الخطاب الديني في مصر لايرضي رئيس الجمهورية.. فهو يراه مفتقرا للاستنارة بعيدا عن الواقع.. مسئولا عن احداث ثغرات, تسللت منها للوطن اجواء فتن ورياح عواصف. القاء( الرئيس) بالمسئولية كان صريحا وواضحا, وموجها بالتعادل لكل من المؤسسة الدينية الاسلامية( الأزهر). والمؤسسة الدينية المسيحية( الكنيسة) ولأنها كلمات رب الأسرة الكبيرة(مسلمين ومسيحيين) ولأنها تأتي في أجواء ساخنة, ووسط مشاعر دينية ملتهبة علي وشك الانفجار, ولأننا كصفحة دينية نعتبر أنفسنا ويعتبرنا المجتمع رافدا اعلاميا من روافد الخطاب الديني.. لهذا كله كان علينا أن نبدأ سريعا, بلقطات لمسرح الأحداث, محاولين مع علمائنا استيعاب الصورة كاملة, فانطلقنا نسجل زوايا عديدة نفهم وبصراحة معني التعصب الديني, ونسترجه تاريخا اسلاميا لم يسمح به, وأفسح قادته الصدر والأرض والوطن للجميع, ونستعرض نصا قرآنيا يؤكد( الاختلاف) ويعتبر الايمان بدين أو بآخر, أو حتي الكفر بكل الأديان حرية مقدسة, تعرفنا كذلك علي روابط الاخوة في الانسانية والأخوة القومية التي تربط المسلم بالمسيحي, ونقلنا تحذيرا من غياب المرجعية الدينية, ومن عبث الأيادي الخارجية, ومن الخطاب الديني للهواة. والذي لايملك الأزهر السيطرة عليه.. كل هذا وضعناه في صفحتنا أو بمعني اصح في خطابنا الديني الموجه لكل مسلم ومسيحي يحمل قبل ديانته جنسية مصرية. (الاختلاف) واقع لن يتغير علي الرغم من اقرار القرآن الكريم لفكره الاختلاف بين الناس وبخاصة في أديانهم ومعتقداتهم, واشارته الي بقاء هذا الاختلاف الي أن يرث الله الأرض ومن عليها, الا أن فريقا لم يتفهموا فكرة وجود عقائد أخري, ويعتقدون أن هذا الاختلاف لابد له من زوال, وهؤلاء كما يؤكد الدكتور طه عبد الجواد استاذ الفسلفة الاسلامية بجامعة الأزهر يعارضون من حيث لايدرون قرارا واقعا وسنة الهية موضحا: أنه من لطف الله ورحمة بنا بيانه لسنة الاختلاف بين الناس ولولا ذلك لتمسك كل انسان برأيه وأعتقد أنه وحده صاحب الاختيار الصواب, وقد وضع القرآن الكريم منهجا وسطيا في معاملة المخالفين للمسلمين في الاعتقاد أولا علي الاعتراف بوجودهم وقبول مشاركتهم أنشطة الحياة المختلفة, دون اكراه احد علي الدخول في الاسلام, فالمسلم يؤمن بأن اختلاف البشر في أديانهم واقع وفقا لمشيئة الهيه: ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم أي خلقهم ليختلفوا مادام قد منحهم العقل وحرية الارادة, ليختار كل انسان بنفسه ويتحمل مسئولية اختياره الذي سيحاسبه عليه الله, فمن أسس المنهج الرباني في تعاملنا مع المخالفين ان نؤمن أن الحساب والحكم الي الله وحده وليس لبشر أن ينازعه في ذلك كما قال تعالي: لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لاحجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا واليه المصير. كما يجب أن يعتقد المسلم بكرامة الانسان عامة أيا كان دينه فحين مرت جنازة امام النبي صلي الله عليه وسلم قام واقفا ولما قالوا له: انها جنازة يهودي, قال:( أليست نفسا). كما يوجب الاسلام علينا العدل في النظر الي المخالفين لنا في الاعتقاد فلا نسلك طريق التعميم, وقد جاء في القرآن الكريم آيات حاكمة في التمييز العادل بين المخالفين منها قوله تعالي ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله كما ميز بين أهل الكتاب وأصحاب العقائد الأخري, فأشار الي حزن المسلمين بعد انتصار الفرس( وهم مجوس يعبدون النار) علي الروم( نصاري من أهل الكتاب) وأنزل الله تعالي قرآنا يبشر المسلمين بأن الروم سينتصرون وقال سبحانه( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله. كما أخبرنا القرآن الكريم أن من أهل الكتاب من هم أقرب للمسلمين من غيرهم فقال تعالي: ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصاري ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لايستكبرون ومن أهم أسس منهج التعامل مع المخالفين وايمان المسلم بأن عدل الله يسمل جميع عباده مسلمين وغير مسلمين وان الاسلام أمرنا بالعدل حتي مع المخالفين المعادين فقد قال تعالي:( ولايجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي) فجعل العدل برغم وجود عداوة هو أحد أبواب التقوي كما قال تعالي علي لسان النبي صلي الله عليه وسلم مخاطبا المخالفين( وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم) كما كان رسول الله يأمر القواد في الغزوات بألا يؤذوا اصحاب الصوامع. ويشير الي أن العدل الذي طالبنا الاسلام به مع المخالفين لايشترط موافقتهم فيما يعتقدون ويدينون فالخنزير محرم في الاسلام, ومع ذلك اذا قتل مسلم خنزيرا يمتلكه رجل من أهل الكتاب, فعلي المسلم دفع دية قتل, وكذلك في الخمر اذا كسر مسلما كأسا من الخمر لمسيحي عليه بدفع ثمن تلك الكأس علي الرغم من تحريم الحمر! (خطاب الأزهر.. و(خطاب) الهواة كل مايصل الينا كمسلمين.. من أفكار وتصورات ومعاني وتفسيرات, تأتينا مطبوعة أو مسموعة, أو مرئية, وجها لوجه أو عبر اية قناة اعلامية, نتلقاها جماعات أو فرادي.. هذا باختصار ما يطلق عليه( الخطاب الديني) المتهم الرئيسي في كثير من المفاهيم الخاطئة.. والسلوكيات المرفوضة, والأحداث المعكرة لصفو العلاقات بين المسلمين والأقباط.. وطالما أصبح الخطاب الديني متهما نجد أن الاتهام ينتقل فورا الي المؤسسة الدينية الأزهرية باعتبارها المسئولة عن الخطاب الديني, أو هكذا نعتقد جميعا ولكن الشيخ عمر الديب وكيل الأزهر سابقا وعضو مجمع البحوث الاسلامية حاليا, ألقي الينا باعتراف يحمل العديد من المفاجآت, فهو أولا يفرق بين نوعين من الخطاب الديني أولهما: الخطاب الديني الرسمي أي الصادر عن المؤسسة الدينية في مصر بكافة قنواتها وفروعها: الأزهر ومجمع البحوث الاسلامية ووزارة الأوقاف, ودار الافتاء, وثانيهما الخطاب الديني( غير الرسمي) ويتمثل في عشرات الفضائيات, وآلاف الكتب والمطبوعات, ومئات المفتين والمتحدثين باسم الدين. ويحصر الديب مشكلات الفهم الخاطيء أو بث روح التعصب تجاه الآخر, أو التشدد داخل الدين نفسه وبين افراده, فيما يصدر فقط عن قنوات الخطاب الديني غير الرسمي, مؤكدا أن الأزهر رسالته واضحة, ولاتخرج بحال من الأحوال عن الوسطية والاعتدال, وهو مايتم غرسه في العقل الاسلامي الدارس للدين منذ مرحلة الطفولة.. ويتدرج به الفهم المعتدل مع تدرج مراحل عمره الي أن يتدحرج أزهريا وسطيا دارسا وفاهما لفكرة الاختلاف داخل دينه أولا( المذاهب الاسلامية) والاختلاف في العقائد مع اتباع الأديان الأخري.. وهذا الأزهري يعتلي المنبر, ويلقي دروس الوعظ في المساجد, ويختلط بالمجتمع ناشرا ماتعلمه وناقلا ماتلقاه. ولكن في المقابل يأتي الأعلام غير الرسمي بغير المتخصصين ولا الدارسين, أو بحملة الأفكار المتشددة والمتعصبة ليضخها في آذان وعقول جمهور عريض من المتلقين.. وللأسف كمايقول الشيخ عمر الديب لايستطيع الأزهر احكام الرقابة علي هذه القنوات غير الشرعية.. ومنها الفضائيات التي قل ماتستضيف علماء الأزهر الموثوق فيهم.. وليس للأزهر سلطة عليها, رغم أن الجميع يصرخ أين الأزهر من فتاوي الفضائيات؟ أيضا من الصعب السيطرة علي سوق الكتب بأكملها, بل انه تم ضبط مؤخرا كتب تباع بمدخل الجامع الأزهر تروج لأفكار وتيارات متشددة تختلف عن المنهج الوسطي للأزهر, وهي موزعة بعدة لغات أجنبية ونعتبرها محاولات اختراق للعقول المسلمة المصرية. والمحصلة النهائية أن الأزهر يعمل قدر طاقته وفي حدود امكاناته التي لن تتسع لمحاربة سموم القنوات غير الرسمية للخطاب الديني!؟ الاخوة القومية لحاملي الجنسية المصرية الجهل والعادات المتوارثة والأخذ بالثأر سبب لكثير من الحوادث التي تنشب بين مسلمين ومسيحيين ليس في مصر وحدها وانما في دول كثيرة.. هذا التفسير ورد علي لسان الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين معلقا علي عدد من الأحداث المعكرة لصفو العلاقة بين المسلمين بريء من هذه الأحداث, لأن المسلمين أمة متسامحة تشربت تعاليم التسامح من القرآن الكريم الذي أكد حقيقة التفاوت والاختلاف, وأنه تم وفقا لمشيئة الهيه لايستطيع أحد أن يعارضها أو يجبر الناس أن يكونوا كلهم مسلمين. كما أن الايمان بدين, أو الكفر بدين أمر متروك الفصل فيه الي الله يوم القيامة وليس لبشر, كما قال تعالي: وان جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون. وينبه د.القرضاوي لوجود روابط أخري تربط بين المسلمين والمسيحيين بخلاف رابطة الدين, فهم أهل وطن واحد, ورابطة الوطن انما هي رابطة اخوة, مدللا علي هذه الأخوة القومية أو الدينية بما جاء في القرآن الكريم كذبت قوم نوح المرسلين اذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون فالقرآن استخدم تعبيرا( أخوهم) رغم أنهم كذبوه وكفروا به, وهكذا اذ قال لهم أخوهم لوط.. هود. صالح وكذلك في قصة سيدنا شعيب التي ذكرها الله بقوله: والي مدين أخاهم شعيبا فهو من نفس البلد. ويكمل القرضاوي ان العلاقة بين مسلمي مصر ومسيحييها علاقة اخوة وطنية وقومية, وهي معاني مطلوب فهمها جيدا تلافيا لأية مشكلات تنجم نتيجة الجهل بالاسلام. للضغوط الاقتصادية والاجتماعية دور المتابع للحوادث الطائفية يلحظ ازديادها في الاعوام الأخيرة ولكن في نفس الوقت يجد أن معظمها أن لم يكن جميعها ليست بدوافع دينية, هذا مايراه الدكتور محمد المختار المهدي عضو مجمع البحوث الاسلامية الذي قال: ان التواصل بين المسلمين والمسيحيين في مصر موجود من قديم, أما حالة التوتر الديني والتعصب الموجود عند كلا الطرفين فليست لأسباب أو دوافع دينية, وانما تلعب الدوافع الاقتصادية والاجتماعية وأحيانا السياسية دورهما في انتشار ذلك, وهذه الدوافع كانت السبب في حالة من التوتر حتي بين المسلمين وبعضهم فالفقر والجهل وسوء التعليم وغيرها من المشكلات التي نعاصرها تفرغ جيلا من المتعصبين لايفرقون بين مسلم ومسيحي. زاد من وتيرة وحدة هذا التوتر جهات خارجية تستغل الموقف لخدمة مصالحهما الخاصة, فراحت تبث الفتنة بين أبناء الوطن, وللأسف لاقت دعواتهم قبولا في الداخل مما أدي الي زيادة التعصب الديني وانتشار هذه الحوادث الطائفية. ويشدد علي أنه لكي تعود روح التسامح بين عنصري الأمة لابد أولا من التوعية ونشر الثقافة الدينية الصحيحة من خلال العلماء الثقات. وينبه الي مسئولية الدولة في اعادة ثقة الناس من جديد في علماء الأزهر من خلال اجلالهم وتعظيم مكانتهم واعادة هيبتهم, فاذا كانت أخطر آفات العصر التعصب الديني, فالأخطر منه هو الجهل الذي أصاب ابناء هذه الأمة, والسبب عزوفهم عن العلماء الحقيقيين, واستقاء أفكارهم من أنصاف العلماء فأخذوا عنهم بلا فهم ادراك مما تسبب في هذه الأحوال التي نعاني منها جميعا الآن. كيف تتعرف علي المتعصب؟ مامعني التعصب الديني.. وهل هو( الالتزام) بمنهج متشدد, ينبذ التيسير ويرفض المتوسط أم أنه كراهية للآخر ونفور من المخالف؟ الدكتور محمد عبد رب النبي الأستاذ بجامعة الأزهر يشرح معني التعصب المرفوض محددا له ثلاثة مظاهر: أولا الشعور بالتميز والتفوق علي الآخرين أولا: الشعور بالتميز والتفوق علي الآخرين لامتلاك الحق, فالمتعصب دينيا يشعر بأنه وحده هو من يملك الحق وغيره علي الباطل. ثانيا: هو النظر الي الآخرين المخالفين بحقد وكراهية وازدراء فيمتليء قلب المتعصب حقدا وازدراء للآخرين لا لشيء الا أنهم مخالفين له في دينه ثالثا: وهو الاساءة للآخرين والاعتداء علي حقوقهم الانسانية, لانهم( مخالفين) لدين الانسان المتعصب, وه مايعتبره مبررا للاساءة والاعتداء علي حقوقهم. وهذه المظاهر هي التي ولدت العنف والارهاب الذي نراه ونسمعه اليوم. ويؤكد: أن كثيرين يتصورون أن التعصب والتشدد هما دلالة علي قوة الايمان أو قوة التدين, وهذا مفهوم خاطيء بل العكس هو الصحيح فالتعصب والتشدد من دلائل ضعف الايمان والجهل بالله عز وجل, بل انهما من دلائل الكبر والتعالي والأنانية وليسا من دلائل الغيرة علي الدين, فالدين يستمر وينتصر بنشر الألفة والتسامح وليس بالتعصب أو التشدد وقد خاطب المولي سبحانه وتعالي نبيه صلي الله عليه وسلم قائلا: ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فبالرفق والصبر والحلم مع المخالف يتم التواصل والتشارك والاقناع برأي أو بفكرة وهذا كله لايتم بكراهية المخالف أو الاعتداء عليه, فلابد أن ينتهي زمن التعصب ليحل مكانه التآلف والسلام والتسامح.