«الداخلية» تنظم أولى الدورات التدريبية مع إيطاليا عن «الهجرة غير الشرعية»    «إسكان النواب» توافق على موازنة الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي    تداول 118 ألف طن و 535 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموائ البحر الأحمر اليوم    استشهاد 34 فلسطينيا في غزة من بينهم 22 برفح (تفاصيل)    السيسي عن دعوته لزيارة البوسنة والهرسك: سألبي الدعوة في أقرب وقت    أنشيلوتي لا يعرف الخسارة أمام بايرن في دوري أبطال أوروبا    «لازم اعتذار يليق».. شوبير يكشف كواليس جلسة استماع الشيبي في أزمة الشحات    تعرف على حقيقة تسمم مياه الشرب في مركز قوص بقنا    بعد رحيله.. تعرف على أبرز المعلومات عن المخرج والسيناريست عصام الشماع (صور)    الجندي المجهول ل عمرو دياب وخطفت قلب مصطفى شعبان.. من هي هدى الناظر ؟    إيرادات قوية لأحدث أفلام هشام ماجد في السينما (بالأرقام)    وزير الصحة: توفير رعاية طبية جيدة وبأسعار معقولة حق أساسي لجميع الأفراد    فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا.. «البحوث الإسلامية» يطلق حملة توعية شاملة بمناسبة عيد العمال    إعلام عبري: عشرات الضباط والجنود يرفضون المشاركة في اجتياح رفح    مصرع 42 شخصًا على الأقل في انهيار سد شمال نيروبي    «العمل» تنظم فعاليات سلامتك تهمنا بمنشآت الجيزة    الأنبا بشارة يشارك في صلاة ليلة الاثنين من البصخة المقدسة بكنيسة أم الرحمة الإلهية بمنهري    محمد شحاتة: التأهل لنهائي الكونفدرالية فرحة كانت تنتظرها جماهير الزمالك    صعود سيدات وادي دجلة لكرة السلة الدرجة الأولى ل"الدوري الممتاز أ"    عرض صيني لاستضافة السوبر السعودي    عواد: كنت أمر بفترة من التشويش لعدم تحديد مستقبلي.. وأولويتي هي الزمالك    كيف احتفلت الجامعة العربية باليوم العالمي للملكية الفكرية؟    إصابة عامل بطلق ناري في قنا.. وتكثيف أمني لكشف ملابسات الواقعة    «أزهر الشرقية»: لا شكاوى من امتحانات «النحو والتوحيد» لطلاب النقل الثانوي    استمرار حبس 4 لسرقتهم 14 لفة سلك نحاس من مدرسة في أطفيح    محافظ أسيوط يشيد بمركز السيطرة للشبكة الوطنية للطوارئ بديوان عام المحافظة    القومي لحقوق الإنسان يناقش التمكين الاقتصادي للمرأة في القطاع المصرفي    1.3 مليار جنيه أرباح اموك بعد الضريبة خلال 9 أشهر    أبو الغيط يهنئ الأديب الفلسطيني الأسير باسم الخندقجي بفوزه بالجائزة العالمية للرواية العربية    515 دار نشر تشارك في معرض الدوحة الدولى للكتاب 33    محافظ الغربية يتابع أعمال تطوير طريق طنطا محلة منوف    مركز تدريب «الطاقة الذرية» يتسلم شهادة الأيزو لاعتماد جودة البرامج    بالاسماء ..مصرع شخص وإصابة 16 آخرين في حادث تصادم بالمنيا    الوادي الجديد تبدأ تنفيذ برنامج "الجيوماتكس" بمشاركة طلاب آداب جامعة حلوان    عامر حسين: لماذا الناس تعايرنا بسبب الدوري؟.. وانظروا إلى البريميرليج    دراسة تكشف العلاقة بين زيادة الكوليسترول وارتفاع ضغط الدم    المشاط: تعزيز الاستثمار في رأس المال البشري يدعم النمو الشامل والتنمية المستدامة    ضحايا بأعاصير وسط أمريكا وانقطاع الكهرباء عن آلاف المنازل    كشف ملابسات واقعة مقتل تاجر خردة بالإسماعيلية.. وضبط مرتكب الواقعة    ولع في الشقة .. رجل ينتقم من زوجته لسبب مثير بالمقطم    منهم فنانة عربية .. ننشر أسماء لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائى فى دورته ال77    مؤسسة أبو العينين الخيرية و«خريجي الأزهر» يكرمان الفائزين في المسابقة القرآنية للوافدين.. صور    مصرع شخض مجهول الهوية دهسا أسفل عجلات القطار بالمنيا    التعاون الاقتصادي وحرب غزة يتصدران مباحثات السيسي ورئيس البوسنة والهرسك بالاتحادية    «الرعاية الصحية» تشارك بمؤتمر هيمس 2024 في دبي    خلي بالك.. جمال شعبان يحذر أصحاب الأمراض المزمنة من تناول الفسيخ    رمضان السيد: الأهلي قادر على التتويج بدوري أبطال إفريقيا.. وهؤلاء اللاعبين يستحقوا الإشادة    أول تعليق من ياسمين عبدالعزيز على طلاقها من أحمد العوضي    رئيس الوزراء: 2.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة تدهورت حياتهم نتيجة الحرب    فضل الدعاء وأدعية مستحبة بعد صلاة الفجر    سعر الذهب اليوم الاثنين في مصر يتراجع في بداية التعاملات    أمين لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب: هذا أقوى سلاح لتغيير القدر المكتوب    مطار أثينا الدولي يتوقع استقبال 30 مليون مسافر في عام 2024    "استمتع بالطعم الرائع: طريقة تحضير أيس كريم الفانيليا في المنزل"    سامي مغاوري: جيلنا اتظلم ومكنش عندنا الميديا الحالية    بايدن: إسرائيل غير قادرة على إخلاء مليون فلسطيني من رفح بأمان    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علماء الأزهر يؤكدون مشروعية إرسال بطاقات المعايدة وذهاب المسلمين إلي الكنائس للتهنئة‏:‏
مشاركة الأقباط الاحتفال بعيدهم‏..‏ واجب ديني

بعد ساعات قليلة‏,‏ يتبادل المسلمون والمسيحيون التهاني عبر رسائل المحمول وكروت المعايدة والزيارات للتهنئة بعيد الميلاد المجيد الذي يتعانق مع هلال عام هجري جديد‏.‏ وفي الوقت الذي بادر فيه فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر‏,‏ وكبار علمائه‏,‏ بإرسال بطاقات التهنئة لكافة الكنائس المصرية والاخوة المسيحيين في الدول العربية والأجنبية‏,‏ انطلقت علي الجانب الآخر بعض الفتاوي المتشددة والمدسوسة عبر عشرات المواقع علي شبكة الانترنت لتنادي بعدم مشاركة المسلمين لاخوانهم المسيحيين في الاحتفال بعيد ميلاد كلمة الله المسيح عليه السلام‏!!‏ هذه الفتاوي المتشددة استنكرها علماء الأزهر بشدة‏,‏ مؤكدين ان مشاركة المسيحيين في الفرحة بأعيادهم تعد واجبا دينيا تحث عليه كافة الاديان السماوية التي جاءت لإسعاد البشرية‏.‏ وطالبوا المسلمين بالإسراع بإرسال بطاقات التهنئة والمشاركة في تلك المناسبة التي تقوي دعائم الوحدة الوطنية وتؤكد عظمة وسماحة الإسلام تجاه الآخر والشريك في الوطن‏!!‏
وأكد علماء الأزهر أن آيات القرآن الكريم تنادي أصحاب العقول السليمة والفطر القويمة بتدبر حقيقة ان كل الأديان هي من عند الله‏,‏ وانها جاءت لدعم الوحدة بين بني البشر‏,‏ مذكرين بما ورد في القرآن الكريم‏:‏ آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير‏285‏ البقرة‏.‏
في هذا التحقيق نستعرض جانبا من تلك الفتاوي التي تفرق بين الشركاء في الوطن‏,‏ وردود كبار علماء الأزهر عليها‏,‏ وفي الاسبوع القادم نعرض لرأي علماء الدين والمفكرين حول منهج الإسلام في التعامل مع الآخر‏,‏ واعلاء مبدأ المواطنة الذي لايتعارض مع الدين‏,‏ ودورهم في مواجهة دعاة الفتنة‏!!‏
غايات ومقاصد إلهية من التهنئة
يؤكد فضيلة الامام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر‏,‏ أن الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم وفق ما أقرته شريعة الإسلام هو السلم‏,‏ وإن السلام أو التعارف أحدي الغايات والمقاصد الإلهية التي خلق الله الناس من أجلها وجعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا‏,‏ وأن الإسلام هو دين السماحة لأنه أقام علاقاته مع أتباع الديانات والعقائد علي أصل السلام والتعارف والتآلف‏,‏ وأن سماحته مع الآخر تنطلق من أساس القوة التي تحفظ هذه السماحة من المهانة والاستهانة‏,‏ وان وحدة أبناء شعب مصر وارتباطه بمسلميه ومسيحييه‏,‏ والارتباط الشديد والاحترام المتبادل بين مشيخة الأزهر والكاتدرائية وكافة الكنائس والتعاون المشترك بينهما لمصلحة مصر وشعبها‏.‏
بينما يري فضيلة المفتي الدكتور علي جمعة أن تهنئة غير المسلمين بالمناسبات الاجتماعية والأعياد الدينية الخاصة بهم‏,‏ كعيد ميلاد السيد المسيح‏,‏ ورأس السنة الميلادية جائز باعتبار أن ذلك داخل في مفهوم البر‏,‏ وتأليف القلوب شريطة ألا يشارك مقدم التهنئة فيما تتضمنه الاحتفالات بتلك الأعياد من أمور قد تتعارض مع العقيدة الإسلامية‏,‏ واعتبر أن هذه التهنئة تأتي استجابة لقول الله تعالي‏:‏ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين‏.‏
ألغام في طريق الوحدة
سيل من الفتاوي المدسوسة علي شبكة الإنترنت تحرم الذهاب الي الكنائس لتقديم التهاني بعيد الميلاد‏,‏ وأخري تحذر من موالاة غير المسلمين وتنادي بمقاطعتهم‏,‏ وتندد بعلماء الأزهر وقيادات المؤسسات الاسلامية وتدعي حرمة ذهابهم إلي الكنائس لتقديم التهاني بعيد ميلاد المسيح عليه السلام‏!!‏
نبش هؤلاء في دفاتر الفتوي القديمة واستندوا الي رأي ابن تيمية وابن القيم‏,‏ مدعين أن هذه الأعياد من شعائر غير المسلمين وأن الله لا يرضي لعباده موالاة غير المسلمين أو التشبه بهم‏!!‏
وتتجلي خطورة مثل تلك الفتاوي المتشددة في مخالفتها لآيات قرآنية صريحة اباحت البر والإحسان الي اتباع الديانات السماوية وشركاء الوطن الواحد‏,‏ وانها ايضا احد ابواب التطرف والتطرف المضاد‏,‏ فقد أفتي أحد رموز الدعوة السلفية في كتابه‏:‏ تحذير الساجد من أخطاء العبادات والعقائد بأنه لا يجوز بدء غير المسلمين بالسلام ولا حتي القول لهم أهلا أو سهلا لأن ذلك تعظيم لهم‏!!‏
وفي تسجيل صوتي للشيخ أسامة عبد العظيم احد رموز الدعوة السلفية بالإسكندرية تم بثة عبر موقع صوت السلف جاء تحت عنوان‏,‏ الاحتفال برأس السنة قال فيه‏:‏ كثرة من المسلمين تحرص علي الاحتفال بهذه المناسبة حيث يخرجون إلي المتنزهات والحدائق العامة وشواطئ البحر‏,‏ وتزدان المحلات بالزينات والأنوار وأشجار عيد الميلاد وتكثر في هذا اليوم حفلات الرقص والغناء‏,‏ يرتحل لها الناس من هنا وهناك‏,‏ وتستباح القبلات وتعاطي الخمور في بعض الأوساط لهذه المناسبة‏,‏ ويتم إلقاء المخلفات والزجاجات من النوافذ عند منتصف الليل‏,‏ وتكثر هدايا بابا نويل وعمانويل كما يتم تبادل التهاني بالعام الجديد‏,‏ والرجم بالغيب في معرفة أخبار العام الجديد‏,‏ والتكريس للأشهر الإفرنجية مما يؤدي لمزيد من الجهل بالأشهر العربية وما ارتبط بها من أحكام شرعية‏,‏ والمسلم في مشاركته لغيره في هذا الاحتفال يخالف ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله‏,‏ ولا يجوز موافقة المشركين في أعيادهم بحال‏,‏ لأن السخطة تتنزل عليهم في أعيادهم‏,‏ وفي الحديث‏:(‏ من تشبه بقوم فهو منهم‏)‏ و‏(‏لا يحب رجل قوما إلا حشر معهم‏)‏ ولأن تشابه الظواهر يجر إلي تشابه البواطن وهدم لمفهوم الولاء والبراء‏,‏ كما يترتب علي المشابهة مودة ومحبة بين المسلم والكافر‏,‏ قال تعالي‏:(‏ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصاري أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين‏)(‏المائدة‏:51),‏
فلا تجاب الدعوة لأعياد الكفار ولا تقبل الهدية المتعلقة بشعائر دينهم‏,‏ ولا يبيعهم المسلم ما يستعينون به علي عيدهم‏,‏ ولا يحدث شيئا زائدا في عيدهم‏,‏ بل يمرر هذا اليوم كسائر الأيام‏,‏ وكون الكثرة أو بعض المنسوبين للعلم يشارك في هذه الأعياد فهذا لا يبررها إذ لا أسوة في الشر‏,‏ وليست المشاركة في أعياد المشركين من سماحة الإسلام في شيء‏,‏ بل هي إظهار لشعائر المشركين ودينهم‏,‏ كما لا يجوز التكريس لها بزعم الوحدة الوطنية‏,‏ ووفق الله الجميع لما يحب ويرضي‏,‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏!!‏
وقال الشيخ محمد إسماعيل المقدم أحد رموز الدعوة السلفية بالإسكندرية في خطبة مسجلة يتم ترويجها عبر عدد من المواقع السلفية علي شبكة الانترنت وجاءت تحت عنوان‏:‏ أدب التعامل مع الكفار قول الرسول‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ لا تبدأوا اليهود ولا النصاري بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلي أضيقه مبررا حرمة بدء غير المسلمين بالسلام بأن هذا لبيان عزة المسلمين وذلة الكفار‏.‏
وفي فتوي أخري للشيخ صفوت الشوادفي عبر احد مواقع الإنترنت يقول‏:‏ الشريعة حرمت علينا أن نشارك غيرنا في أعيادهم سواء بالتهنئة أو بالحضور أو بأي صورة أخري‏,‏ وجاءت الآثار تنهي غير المسلمين عن إظهار أعيادهم بصفة خاصة أو التشبه بالمسلمين بصفة عامة ومن أشهرها ما ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسند جيد‏,‏ ثم أورد ما يسمي ب الشروط العمرية ويصف هذه الشروط بأنها وثيقة ثابتة للتعامل مع غير المسلمين‏.‏ أما أبو محمد بن عبد الله بن عبد الحميد الأثري فيقول‏:‏ لا يجوز أبدا أن تهنئ الكفار ببطاقة تهنئة أو معايدة ولا يجوز لك أيضا أن تقبل منهم بطاقة معايدة بل‏,‏ يجب ردها عليهم ولا يجوز تعطيل العمل في هذا اليوم‏-‏ يقصد عيدهم‏.‏ وتحت عنوانالاحتفال برأس السنة ومشابهة أصحاب الجحيم قال الشيخ مصطفي درويش‏:‏ إن تهنئة النصاري بأعيادهم حرام ويستشهد علي ذلك بأقوال لابن تيمية وابن القيم وبعد ذلك يوجه سؤالا للمفتي‏:‏ هل يحق لمسلم أن يذهب إلي النصاري في كنائسهم مهنئا‏,‏ لهم بأعيادهم هذه وما يعتقدونه في هذه الأعياد؟ وفي مقال تحت عنوان عيد القيامة المجيد‏..‏ومسائل العلماء ينتقد احد مشايخ السلفية مسئولي الأزهر والأوقاف‏,‏ وذلك لزيارتهم الكنائس لتوجيه التهاني للأقباط بمناسبة عيد القيامة المجيد‏,‏مؤكدا أن ذلك يخالف العقيدة الإسلامية ومحرم شرعا‏,‏ وينال من سلامة العقيدة الإسلامية‏!!‏
تاريخ المصريين لا يعرف التمييز
واذا كان هؤلاء قد استندوا في فتاواهم الي آراء فقهية وكتب قديمة فان كتب الدين والتراث تؤكد ان تاريخ المصريين لم يعرف التمييز‏,‏ وان شركاء الوطن الواحد أعيادهم واحدة لا تفرق بين المسلم والمسيحي‏,‏ وعن مشاركة المسلمين لأخوتهم في الوطن في أعيادهم‏,‏ قال المقريزي في كتابه المواعظ والأعتبار في ذكر الخطب والآثار‏:‏ كان الأقباط يوقدون المشاعل والشموع العديدة ويزينون الكنائس‏,‏ وكانت الشموع بألوان مختلفة وفي أشكال متباينة فمنها ما هو علي شكل تمثال ومنها ما هو علي شكل عمود أو قبة ومنها ما هو مزخرف أو محفور ولم يضيئوا الكنائس والمنازل بها فقط بل كانوا يعلقونها في الأسواق وامام الحوانيت‏(‏المحلات‏)‏ومن الطريف أن الفاطميين كانوا يوزعون بهذه المناسبة المجيدة الحلاوة القاهرية والسميط والزلابية والسمك المعروف بالبوري‏,‏ وكان القبط يخرجون من الكنيسة في مواكب رائعة ويذهبون إلي النيل حيث يسهر المسلمون معهم علي ضفاف نهرهم الخالد‏,‏ وفي ليلتي الغطاس والميلاد كانوا يسهرون حتي الفجر‏,‏ وكان شاطئا النيل يسطعان بآلاف الشموع الجميلة والمشاعل المزخرفة‏,‏ وفي هذه الليلة كان الخلفاء يوزعون النارنج والليمون والقصب وسمك البوري‏.‏
الفتاوي المعاصرة‏..‏ توجب التهنئة
ومن كتب التاريخ إلي أرشيف فتاوي الازهر‏,‏الذي أجاز مشاركة المسيحيين اعيادهم واحزانهم‏,‏ وأكد علماء الأزهر الشريف السابقون والمعاصرون أن الإسلام لا يمنع تهنئة غير المسلمين بأعيادهم ومناسباتهم والتزاور معهم ما لم يكن بينهم وبين المسلمين عداوة أو قتال‏,‏ بل إن الإسلام حث علي التواد والتعامل مع أهل الكتاب‏.‏
كما أعرب عدد من علماء الأزهر وشيوخه عن رفضهم للفتاوي التي أطلقها بعض السلفيين‏,‏ الذين يحرمون فيها مشاركة المسلمين في الاحتفال بعيد الميلاد‏,‏ مؤكدين أن القرآن الكريم وضع دستور العلاقة بين المسلمين وغيرهم في آيتين من كتاب الله تعالي في سورة الممتحنة‏,‏ فقال تعالي‏:‏ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين‏.‏ إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم‏,‏ وظاهروا علي إخراجكم‏,‏ أن تولوهم‏,‏ ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون الممتحنة‏:8-.9‏ فالأولون المسالمون شرعت الآية الكريمة برهم والإقساط إليهم‏,‏ ويراعي الضبط يعني‏:‏ العدل‏,‏ والبر يعني‏:‏ الإحسان والفضل‏,‏ وهو فوق العدل‏,‏ فالعدل‏:‏ أن تأخذ حقك‏,‏ والبر‏:‏ أن تتنازل عن بعض حقك‏,‏ وأما الآخرون الذين نهت الآية الأخري عن موالاتهم‏:‏ فهم الذين عادوا المسلمين وقاتلوهم‏,‏ وأخرجوهم من أوطانهم بغير حق إلا أن يقولوا‏:‏ ربنا الله‏,‏ كما فعلت قريش ومشركو مكة بالرسول صلي الله عليه وسلم وأصحابه‏.‏ وقد اختار القرآن للتعامل مع المسالمين كلمة البر حين قالأن تبروهم وهي الكلمة المستخدمة في أعظم حق علي الإنسان بعد حق الله تعالي‏,‏ وهو بر الوالدين‏,‏ حتي إن القرآن أجاز مؤاكلتهم ومصاهرتهم‏,‏ بمعني‏:‏ أن يأكل من ذبائحهم ويتزوج من نسائهم‏,‏ كما قال تعالي في سورة المائدة‏:‏ وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم‏,‏ والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم المائدة‏:5‏ ومن لوازم هذا الزواج وثمراته‏:‏ وجود المودة بين الزوجين‏,‏ كما قال تعالي‏:‏ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة الروم‏:.21‏
وتتأكد مشروعية تهنئة الأقباط بهذه المناسبة إذا كانوا يبادرون بتهنئة المسلم بأعياده الإسلامية‏,‏ فقد أمرنا أن نجازي الحسنة بالحسنة‏,‏ وأن نرد التحية بأحسن منها‏,‏ أو بمثلها علي الأقل‏,‏ كما قال تعالي‏:‏ وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها النساء‏:.86‏
ولا يحسن بالمسلم أن يكون أقل كرما‏,‏ وأدني حظا في حسن الخلق من غيره‏,‏ وكما قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وقد كان النبي حسن الخلق‏,‏ كريم العشرة‏,‏ مع المشركين من قريش‏,‏ طوال العهد المكي‏,‏ مع إيذائهم له‏,‏ وتكالبهم عليه‏,‏ وعلي أصحابه‏.‏ حتي إنهم لثقتهم به عليه الصلاة والسلام كانوا يودعون عنده ودائعهم التي يخافون عليها‏,‏ حتي إنه حين هاجر إلي المدينة‏,‏ ترك عليا رضي الله عنه‏,‏ وأمره برد الودائع إلي أصحابها‏.‏
فلا مانع إذن أن يهنئهم الفرد المسلم‏,‏ ولا مانع من قبول الهدايا منهم‏,‏ ومكافأتهم عليها‏,‏ فقد قبل النبي هدايا غير المسلمين مثل المقوقس عظيم القبط بمصر وغيره‏,‏أو غير ذلك من العلاقات الاجتماعية‏,‏ التي تقتضي حسن الصلة‏,‏ ولطف المعاشرة التي يقرها العرف السليم‏,‏ واستدل من أجاز تهنئة أتباع الديانات السماوية المسالمين بأعيادهم بعدد من الأدلة‏,‏ أولها‏:‏أن الله تعالي فرق بين الوثنيين و أهل الكتاب‏,‏ فأعطي أحكاما خاصة لأهل الكتاب إن كانوا مسالمين‏,‏ كما قال تعالي‏:‏ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين‏,‏ إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا علي إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون سورة التحريم‏)‏
ويستنكر الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر السابق‏,‏ الفتاوي المتشددة التي تندد بزيارات القيادات الاسلامية الي الكنائس لتقديم التهنئة بعيد الميلاد ويقول‏:‏ ان هذه الزيارات والتهاني تأتي في اطار دعم الوحدة الوطنية وتقوية الجبهة الداخلية لمصر‏,‏ ونتبادل الحديث الودي في شتي المجالات التي تهمنا كمسلمين ومسيحيين نعيش في وطن واحد ينعم فيه الجميع بالحب والخير ويتساوي فيه الكل في الحقوق والواجبات‏,‏ فكل من يحمل الجنسية المصرية يتساوي في الحقوق والواجبات ولا تفرقة بين مسلم ومسيحي في أي نمط من انماط الحياة لاننا كمصريين نعيش اخوة متحابين تجمعنا مصالح مشتركة‏.‏
وأكد الدكتور محمد الشحات الجندي الأمين العام للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية وعضو مجمع البحوث الإسلامية‏,‏ أنه لا ما نع من ذلك‏,‏ فلا يوجد‏,‏ دليل واحد علي حرمة تهنئة غير المسلم بأعياده‏,‏ مادمنا أبناء وطن واحد‏.‏
ويقول الدكتور محمد رأفت عثمان‏,‏ عضو مجمع البحوث الإسلامية‏:‏ القواعد الشرعية تقول إن الأصل في الأمور الإباحة ما لم يرد نص بالتحريم‏,‏ والمشاركة في التهنئة بعيد الميلاد لا تمس عقيدة المسلمين من قريب او بعيد بل هي من باب البر والإحسان الي شركاء الانسانية الذي نادي به الإسلام‏.‏
بينما يصف الدكتور عبد المعطي بيومي عميد كلية اصول الدين السابق تلك الفتاوي المتشدده بانها لغو لايستحق الوقوف عنده ويقول‏:‏ تلك التهنئة واجبة لشركاء الوطن‏,‏ ويدلل علي رأية بأن الرسول صلي الله عليه وسلم كان يستقبل الوفود غير الاسلامية بالروضة الشريفة‏,‏ ويرحب بهم ويسمح لهم بالصلاة في المسجد النبوي‏,‏ وكان صلي الله علية وسلم يقول أنا أولي بعيسي ليس بيني وبينه نبي
ويري الشيخ سالم عبد الجليل وكيل اول وزارة الاوقاف ان مجاملة غير المسلمين في اعيادهم وآحزانهم حق من حقوق حسن المعاملة والجيرة التي نادي بها الاسلام‏,‏ ومن مقتضي الاخلاقيات الإسلامية‏.‏
كما رفضت الدكتورة سعاد صالح‏,‏ أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر‏,‏ القول بتحريم مشاركة الاقباط الإحتفال بعيد الميلاد وقالت‏:‏ هذا الرأي يخضع لفكر سلفي متشدد‏,‏ لأن الرسول صلي الله عليه وسلم‏,‏ كان رمزا للتسامح مع غير المسلمين‏,‏ فكان يزور جاره النصراني في أثناء مرضه‏,‏ وقام لجنازة يهودي حينما مرت عليه‏,‏ وكل هذه التصرفات من الرسول تجعلنا نرفض كل الآراء المتشددة‏,‏ خاصة إذا ترتب عليها إحداث فتنة وشقاق بين طوائف الأمة‏,‏ ونحن نرحب بكل مناسبة للأخوة الأقباط‏,‏ ومن باب الإحسان والمروءة أن نجاملهم في مناسباتهم ونتبادل معهم التهنئة في أعيادنا وأعيادهم‏.‏
شركاء في الوطن
ويؤكد الدكتور عبد الشافي محمد عبد اللطيف أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر أن تهنئة الاخوة المسيحيين في اعيادهم واجب ديني عند المسلمين‏,‏ ومن افتوا بغير ذلك اساءوا الي الاسلام‏,‏ ويقول‏:‏ الرسول صلي الله عليه وسلم استعان في هجرته بعبد الله بن أريقط ولم يكن مسلما وتزوج من مارية القبطية وكان يتعامل مع اليهود والنصاري‏,‏ بل إن الرسول صلي الله عليه وسلم قام واقفا عندما رأي جنازة فقال له بعض الصحابة‏.‏ لماذا تقف إنها ليهودي؟ فقال صلي الله عليه وسلم‏:‏ أليست نفسا؟‏!‏ فهل يجوز تجاهل مشاعر الجار والزميل ورئيس العمل إلي آخر هذه العلاقات التي تربط البشر بعضهم ببعض‏,‏ بل إن الأمر سوف ينسحب في هذه الحالة علي بعض الأسر التي تكون فيها الزوجة مسيحية‏,‏ والتهنئة إذن ومشاركة غير المسلمين في أعيادهم الدينية جائزة تماما بل وضرورية للحفاظ علي وحدة المجتمعات وتماسكها‏,‏ وعدم انتشار الفتن ومشاعر التعصب والكراهية‏,‏ حقيقة الأمر‏,‏ أن المسلمين قد تركوا جوهر الدين ليتفرغوا للقشور‏,‏ وهو ما عاد علينا بالواقع الذي نحياه الآن وبالصورة التي نعاني منها جميعنا‏.‏ فكلمة عيدك سعيد أو كل عام وأنت في خير لا تعني أو تشير من قريب أو بعيد إلي الإعلان عن اعتناق الدين الآخر وممارسة طقوسه‏,‏ ولكن الأمر بات وكأن المسلمين لا هم لهم سوي طرح المزيد من الإشكاليات الفرعية بدلا من الاهتمام بشئون دينهم والقيام عليها‏.‏
‏..‏ والقرضاوي يؤيد
كما أجاز الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تهنئة غير المسلمين بأعيادهم‏,‏ علي أساس أنها من البر الذي لم ينه الإسلام عنه‏,‏ وقال القرضاوي‏:‏ بمناسبة احتفالات المسيحيين بأعياد رأس السنة الميلادية‏,‏ أجيز تهنئتهم إذا كانوا مسالمين للمسلمين‏,‏ وخصوصا من كان بينه وبين المسلم صلة خاصة‏,‏ كالأقارب والجيران في المسكن‏,‏ والزملاء في الدراسة‏,‏ والرفقاء في العمل‏,‏ مشيرا الي أن مراعاة تغير الأوضاع العالمية والحرص علي تبني فقه التيسير‏,‏ هو الذي جعله يخالف شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في تحريمه تهنئة النصاري وغيرهم بأعيادهم‏.‏
واعتبر القرضاوي التهنئة من البر الذي لم ينهنا الله عنه‏,‏ بل يحبه كما يحب الإقساط إليهم‏,‏ مستشهدا بقوله تعالي‏:‏ إن الله يحب المقسطينلا سيما إذا كانوا هم يهنئون المسلمين بأعيادهم‏,‏ والله تعالي يقول‏:‏ وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها‏(‏ النساء‏:86).‏ وأوضح أنه يجب أن نراعي مقاصد الشارع الحكيم‏,‏ وننظر إلي النصوص الجزئية في ضوء المقاصد الكلية‏,‏ ونربط النصوص بعضها ببعض‏,‏ وها هو القرآن يقول‏:‏ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين فهذا هو الأصل‏,‏ وهو الدستور‏.‏ كما دعا القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أيضا لاستبدال مسمي مواطنين بمصطلح أهل الذمة الذي أطلقه الفقهاء علي النصاري‏.‏وعلل دعوته بأن الفقهاء المسلمين جميعا قالوا‏:‏ إن أهل الذمة من أهل دار الإسلام‏,‏ ومعني ذلك بالتعبير الحديث أنهم‏:‏ مواطنون‏,‏ فلماذا لا نتنازل عن هذه الكلمة أهل الذمة التي تسوءهم‏,‏ ونقول‏:‏ هم مواطنون‏.‏
واضاف قائلا‏:‏ إن الأحكام تدور علي المسميات والمضامين لا علي الأسماء والعناوين‏,‏ ولا بد أن ننظر في قضايا غير المسلمين نظرات جديدة‏,‏ وأن نرجح فقه التيسير‏,‏ وفقه التدرج في الأمور‏,‏ مراعاة لتغير الأوضاع‏,‏ ولكن كثيرا من المشايخ أو العلماء‏,‏ يعيشون في الكتب‏,‏ ولا يعيشون في الواقع‏,‏ بل هم غائبون عن فقه الواقع‏,‏ لأنهم لم يقرأوا كتاب الحياة‏,‏ كما قرءوا كتب الأقدمين‏,‏ ولهذا تأتي فتواهم‏,‏ وكأنها خارجة من المقابر‏!!‏
وقال ان الكلمات المعتادة للتهنئة في مثل هذه المناسبات لا تشتمل علي أي إقرار لهم علي دينهم‏,‏ أو رضا بذلك‏,‏ إنما هي كلمات مجاملة تعارفها الناس‏,‏ ولا مانع من قبول الهدايا منهم‏,‏ ومكافأتهم عليها‏,‏ فقد قبل النبي هدايا غير المسلمين مثل المقوقس عظيم القبط بمصر وغيره‏,‏ بشرط ألا تكون هذه الهدايا مما يحرم علي المسلم كالخمر ولحم الخنزير‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.