اعترف التقرير الوطني المصري المقدم الي لجنة اتفاقية الأممالمتحدة الاطارية بشأن تغير المناخ بأن أكثر القطاعات المصرية عرضة لتغير المناخ هي المناطق الساحلية. وأن ارتفاع مستوي سطح البحر بمعدل نصف متر فقط كفيل باغراق1800 كيلو متر من الاراضي الخصبة وتصحرها,وإذا بلغ المعدل مترا واحدا فسيؤدي ذلك الي تشريد نحو6 ملايين مواطن وإغراق4500 كيلو متر من الأراضي الزراعية, كما حذر التقرير من أن تغير المناخ سيؤدي الي اختلاف شديد في معدلات الفيضان السنوي للنيل الذي يمد مصر بأكثر من96% من احتياجاتها من الموارد المائية. اذا كان التقرير الوطني قد أقر بهذه التوقعات المخيفة.. فماذا أعدت أجهزة الدولة لهذه المرحلة؟ تشير الدكتورة ماجدة شلبي استاذ الاقتصاد الي التناقص المستمر في نصيب الفرد من المياه بمصر حيث تناقص من2604 أمتار مكعبا عام1947 إلي1712 م2 عام1970 إلي860 م2 عام2002. وتقدر الموارد المائية المتاحة لمصر خلال2007/2006 بنحو69.96 مليار م2 وتتمثل في حصة مصر من مياه النيل وتبلغ نحو55.5 مليار متر مكعب تمثل نحو79.3% من إجمالي الموارد, بالاضافة الي المياه الجوفية وتدوير مياه الصرف, والامطار والسيول, وتحلية مياه البحر. صراع في النيل وعن الصراع المائي الدولي في حوض النيل وأسبابه تقول الدكتورة ماجدة شلبي ان نهر النيل يعد من أطول انهار العالم بطول6700 كيلو متر ويقدر حوض النيل بنحو2.9 مليون متر مربع وتوزع مياه النيل بين عشر دول افريقية[ اثيوبيا أوغندا بوروندي تنزانيا رواندا السودان الكونغو كينيا مصر] وتتسم دول حوض النيل بالفقر المدقع باستثناء مصر التي تستحوذ مع السودان علي نحو75% من مياه النيل وباقي دول حوض النيل تحصل علي25% فقط بناء علي اتفاقية1929 واتفاق مصر والسودان عام1959, ولذا رفضت دول أعالي النيل هذا الاتفاق وشكلت جبهة للرفض ودعت لتغيير الاتفاقيات. وفي مواجهة الصراعات القائمة في حوض النيل لجأت مصر الي تطبيق استراتيجية التعاون وتقديم المساعدات والمعونات للدول الفقيرة مثل أوغندا وتبادل الخبراء في مجال الموارد المائية. ترشيد المياه ضرورة أما الدكتور مصطفي كامل السيد رئيس منظمة شركاء التنمية للبحوث والاستشارات والتدريب فيري أنه بدون الانتظار لتحقيق أسوأ سيناريوهات أزمة تغير المناخ فمن الواضح ان مصر تواجه أزمة متعددة الجوانب بالنسبة لتوافر المياه فمتوسط نصيب الفرد من المياه, في مصر حاليا يقل عن860 مترا مكعبا سنويا وهو ما يهدد بدخول مصر مرحلة شح المياه, لان الحد الادني الذي يكفي تغطية احتياجات الافراد هو الف متر مكعب سنويا والمشكلة متعددة الجوانب, فهناك الجانب الكمي الذي يتعلق بحجم المياه المتوافرة في مصر وهو ينخفض عن الحد الدولي المقبول, وهو الف متر مكعب سنويا, ومع زيادة السكان فسوف يزداد انخفاضا فإذا كان متوسط استخدام الفرد حاليا860 مترا, فالمتوقع أن ينخفض هذا الي582 بعد سبع سنوات اي عام2117, يضاف الي ذلك تعدد الشكاوي من نوعية المياه المستخدمة في الشرب أو الري, ويضاف الي ذلك ان الفائدة التي تجنيها مصر من المياه محدودة بسبب استخدامها في زراعة محاصيل منخفضة العائد وبسبب الفاقد من المياه أيضا. وهناك سبل متعدد للحل لا شك ان أحد جوانبها هو الاقتصاد في استخدام المياه خاصة الري والانتقال الي تركيب محصولي مختلف بالاكثار من المساحات المزروعة بالفواكه والنباتات الطبية واختيار فترات الزراعة التي تتوافق مع ندرة هذه الحاصلات الزراعية في اسواقها الخارجية وكذلك العناية بإعداد الدراسات الخاصة بمشروعات الري حتي لا يجري تبديد ثروة مصر المائية في مشروعات لم تجر دراستها علي وضع واقعي وتنفق عليها مليارات الجنيهات دون أن يكون مضمونا انها تحقق عائدا مرتفعا ولا يتحقق ذلك الا بإشراك العلماء المتخصصين عند دراسة كافة هذه المشروعات, وأن تكون دراساتهم العنصر الاساسي في اتخاذ القرار بالنسبة لهذه المشروعات, وكذلك الي أولوية قيام منظمات مستهلكي المياه في الريف, ونعني المزارعين بدور فعال في الاشراف علي استخدام المياه, وأن يكون صوتهم مسموعا لدي صناع القرار, وهذا هو الدور الذي ينبغي أن تقوم به روابط مستخدمي المياه التي يصل عددها حوالي700 رابطة بالريف المصري ولكن ربما لا يفعل علي النحو المطلوب. الاستعداد للأسوأ يدفع للتنمية يضيف الدكتور مصطفي كامل انه بالنسبة لتغير المناخ, فعلي الرغم من ان مصر لا تسهم في ذلك بقدر اسهام الدول الصناعية المتقدمة أو الجديدة في شرق آسيا وجنوبها مثل الصين والهند الا ان مصر في مقدمة الدول التي ستعاني من آثار تغير المناخ بسبب ما تتوقعه بعض سيناريوهات تغير المناخ من احتمال غرق مسطحات واسعة من الدلتا بسبب تمدد مياه البحر المتوسط وذوبان الثلوج في القطب الشمالي والانخفاض النسبي لمساحات اليابسة في شمال مصر ومما يضاعف من خطورة هذه الاثار المحتملة انه لا تؤخذ بمأخذ الجد من جانب صانعي القرار, ويبدو انهم يأملون الا تتحقق هذه السيناريوهات وأن تقتصر اثار تغير المناخ علي السيناريوهات الاخف في اثارها, والمفروض الاستعداد للأسوأ لانه حتي اذا لم تتحقق السيناريوهات الاسوأ فاستعدادنا له سوف يجعل أوضاعنا أفضل بكثير لاننا سنكون اتخذنا الاحتياطيات الواجبة من حيث تشجيع التنمية في المناطق التي لم تصل اليها مياه البحر في حالة غرق مساحات من الدلتا, وقللنا من الكثافة السكانية في المناطق المهددة, وقمنا بتقوية حواجز ومصدات الامواج في الساحل الشمالي الذي يواجه بالفعل مشكلة زحف مياه البحر, ويضاف الي ذلك جوانب متعلقة بإدارة أوضاعنا البيئية لا ترتبط بالظاهرة العالمية لتغير المناخ مثل ارتفاع مستويات التلوث للهواء بالمدن الكبري في مصر خاصة القاهرة الي حدود تهدد بالفعل الملايين من المصريين, وهو ما يقتضي جهدا هائلا لمقاومة أسباب هذا التلوث, كما ان إحدي المشاكل الكبري في أوضاعنا البيئية هي الحجم الهائل للمخلفات الصناعية, والتي لم نجد بعد أسلوبا للتخلص منها أو لتدويرها وهو ما نجد علامات صارخة له في ازدياد كميات القمامة التي نجدها في أماكن عديدة حول العاصمة بل وفي داخلها أيضا. روشتة المواجهة ويري الدكتور محمود أبو زيد رئيس المجلس العربي للمياه ان تغير المناخ والاحتباس الحراري تعد من أهم الموضوعات التي أثارت اهتمام العالم خلال العقد الماضي, سواء كان ذلك في الاوساط العلمية أو السياسية, ولقد أكدت الدراسات ان التغيرات المناخية سيكون لها أثر علي الموارد المائية, واختلفت تقديرات التغيرات المناخية, ولكنها اجتمعت علي ان مصر ستواجه ارتفاعا عن درجة الحرارة خلال الخمسين عاما القادمة يزيد عن درجتين وأن التساقط المطري سوف يقل علي الاراضي المصرية, وربما يزيد في مناطق أعالي النيل ولو أن التقديرات لم تتفق في ذلك. وسوف تؤدي زيادة درجات الحرارة الي زيادة الاحتياجات المائية لمختلف الاستخدامات وزيادة التبخر من أسطح المجاري المائية والاراضي الزراعية, ومن أهم اثار التغيرات وارتفاع درجات الحرارة ارتفاع منسوب مياه البحر وغرق بعض أراضي الدلتا, وقد تفاوتت التقديرات بالنسبة لذلك تفاوتا كبيرا لدرجة ان التقديرات أشارت الي غرق ثلث الدلتا خلال المائة عام القادمة عندما يرتفع منسوب مياه البحر مترين وسوف يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر الي التأثير علي الاراضي الزراعية وإنتاجها كما تؤثر علي السياحة والتنمية بمناطق الساحل الشمالي الغربي وتداخل مياه البحر في أراضي الدلتا( الخزان الجوفي) ومع ان التغيرات التي حدثت في منسوب البحر خلال الثلاثة عقود السابقة لم تتعد عدة سنتيمترات فإن التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة سوف يزيد علي هذه التقديرات. وتشير نتائج النماذج الرياضية العالمية الي أن درجات الحرارة في أعالي النيل سوف تزيد بمعدلات متفاوتة خلال أشهر السنة وسوف تزيد نسبة الامطار في بعض الاشهر وتقل في أشهر أخري وقد ذهبت هذه التقديرات الي ان تصرف نهر النيل سوف يزيد بنسبة تصل الي20% أو تقل بنسب قد تصل الي70%. وقد أجمع العلماء علي ان التأقلم مع التغيرات المناخية يستوجب التعرف علي اثار هذه التغيرات وتقييم الاحتمالات والتعايش معها, ونظرا لحساسية الموقف المائي في مصر فإن التغيرات المناخية يمكن أن يكون لها اثار اقتصادية واجتماعية وبيئية خطيرة وفي المهم الحصول علي المعلومات الدقيقة لجذب انتباه متخذي القرار, وبناء دعم الشعب لتأييد إجراءات التأقلم, وتستوجب التغيرات المناخية الحاجة الملحة لإعداد السياسات المستدامة وفرص الاستثمار الحقيقية. ولابد من ادماج اجراءات التأقلم في السياسات المائية والاستعانة في ذلك بالتكنولوجيات الحديثة مثل الاستشعار عن بعد والاستعانة بالنماذج الخاصة بالتغيرات المناخية ومن أهم إجراءات التأقلم التي يذكرها أبو زيد ما يلي: الاهتمام ببناء المنشآت المائية للحفاظ علي الموارد وتنميتها مثل الخزانات والسدود والآبار. تعظيم الانتاج الزراعي من وحدة المياه تعديل استخدامات الاراضي والتركيبات الزراعية التي تتلاءم مع الظروف المناخية الجديدة.