إن قضية التمثيل البرلماني للأقباط ليست مجرد قضية نوعية ولكنها قضية سياسية في المقام الأول, فاستمرار ضعف التمثيل المتكافئ للأقباط يغذي سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة ثقافة التطرف أو يصب في النهاية لصالحها. وتتلخص الأزمة النيابية للأقباط ضمن سياق عام تقلصت فيه المشاركة في الشأن العام عامة والمشاركة الانتخابية خاصة. من الأهمية الإشارة, إلي أن يكون البرلمان الكفء في تمثيله للمواطنين يجب أن يحتوي علي تمثيل متوازن لجميع المواطنين. فغياب فئة أو فئات عن البرلمان لابد وأن يثير التساؤل عن أسباب غيابهم, هل هو عزوف من جانبهم أم أن قواعد اللعبة الانتخابية لا تتيح لهم المشاركة والنجاح؟ وتعد مشكلة التمثيل السياسي والانتخابي للمسيحيين في البرلمان والأحزاب والحكومة والسلطة القضائية, واحدة من أبرز إشكاليات, ومشكلات تطور النظام والمؤسسات السياسية المصرية منذ23 يوليو1952 وحتي اللحظة الراهنة. وتتجلي أهمية هذا الموضوع في أنه يعكس نقاط تقاطع عديدة في تطور نظم الأفكار والجماعات السياسية علي اختلافها, فضلا عن أنظمة القيم والتقاليد والعادات في المجتمع. وثمة تداخلات بين موضوع التمثيل البرلماني للمسيحيين, والبيئة الدينية, وما تحمله من تأويلات وتفسيرات دينية متعددة, بل إن موضوع التمثيل البرلماني للمسيحيين في الأحزاب والبرلمان والحكومة والقضاء.. إلخ, هو ذروة تصادم بين المدارس الفكرية والايديولوجية والسياسية في مصر. علي الرغم من الانتقادات التي وجهت للانتخابات, إلا أن هناك بارقة أمل بالنسبة إلي الأقباط بعد أن نالوا نصيب الأسد من تعيينات الرئيس مبارك في مجلس الشعب. وقد مثلت انتخابات2010 طفرة للأقباط سواء علي مستوي الترشيح أو التمثيل. فمن ناحية الترشح, فقد أعلن الأقباط عن أنفسهم بقوة حيث خاض نحو112 قبطيا المعركة الانتخابية ويبدو الرقم متواضعا مقارنة بالعدد الإجمالي للمترشحين والذي تجاوز خمسة آلاف مرشح, لكنه قياسا إلي الانتخابات الماضية يعكس تحولا ملموسا لدي الأقباط لجهة المشاركة الايجابية في العملية السياسية خاصة وأن70% من الأقباط دخلوا السباق مستقلين والباقي علي قوائم حزبية مختلفة الوطني والوفد والتجمع والتي شهدت أيضا ارتفاعا ملحوظا في أعداد الأقباط المرشحين عليها مقارنة بانتخابات2005. علي مستوي التمثيل, فقد ارتفع نصيب الأقباط في المجلس إلي عشرة مقاعد لأول مرة منذ1990 بنسبة تقارب2% من إجمالي عدد مقاعد مجلس الشعب بعد أن اتخذ الرئيس مبارك قراره بتعيين سبعة أقباط. ويبدو أن نسبة المعينين من المسيحيين لها علاقة بنسبة المسيحيين الذين وصلوا إلي البرلمان عن طريق الانتخاب. فكلما قل عدد المسيحيين المنتخبين دفع ذلك رئيس الجمهورية إلي زيادة عدد المعينيين والعكس, وهذا ما حدث في مجالس2000 و2005 و2010 علي التوالي. علي أي حال, فإن تلك البيانات تشير إلي استمرار محدودية دور الأقباط في العملية الانتخابية. خاصة مع الإشارة إلي أن هذا العدد المحدود قد إرتبط بشكل أو بآخر بعزوف الأقباط عن المشاركة في الترشيح كأفراد في الانتخابات, خشية علي ما يبدو من الفشل. ومما لا شك فيه أن المؤسسات الكنسية علي اختلافها تتحمل جزءا من المسئولية عن عدم الدفع بأقباط للترشح. كما أن الأحزاب السياسية تتحمل هي الأخري قدرا أكبر من المسئولية عن غياب الأقباط من قوائمها كنا نتمني أن يتم تمثيل أكبر للأقباط لكيلا ننتظر إلي المعينين العشرة خاصة وأن تصويت البابا لمرشح الوفد يعد سابقة إيجابية, وتطورا تاريخيا في تاريخ الكنيسة التي كانت تحشد مواطنيها للتصويت لصالح أحزاب أو مرشحين بأعينهم. كما يجب ملاحظة أن هناك أعدادا متزايدة من المسيحيين أصبحوا مسجلين في القوائم الانتخابية, لأن هناك وعيا متناميا لدي المسيحيين بأهمية المشاركة السياسية من أجل تكوين كتلة ضاغطة للحصول علي مطالب فئوية محددة. والحقيقة أن أهمية هذه الظاهرة تكمن في أنه لو استمر معدل تسجيل المسيحيين بنفس الوتيرة التي كان عليها في السنوات الماضية, سنجد أنفسنا في الانتخابات المقبلة أمام كتلة تصويتية كبيرة جاهزة للتحرك الانتخابي الإيجابي. وبالرغم من السيطرة القوية التي تمارسها الكنيسة علي رعاياها, إلا أن هذه الأصوات لا يمكن اعتبارها كتلة موحدة بأي حال من الأحوال, لأن المسيحيين تتوزع أصواتهم علي تيارات سياسية وحزبية مختلفة. وإجمالا, يمكن القول حتي نضمن تمثيلا عادلا وشاملا لكل فئات المجتمع فلابد من تغيير النظام الانتخابي ليكون بنظام القائمة والدستور الحالي يسمح بذلك والتي بدونها لن تقوي الحياة الحزبية. وأن علي الأحزاب السياسية مراعاة التوازن الاجتماعي في ترشيحاتها لضمان تمثيل الأقباط تمثيلا عادلا في المجتمع, وعليها أيضا استقطاب المسيحيين للعمل السياسي من خلال المنابر السياسية الشرعية هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية. علي جميع الأحزاب السياسية والمشاركين في الانتخابات الماضية عدم تحميل المسئولية كاملة علي اللجنة العليا للانتخابات التي تشرف لأول مرة علي العملية الانتخابية برمتها, وبدلا من محاولة وأدها مبكرا من جانب البعض وجعلها الشماعة التي تعلق عليها جميع العيوب التي شابت هذه العملية. فإنه يجب رصد تجربتها, والوقوف عليها ومحاولة التشبث بها, وتحليلها ومعرفة النواقض ومعالجتها حتي تقوم بالدور المنوط بها علي أكمل وجه. أو إخضاع العملية الانتخابية برمتها إلي هيئة قضائية مستقلة ودائمة, ينتخب أعضاؤها بواسطة أعضاء الجمعيات العمومية للمحاكم.