تظهر البرقيات السرية الأمريكية التي سربها موقع ويكيليكس علي الإنترنت أن الدبلوماسيين الأمريكيين لم يألوا جهدا في جمع المعلومات عن الأصدقاء والأعداء علي حد سواء. كما كشفت عن قلق أمريكي متزايد من التدخل الإيراني, في حين قدمت إحدي الوثائق وصفا تفصيليا لإعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. يأتي ذلك في الوقت الذي أعرب فيه كبار المسئولين الأمريكيين عن إحباطهم بشأن مقاومة حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط للمساعدة في وقف الدعم المالي للإرهابيين. وفي واحدة من أكثر البرقيات إثارة للجدل, كشفت تسريبات ويكيليكس الإلكترونية عن قائمة مفصلة حول المنشآت الأجنبية التي تمثل أهمية للأمن القومي للولايات المتحدة وقد تمثل أهدافا حيوية لهجمات إرهابية. وتضمنت القائمة أسماء لمئات من خطوط أنابيب الطاقة ووصلات بيانات مهمة في جميع أنحاء العالم من أستراليا إلي نيوزلندا, بالإضافة إلي شركات يمثل إنتاجها أهمية للأمن القومي الأمريكي, بينها عدد من الشركات الألمانية. ووفقا للتقارير, طلبت واشنطن من السفارات الأمريكية في جميع أنحاء العالم في فبراير2009 وضع قائمة بأسماء المنشآت التي من الممكن أن يتسبب استهدافها في الإضرار بالمجال الصحي والاقتصاد والأمن الأمريكي. وحول التدخل الإيراني في العراق, ذكرت برقيات أمريكية أن طهران تقوم بإمداد الميليشيات الموالية لها بالأسلحة والمتفجرات في أوقات مختلفة. وتشير البرقيات الدبلوماسية التي أرسلت ما بين عامي2004 و2010 من قبل السفارة الأمريكية في بغداد إلي أن الاستراتيجية الإيرانية في العراق تقوم علي التأثير في الشئون الداخلية. ونقلت وثيقة أمريكية ملخص زيارة عادل عبد المهدي أحد نائبي الرئيس العراقي, لسفارة الولاياتالمتحدة في10 يناير2010 لتوضيح أسباب التزام حكومة بلاده بتحسين العلاقات مع إيران, محذرا من أن بلاده لا يمكنها تحمل عواقب الدخول في صراع جديد معها وأنه من المهم جدا أن تتمتع بغداد بعلاقات طيبة مع طهران وغيرها من الجيران مثل تركيا وسوريا. وفي مذكرة سرية في13 نوفمبر2009, كتب السفير الأمريكي كريستوفر هيل مقالا مطولا بعنوان جهود إيران في السياسة الانتخابية في العراق. ومن خلاصة دراسته, اعترف السفير هيل بأن إيران هي واحدة من الجهات الفاعلة المهيمنة في السياسة الانتخابية العراقية, وأنها تستخدم علاقاتها الوثيقة التي أقامتها مع الشخصيات الشيعية والكردية والسنية من أجل فوز الشيعة في الانتخابات. وقال: الحكومة العراقية الموالية لإيران التي يهيمن عليها الشيعة لا تزال أمرا له الأولوية رقم واحد في طهران. لهذا السبب تسعي إيران إلي زيادة الضغط علي المالكي للانضمام إلي تحالفات أخري مع الشيعة. وتشير البرقية إلي أن الأرقام الحقيقية غير معروفة, لكن المساعدة الإيرانية المالية لأولئك الذين يقبلونها تقدر مابين100 و200 مليون دولار سنويا, منها70 مليون دولار لخزينة المجلس الإسلامي الأعلي في العراق وجناحه المسلح ميليشيا بدر. وتوضح البرقية أنه منذ عام2003 يقوم اللواء قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس- المقرب من المرشد الأعلي للثورة الإيرانية علي خامنئي- بصياغة وتنفيذ سياسات الحكومة الإيرانية في العراق. وتشمل أدوات النفوذ مساعدات اقتصادية للمنظمات الدينية, ودعم أسلحة للميليشيات الشيعية واختيار الساسة العراقيين الذين يخشون نفوذ الولاياتالمتحدة أو يرغبون في تنشيط حسابات الائتمان الخاصة بهم مثل رجل الدين والسياسي مقتدي الصدر. وفي نوفمبر عام2009 يكتب السفير كريستوفر هيل أن الإيرانيين توصلوا إلي أن قوتهم في العراق ليست بلا حدود حيث العقبة السياسية الرئيسية لا تزال السلطة المهيمنة والمصداقية الدينية التي يجسدها آية الله علي السيستاني, الذي علي الرغم من تمتعه بالجنسية الإيرانية فإنه أحد منتقدي نظرية ولاية الفقيه التي تحكم في إيران. وتوضح البرقية أن المشكلة الحالية تكمن في أن علي السيستاني يبلغ من العمر83 عاما وحالته الصحية غير جيدة في حين تدفع إيران لأكثر من10 آلاف من الأئمة في العراق لتقديم الدعم لمبدأ حكومة رجال الدين حيث يعتبر الزعيم الروحي محمد سعيد الحكيم, وفقا لبرقية من مايو2008, هو المرشح لخلافة السيستاني ويمكن أن يمضي في إتباع ولاية الفقيه علي النمط الإيراني. وبموجب برقية أخري, أبلغ الرئيس وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس أن كل جيران العراق يتدخلون وإن كان بوسائل مختلفة, الخليج والسعودية بالمال وإيران بالمال والنفوذ السياسي, والسوريون بكل الوسائل, والأتراك( مهذبون) في تدخلهم. كما قدمت إحدي الوثائق وصفا تفصيليا لإعدام صدام حسين منذ أن قال له الحراس اذهب إلي الجحيم حتي تصوير إعدامه ونقل الجثة علي الهواتف المحمولة. وأظهرت وثائق أخري أن الحرب الأمريكية علي الإرهاب الدولي تمر بصعوبات حقيقية برغم مرور تسع سنوات من تعهد الولاياتالمتحدة بوقف تمويل الإرهاب, فقد أقر كبار المسئولين في إدارة أوباما باستمرار تدفق ملايين الدولارات دون عائق علي الجماعات المتطرفة في جميع أنحاء العالم في الوقت الذي يبدي الأمريكيون إحباطا بسبب مقاومة حلفاء في الشرق الأوسط للخطط الرامية لوقف مصادر التمويل. وحددت البرقيات التي تم تسريبها في هذا الخصوص قائمة بالأساليب التي يشتبه مسئولون أمريكيون أن ممولي الإرهاب يستخدمونها, بما في ذلك السطو علي بنك في اليمن العام الماضي وعمليات خطف للحصول علي فدية وعائدات المخدرات في أفغانستان, وأشكال أخري من عمليات تغيير العملة. وتقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن البرقيات الجديدة تكشف صورة علي نقيض التفاؤل النسبي بشأن التقدم الذي تحرزه واشنطن في تعطيل عمليات تمويل الإرهاب. وخلصت البرقية إلي أن الجهات المانحة في السعودية تشكل أهم مصدر لتمويل الجماعات السنية الإرهابية في جميع أنحاء العالم. وقال التقييم السري إن الإمارات تمثل فجوة استراتيجية يمكن للإرهابيين استغلالها, بينما قطر هي الأسوأ في المنطقة في مكافحة الإرهاب, والكويت تشكل نقطة العبور الرئيسية. وقالت الصحيفة إن البرقيات تظهر أن المسئولين الأمريكيين يعرضون ما لديهم في الجلسات السرية فيما يتهم حلفاء أمريكا في المنطقة الأمريكيين بالغلظة وتقديم أدلة ضعيفة بشأن ارتكاب مؤسسات خيرية عربية أو أفراد لمخالفات في تحويل أموال. وقالت برقية في فبراير الماضي منسوبة إلي ريتشارد هولبروك, ممثل الإدارة الأمريكية الخاص لأفغانستان وباكستان, إن التقارير الحساسة تشير إلي أن قدرة القاعدة علي جمع الأموال قد تدهورت بشكل كبير, وأنه الآن في أضعف مستوياته منذ11 سبتمبر. لكن العديد من البرقيات الأخري تصل إلي استنتاج معاكس وتستشهد بقدرة الجماعة علي جلب الأموال من الأفراد الأثرياء وجماعات متعاطفة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وفي مئات من البرقيات يقول مسئولون أمريكيون إن هناك سهولة في القدرة علي نقل الأموال مع انخفاض تكلفة تنفيذ الهجمات القاتلة. كما تحدثت برقية سرية أخري عن أن سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني قال للسفير الأمريكي في بيروت إنه يشارك حسن نصر الله رئيس حزب الله مخاوفه من حرب أخري مع إسرائيل. وأشار إلي أن البعض في إسرائيل والولاياتالمتحدة يعتقدون أن علي تل أبيب شن حرب أخري علي لبنان لتطهيرها إلي الأبد من حزب الله, وأن هذه الحرب لن تكون ضد الدولة, وأن السنة والمسيحيين سيخسرون, كما أنها ستعني نهاية قوي14 آذار. ومن بين تسريبات موقع ويكيليكس الأخيرة برقيات دبلوماسية أمريكية تشير إلي أن قناة الجزيرة الإخبارية التي تبث من قطر تغير تغطيتها بما يتماشي مع السياسية الخارجية القطرية, وهو ما يتناقض مع سياسة القناة المعلنة بأنها مستقلة, برغم حصولها علي دعم مادي كبير من الدولة. ووفقا لبرقيات السفارة الأمريكية, التي نشرت صحيفة الجارديان البريطانية جوانب منها فإن قطر تستغل القناة ك ورقة مساومة في مفاوضاتها الخارجية من خلال تطويع تغطيتها لتناسب زعماء الدول الأخري وعرض تخفيف تقاريرها التي تنطوي علي الكثير من الانتقاد مقابل الحصول علي تنازلات كبيرة. ورأت الصحيفة أن في هذه التسريبات إحراجا لقطر التي فازت الأسبوع الماضي باستضافة مونديال2022 بعد أن قدمت نفسها علي أنها أكثر دول الشرق الأوسط انفتاحا وعصرية. وذكرت الصحيفة أن أمير قطر سبق أن أعلن رفضه مطالب أمريكية باستغلال نفوذه لتخفيف تغطية القناة. إلا أن برقية تحمل تاريخ نوفمبر من العام الماضي توقعت أن يتم استغلال القناة كأداة مساومة لإصلاح العلاقات مع الدول الأخري, خاصة تلك التي أضرتها تقارير القناة, بما في ذلك الولاياتالمتحدة علي مدي الأعوام الثلاثة المقبلة. وفي غضون ذلك, دعا جوليان آسانج مؤسس موقع ويكيليكس الرئيس الأمريكي باراك أوباما وكل سلسلة القيادة المسئولة عن التجسس- إذا كانت الولاياتالمتحدة تريد استعادة مصداقيتها كدولة تحترم القانون- إلي الاستقالة.