يشي تأخر الجهود السورية السعودية والتحركات القطرية التركية في توليد حل لبناني داخلي للأزمة حول المحكمة الدولية عبر مساعدة الفرقاء علي التفاهم, بمراوحة هذه الجهود والتحركات مكانها بين ولادة قيصرية لحل وطني وبين اجهاض هذه المساعي بفعل عدم توصل الأطراف الدولية والإقليمية الي توافق فيما بينها. ومن ثم يتراوح مستقبل لبنان خلال الأسابيع المقبلة بين امكانات تفاهم قد تلوح في الأفق تدعم الاستقرار وبقاء الحكومة برئاسة سعد الحريري ومنح فريقه(14 آذار) حوافز, وبين احتمالات الوصول الي نهاية طريق مسدود يضع البلد علي مشارف فتنة داخلية مع صدور القرار الاتهامي المفترض أن يوجه الاتهام لعنصر من حزب الله باغتيال رفيق الحريري. فمن ناحية تتجه الجهود الي ما يمكن اعتباره تسوية مؤقتة تحافظ علي بقاء المحكمة( من حيث الشكل) مع تطمينات للمعارضة وحزب الله مع صدور القرار الاتهامي المتوقع باتهام عناصر غير منضبطة فيه بارتكاب جريمة اغتيال رفيق الحريري بتجميد التداعيات( من حيث الجوهر) وبدء مرحلة جديدة من التفاوض حول تسوية قانونية تبطل مفاعيل هذا القرار, بمعني ترحيل الأزمة لعدة أشهر لاتاحة الفرصة لمزيد من التفاهم بين الأطراف الإقليمية والدولية المعنية من جانب, وبينها وبين الأطراف الداخلية من جانب آخر. ويرشح بطء الجهود السعودية والسورية والتحرك التركي القطري( في ضوء زيارتي كل من رئيسي وزراء قطر وزير خارجيتها حمد بن جاسم, وتركيا رجب طيب أردوغان لبيروت أخيرا, وزيارة الرئيس السوري بشار الأسد لباريس ومحادثاته مع نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي أخيرا), اتجاه الأزمة في هذا المسار حيث بدا أن المساس بالمحكمة مرفوض وبقاءها من حيث المبدأ واستمرار عملها مرجح, ومن ثم إلغاؤها مستحيل. هذا الزخم من التحركات واللقاءات والمساعي والزيارات لبيروت يعتبره النائب عن كتلة المستقبل النيابية عمار خوري يكمل عقد( شبكة) الأمان العربية والإقليمية للبنان لكنه يشدد علي أن الدور السعودي السوري يظل هو الدور الرئيسي والبديل هو الذهاب الي المجهول. لكن هذه الشبكة تكون بلا جدوي بدون دور لبناني أولا حسب نصائح كل الأطراف الإقليمية والدولية, خصوصا السعودية وسوريا وتركيا وفرنسا وروسيا للفرقاء بالتركيز علي التنمية ومصالح الدولة والشعب, وسعت تركيا الي إغراء لبنان بذلك عبر دعوتها للمشاركة في تأسيس تجمع اقتصادي سياسي رباعي يضم تركيا وسوريا والأردن ولبنان في اجتماع سيعقد في اسطنبول في شهر مايو المقبل لإنشاء المجلس الأعلي للتعاون الاستراتيجي بين الدول الأربع. هذا الدور( اللبناني) سيكون بدوره أيضا بلا جدوي من دون العمل علي ابعاد شبح فتنة مذهبية سنية شيعية ستصيب شظاياها المنطقة, لاسيما منطقة الخليج والعراق وتركيا, وفي نفس الوقت سيكون عظيم الجدوي حسب المراقبين اذا أدرك الساسة اللبنانيون أن هناك أطرافا إقليمية تسعي الي تحقيق مكاسب في الملف اللبناني تعوض بها خسائرها في ملفات إقليمية أخري. ويلعب عامل الوقت أيضا دوره في الأزمة حيث يشكل عامل ضغط علي فريق المعارضة, وتجلي ذلك في ارتفاع حدة تصريحات قيادات حزب الله في الآونة الأخيرة وتحذيراتهم من صدور القرار الاتهامي قبل التوصل الي تسوية. ولاتزال التسريبات الإعلامية حول مضمون القرار الاتهامي تلعب دورا ضاغطا لجهة زيادة الاحتقان والتوتر وصب الزيت علي النار, لاسيما ما ذكرته صحيفة هاآرتس الإسرائيلية حول تعاون لجنة التحقيق بالمحكمة مع الموساد الإسرائيلي لتوجيه أصابع الاتهام لحزب الله باغتيال الحريري, وزاد الطين بلة اعتراف وزير خارجية إسرائيل أفيجدور ليبرمان بأن الموساد قدم مساعدات للجنة التحقيق؟!. وزادت الضغوط السياسية والنفسية علي الفرقاء بإعلان الصحفي الأمريكي فرانكلين لامبا أنه يمتلك أدلة علي قول مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية جيفري فلتمان, أن المحكمة أداة لتدمير حزب الله, وبزعم شبكةCBC الكندية أن القرار الاتهامي سيتضمن أيضا الي جانب عناصر حزب الله اتهام العقيد وسام الحسن رئيس فرع المعلومات بقوي الأمن الداخلي والمقرب من الحريري بالتورط في الجريمة, ما اعتبرته الأوساط السياسية ضغوطا علي سعد الحريري بتقريب الاتهام الي أحد أركان النظام الأمني المقرب منه في حالة تقديمه تنازلات وخضوعه لتهديدات حزب الله والمعارضة, فيما أعربت أوساط سنية عن خشيتها من تقديم الحسن كبش فداء لتمرير القرار الاتهامي من دون إثارة فتنة مذهبية باعتبار أن إحدي الشخصيات السنية صارت ضمن المتهمين؟! وزادت أجواء الانفعال تشنجا بسبب اجراء المحكمة تعديلا مفاجئا في قواعد إجراءات المحاكمة يتعلق بتدابير مثول المتهمين أمام المحكمة, وامكان إجراء المحاكمة غيابيا, وقبول افادات للشهود خطيا( خشية علي حياتهم). وفي محاولة من المعارضة لضرب الأدلة الرئيسية لدي المحكمة والتي تعتمد علي الاتصالات التي جرت إبان تنفيذ جريمة اغتيال الحريري, أعلن وزير الاتصالات شربل نحاس( من التيار الوطني الحر برئاسة ميشال عون) عن نتائج تحقيق أجراه الخبراء كشف عن سيطرة إسرائيل بالكامل علي أجهزة وشبكة الاتصالات وقدرتها علي توجيه اتصالات ورسائل, وإجراء اتصالات من أرقام هواتف محلية دون علم أصحابها!؟, وذلك للطعن في أدلة المحكمة. وتزيد حالة الاستفزاز لدي المعارضة بسبب رفض الأممالمتحدة والمحكمة وأطراف دولية بل الحكومة طلب المعارضة فتح تحقيق في فرضية اتهام إسرائيل باغتيال الحريري. وبينما تتهم المعارضة الولاياتالمتحدة بمحاولة إفشال الجهود السعودية السورية, ويحدو البعض الأمل في دور فرنسي, أعرب عون عن استعداده للذهاب الي واشنطن بعد زيارته باريس لشرح خطورة تداعيات صدور القرار الاتهامي بهذا الشكل علي استقرار لبنان للمسئولين الأمريكيين. وضمن تلك الأجواء, لوحظ نشاط مكثف وواسع من جانب السفراء والدبلوماسيين الأجانب في بيروت لجهة عقد لقاءات مع قيادات سنية وشيعية سياسية, ودينية لاستطلاع الموقف حول امكانات حدوث فتنة مذهبية سنية شيعية في حالة صدور القرار الاتهامي باعتبار أن فحواه بهذه الصورة هو أن فريقا من الشيعة قتلوا زعيما سنيا؟! وفي الوقت الذي يتمترس فيه كل فريق لبناني خلف مواقفه من الأزمة, تتصاعد حدة السجال والانفعال, وزادت لهجة التحدي الي درجة اطلاق تهديدات وتحذيرات, فأعلن مسئولون في حزب الله أن لحظة الحسم باتت قريبة.. وذلك وسط تسريبات حول تجهيز الحزب خطة للتحرك في حالة صدور القرار الاتهامي للسيطرة الأمنية علي الوضع, لكنها ستكون هذه المرة مختلفة عما حدث في السابع من مايو2008. نفس التسريبات الإعلامية تكشف عن أن أطرافا دولية عرضت علي حزب الله حوافز أو جائزة من أجل تراجعه عن موقفه من القرار الاتهامي تتضمن إجراء تعديل في اتفاق الطائف الذي اعتمد المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في تقسيم الحصص بالمناصب والوظائف العامة بالدولة, واعتماد المثالثة بدلا من المناصفة في توزيع الحصص بين المسيحيين والسنة والشيعة؟!.. وتلك تسريبات عزز مصداقيتها كشف وزير الخارجية الفرنسية السابق برنار كوشنير عن أن هناك أطرافا دولية واقليمية اقترحت تعديل اتفاق الطائف؟!. في هذه الأجواء المشحونة يرن في أسماع اللبنانيين قول السياسي الماروني سليمان فرنجية إن منطقة الشرق الأوسط منطقة يقوم فيها حل النزاعات علي التسويات.. ولبنان جزء من المنطقة؟!