الجانبين تجاه هذه القضية مشيرا الي ما يتردد حول عدم قبول الحلف لاعطاء روسيا دورا مؤثرا في الدرع الصاروخية وعدم مراعاة مخاوفها لدي صياغة الاستراتيجية الجديدة التي أعلن الناتو عن إقرارها في قمة لشبونة. وقد كشف الجدل الذي احتدم حول هذه القضية عن عدم وضوح الرؤية تجاه ماهية المنظومة المراد التعاون بصدد انشائها. فبينما نقلت وكالة انترفاكس الروسية عن مصادر مطلعة في الناتو قولها ان الحديث لا يدور عن منظومة مشتركة لا يزال تنفيذها امرا سابقا لاوانه لاسباب تقنية وسياسية كثيرة, وإن المقصود هو التنسيق بين منظومتين مستقلتين مضادتين للصواريخ: اوروبية في القارة الاوروبية وروسية في الفضاء الاورواسيوي, قال ميدفيديف ان موسكو ستواصل الحوار مع الناتو وبعض دول الحلف حول فكرة انشاء المنظومة الاوروبية المشتركة للدفاع المضاد للصواريخ من حيث تدقيق مضمون المشروع وجوانبه العسكرية ومكوناته التقنية والتكنولوجية وتكلفته المادية, مؤكدا أن بلاده لن تنضم اليه الا علي أساس المشاركة المتكافئة فيه. وقال ايضا ان موسكو عرضت علي الناتو انشاء منظومة الدفاع الصاروخية استنادا الي ما يسمي بالقطاعات دون توضيح لتفاصيل هذا الاقتراح. وكانت موسكو الرسمية قد كشفت عن مخاوفها تجاه الاستراتيجية الجديدة للناتو, وما يضمره من نوايا بشأن تقليص ترسانة الاسلحة التكتيكية النووية الروسية في أوروبا ونقلها بعيدا عن الحدود الاوروبية ما تخشي روسيا معه التورط في خلاف مع الصين التي قد تتضرر من نقل الصواريخ الي مقربة من حدودها. ويبقي الموقف من التصديق علي معاهدة الحد من الاسلحة الاستراتيجية الذي يعلق عليه الرئيسان اوباما وميدفيديف الكثير من آمالهما في تحقيق الاختراق بعد أن كشف الجمهوريون عن مواقف متشددة تقول باحتمالات تأجيل بحث مسألة التصديق الي وقت لاحق من العام القادم. وبهذا الصدد كان الرئيسان ميدفيديف واوباما أعربا عن الامل في الانتهاء من عملية التصديق علي المعاهدة في برلماني البلدين قبل نهاية هذا العام فيما اشار الرئيس الامريكي في ختام اجتماعات لشبونة الي ان سرعة التصديق علي المعاهدة في القريب العاجل يمكن ان تكون اشارة الي ايران مفادها ان الوسطاء الدوليين تجاوزوا خلافاتهم. ومن جانبهم اعلن حلفاؤه الاوربيون عن تحذيراتهم من مغبة انهيار المعاهدة الذي قالوا انه لابد ان يسفر عن نسف الجهود الرامية الي تقرير القضية الايرانية وظهور الوحدات الروسية علي مقربة مباشرة من حدود شرق اوروبا. ونقلت وكالة ريا نوفوستي عن جوزيف بايدن نائب الرئيس الامريكي قوله في الكونجرس حول ان التصديق علي المعاهدة مطلب ملح للامن القومي وان الامريكيين سيكونون عاجزين بغير المصادقة عليها ان يراقبوا الترسانة النووية الاستراتيجية الروسية. اما الرئيس الروسي فقد اعرب عن قلقه تجاه تعثر قضية التصديق علي المعاهدة التي تبدو وقد وقعت رهينة الصراعات الحزبية الداخلية في الولاياتالمتحدة ولا سيما عقب خسارة الديموقراطيين في الانتخابات الاخيرة للكونجرس الامريكي. وقال ان البرلمان الروسي سيرد علي ما سوف يفعله الكونجرس علي نحو متواز نظرا لأن هذه المسألة تتعلق بالمصلحة المشتركة لكلا الجانبين وغيرهما من الدول ويخدم مصلحة موسكووواشنطن علي حد سواء. إذن الكرة في ملعب الكونجرس الامريكي.. وعلي قراره يتوقف الكثير. هكذا يقولون في موسكو.