مفهوم أن تغضب أحزاب المعارضة, وكذلك جماعة الاخوان المسلمين من نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة, ومفهوم أيضا أن تعلو أصوات هؤلاء جميعا باتهام الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم بالتزوير أو السكوت عنه وربما يكون من حق المعارضين الذين يشعرون الآن بالاقصاء أن يبحثوا عن سبيل يبقيهم في دائرة الفعل السياسي, سواء من باب الاحتجاج كمشروع البرلمان الموازي, الذي هو علي الأرجح فكرة سياسية رمزية أكثر منه تحركا تنظيميا يتصادم مع الدستور والقانون, أو من باب تكوين جبهة للمعارضة لتحدي أغلبية الحزب الوطني. كل ذلك مفهوم, وقد يكون بعضه مطلوبا, لكن غير المفهوم, بل والمعيب في موقف أولئك المعارضين جميعا هو الرفض المطلق لأية تفسيرات أخري لخسارتهم, غير تلك التي يطرحونها, وسواء كانت التفسيرات صادرة عن قيادات الحزب الوطني والمتحدثين باسمه من كتاب ومحللين وباحثين, أو صادرة عن مستقلين, فهل يعقل أن كل هذه التفسيرات( الأخري) مصطنعة, وتبريرية وليس فيها تفسير واحد موضوعي ومقنع؟ إن الاجابة بالنفي كما تفعل أحزاب المعارضة وجماعة الاخوان( المحظورة) ليست من السياسة في شيء, فضلا عن أنها ليست من العقل في شيء, وهي هروب من المسئولية الذاتية, أو تهرب من تحمل القسط من المسئولية عن الفشل الذي من المؤكد أن هؤلاء المعارضين انفسهم يتحملونه, وكذلك فإن الاكتفاء بتفسير الأغلبية الكبيرة للحزب الوطني بالتزوير, أو الاستقواء بأجهزة الدولة أو حتي بالاسراف في شراء الذمم والأصوات بالرشاوي المالية, قد يكون مريحا بعض الوقت, لكن لايمثل كل الحقيقة, ولا ينفي ضعف أداء المعارضة, ووجود أسباب أو معطيات قوة نابعة من الواقع السياسي المصري للحزب الوطني, كما لا ينفي أن الحزب الوطني كان أكثر الأحزاب استفادة من تجربة انتخابات عام5002 في تدارك أسباب قصوره. إذن كان الأولي بأحزاب وجماعات المعارضة وهي تندد بالتجاوزات, وغيرها من الممارسات غير المشروعة أن تنشغل أيضا, وبقدر أكبر, بدراسة أسباب ضعفها الذاتي, وبالأسباب التي تجعل معظم معطيات الواقع السياسي المصري تصب في مصلحة الحزب الحاكم, فهكذا تفعل الأحزاب والحركات السياسية في كل بلاد الدنيا بما فيها البلاد المماثلة لنا في درجة التطور السياسي, وذلك حتي يمكن معالجة أوجه القصور كلها أو بعضها. ونحن من جانبنا وكاسهام متواضع في الحوار السياسي العام نقترح علي الأحزاب وعلي جماعة الاخوان التي رغم أنها محظورة قانونا إلا أن العرف جري علي السماح لها بحضور سياسي سلمي, أن يبادر كل منها بتشكيل لجنة تتكون من أعضائه ومن باحثين مستقلين مشهود لهم بالخبرة والموضوعية لدراسة ما حدث, وأسبابه البعيدة والقريبة, وطرق العلاج, علي أن تعلن أسماء أعضاء هذه اللجنة علي الرأي العام, مثلما تكون معروفة للكوادر الحزبية, وعلي أن تعلن أيضا نتائج البحث والدراسة علي الرأي العام, وكوادر الحزب مثلما تعرض علي قياداته, ثم يمكن للحزب أو التنظيم بعد ذلك أن يعقد مؤتمرا عاما. تعرض عليه هذه النتائج والتوصيات ليتبني ما يقره منها, ويحولها إلي استراتيجية عمل في المستقبل. أعلم أن بعض قيادات الأحزاب, وبعض القراء سوف يبتسمون بينهم وبين أنفسهم عندما يقرأون هذا الاقتراح, إذا أسعدني الحظ وقرأوه ويقولون إنه من رابع المستحيلات, لأن سيؤدي إلي مزيد من الانقسامات في صفوف كل حزب أو تنظيم من قوي المعارضة, والرد هنا هو السؤال التالي: ماذا يعني تخوف الأحزاب من تشكيل لجنة مؤهلة لبحث جميع أسباب اخفاقها السياسي بما فيها اتهامات التزوير للحزب الوطني؟! ألا يعني ذلك التهرب من مواجهة الحقيقة والمسئولية؟ ثم ألا يعني ذلك أن هذه الاحزاب عاجزة لأسباب ذاتية عميقة عن أن تطرح نفسها كبديل حقيقي أمام جمهور الناخبين. أو هي علي الأقل عاجزة عن قيادة من تريد تمثيلهم من الناخبين في عملية سياسية جادة؟ بالطبع ليس الحديث عن ضعف الأحزاب جديدا, وإنما يبقي التساؤل مشروعا عن أسباب استسلامها لهذا الضعف إذا كانت جادة في الشعور بالمسئولية عن مستقبل الوطن؟. إن الواقع السياسي في مصر ينطوي علي معطيات أو لنقل علي موارد وإمكانات سياسية لم تستغل بعد ويمكن أن تسهم في تقوية المنظمات السياسية ككل, ولا شك في أن أهم هذه الموارد هو تحريك الأغلبية الصامتة أو العازفة عن المشاركة للدخول في الحياة السياسية من خلال الصوت الانتخابي, فقد أثبتت الانتخابات الأخيرة مثل كل انتخابات سابقة عليها أن نسبة المشاركة في الاقتراع لم تزد في أحسن الأحوال علي52% أو03%, وهذا يعني أن لمعظم الأحزاب, بما في ذلك الحزب الوطني فرصة في الحصول علي ناشطين ومؤيدين جدد بنسب كبيرة. وإذا كان أحد لا يتوقع أن تكون المهمة سهلة, وإذا كان أكثر المراقبين تفاؤلا بمستقبل المعارضة المصرية لا يتوقع أن ينجح أحد الأحزاب المعارضة في الحصول علي أغلبية برلمانية في يوم قريب مهما يتحسن اداؤه, أو مهما يقترب من حد الكمال, فإن ذلك لا يعني أن تحسن الأداء الحزبي, والوصول إلي ناشطين ومؤيدين جدد سيكون بلا طائل سياسي حزبي, وبلا طائل وطني, بل إنه سيكون كبير الفائدة لكافة الاطراف, فسوف يؤدي تحسن الاداء أولا إلي اختفاء الأحزاب الهامشية, وإلي تضييق مساحة انفراد الحزب الحاكم بالعملية السياسية, وقد تضطر زيادة أعداد مؤيدي أحزاب المعارضة الجادة الحزب الوطني إلي أخذ مشروع الجبهة المؤتلفة للأحزاب المدنية مأخذ الجد, والدليل علي ذلك ان التهديد الذي شعر به الحزب الوطني في انتخابات5002 من جماعة الاخوان المحظورة دفعه إلي أخذ الأمور بمنتهي الجدية, وعدم الارتكان فقط إلي سلطة الدولة, بصرف النظر عن التجاوزات التي حدث مثلها في انتخابات5002 وكل الانتخابات التي سبقتها فإذا ما شعر الوطني بأن أحزاب المعارضة أصبح لها ثقل سياسي, وإذا ما شعر بأن ترك هذه الأحزاب ذات الثقل قد يلقي بها في أحضان تكتل معارض يضم جماعة الاخوان المحظورة,( وهو مالانتمناه من هذه الأحزاب الآن وفي المستقبل) فإنه سيكون بالقطع هو المبادرة إلي دعوتها للانضمام إلي ائتلاف سياسي مدني, ولابد من التذكير بهذه المناسبة بأن أول خسارة كبيرة لحزب الوفد الجديد بعد عودته من التجميد في بداية عهد الرئيس مبارك كانت اقدام الزعيم المرحوم فؤاد سراج الدين علي التحالف مع جماعة الاخوان لأهداف انتخابية مرحلية, وقد فعل الرجل ذلك دون تشاور كاف مع قيادات الحزب, وقد أدي ذلك التحالف وقتها إلي نزع قدر كبير من مصداقية الحزب لدي النخبة المثقفة والمهنية التي كان قطاع عريض منها قد سارع إلي الانضمام إلي الوفد الجديد رهانا علي تقاليده المدنية الليبرالية. المزيد من مقالات عبدالعظيم حماد