بدت لي المطربة شيرين عبد الوهاب التي تحمل لون سمرة النيل في أصالته, ونضرة الخضرة في عنفوانها ليلة رأس السنة كحصان جامح نحو عوالم مبطنة بالدفء والحنين, فمع نبرات صوتها وكلاماتها التي لاتخلو من بساطة غير متعمدة يدركك حتما إحساس مغاير لما كانت عليه من قبل, في حديث يبدو كملمس القطيفة في ليلة شتاء باردة حين تسري في جسدك قشعيرة من السكينة المغلفة بالأمان والسكينة بفعل حروفها المرتعشة, حين قالت تعلمت من ابنتاي الصغريتين معني الأمومة التي أكسبتني بريق آخر, في زحمة الشهرة والمجد الفني ووضعتني في قلب تجربة الحياة وذلك الوطن المحفوف بكثير من مناطق الألم ومواطن الشجن. شيرين بدت عبر حوارها مع عمرو الليثي في برنامج' واحد من الناس' مثل يمامة وادعة ترقد في عش محفوف بمواطن العذوبة والحنين, حاملة بين جوانحها مزيج من الألفة وبراءة الموهبة الفطرية النابعة من عمق الحياة الشعبية المصرية, ذات مشاعرة رقيقة نابعة من قلب الطينة المصرية المخلوطة بعرق الكفاح والكد والتعب, وهي نفسها التي تتربط شرطيا في عمق الذائقة الغنائية العربية بالألم والليل و الهجر والآهات والعتاب وغيرها من المعاني التي تحمل في طياتها آنات الحياري والملهفوين في دنيا الحب والغرام. كان إيقاع الحلقة انسيابيا للغاية وتعمد عمرو الليثي- علي مايبدو- التخلي بعض الوقت عن أسلوب الكر والفر والمناورة- كعادته- فلم يحاصرها كثيرا بسيل أسئلته المحرجة بقدر ما عزف علي وتر إنساني في حياتها في تماس واضح مع كثير من حيوات المصريين البسطاء, بل إنه منحها فرصة كاملة للدخول في أجواء حديث عذب شجي علي جناح الفضفضة فبدا الكلام من القلب خاصة في حديثها عن حياتها الأولي وعلاقتها بوالدها الذي كان يقسوا عليها في مراحل الدراسة الأولي, وهو ما لامس أوتارا وأوجاعا كثيرة في حياتنا المصرية. شيرين المطربة التي تعتبر نفسها حتي الآن- مازالت في طور التكوين كانت في هذه الليلة واحدة من الناس البسطاء الذين يحلمون بوطن تسوده المحبة ويعلوه تاج الوئام وعلي حد قولها:' مش عيب يكون فيه فقر, أنا شفت البحر قريب قوي, وهي هنا ترمي إلي أن لم تعرف الفسحة والتصييف إلا مؤخرا, ثم أضافت دون خجل:' المية كانت بتتقطع كتير قوي عندنا', ما يعني الكثير مما الذي لايزال عالقا بذاكرتها من هموم ومعضلات ليس جديدة علينا. عن خلافها مع أصالة كانت ذكية حيث قالت: أنا باحترمها جدا, مفيش مقارنة بيني وبينها أصلا, بل تحدت في دهشة وثقة أن تكرهها أصالة ترتيبا علي قولها: أنا دخلت بيتها وأكلت عيش وملح, متسائلة ببراءة: لا أعرف ماهو سر الخلاف, كل مايمكن أن أقوله: أتمني أن تكون أصالة قدوة للفن الأصيل وتسعد في حياتها.وفي في ردها حول ما قاله عمرو مصطفي في حقها قالت بعفوية شديدة مصحوبة باستنكار' ده كلام صحفيين'- في إشارة إلي أن هناك من يختلق الحكايات أو يكتب بقلم مغموس بحبر من توابل حارقة ثم أردفت قائلة: عمرو مصطفي معروف.. هو يتكلم عن كل الفنانين العرب بطريقة' وحشة', وسرعان ما ادركت أنها وقعت في مطب, وبدت قطرات من عرق الخجل علي جبينها فاستعادت الأنفاس بصعوبة ثم زالت آثاره تماما فور وصولها لمحطة الحديث عن أنغام وبحماس كبير قالت:' أنغام جميلة.. بقينا أصحاب.. أنا وهي و حرصين علي العلاقة دي قوي, هي صوت شيك, وهي فيروز مصر'. فجأة قرر الليثي التخلي عن هدوئه وسألها: ليه بتعادي محطة ممكن تذيع أغانيك'- يقصد نجوم إف إم- ردت:' بصراحة بقي فيه كوسة وسلطة كتير قوي عندنا' أنا علي طول زعلانة منهم, ما بقاش يهمني' يكفي أن نجوم اف أم أبلغوا أخي محمد أني فائزة, ولما تعذر حضوري أعطوها لحد تاني'.. هل هذا معقول ؟!. ولكنها عادت لفطرتها وببساطتها مرة أخري حين تحدثت بصدق مصحوب بقدر من المرارة عن محسن جابر معاتبة:' عمل لي حاجة كدة اسمها جنحة مباشرة', كان عاوز يسجني علي طول, علي أغنية كنت بأدندنها في برنامج, صحيح أنا عنيدة قوي ولو حبيت أغني أي أغنية حاغنيها في أي وقت أو مكان, لكن خلاص مفيش بنينا خلاف, وحين عرجت علي خلافها مع نصر محروس قالت بوضوح: لا أنسي بصماته المميزة علي حياتي الفنية, وأعقبت ذلك بغناء آه ياليل ولم تخجل من ذكر قصة الأغنية التي كان سببها أن زوجها الأول ذهب وخطب غيرها وهي علي زمته. شيرين التي كانت وماتزال واحدة من قلب الناس الطبيبن في مصر ختمت حوارها العذب الشجي قائلة: نقطة ضعفي بناتي, أتألم كثيرا لحال المسنين, حرام نقسوا علي الأطفال, موجهة نداء خاص إلي كل الأمهات والآباء: أرجوكم لاتقسوا علي أولادكم.