قرأت ملخص النص الأدبي أهل الهوي الذي صاغه الأديب الكبير شيخ كتاب السيناريو محفوظ عبد الرحمن عن قصة أبو العامية الشاعر الكبير محمود بيرم التونسي الذي احتضنته مصر منذ مولده بحي الانفوشي بالاسكندرية في3 مارس1983. حيث هاجر جده لأبيه اليها قادما من تونس وتربي في أحضانها ونهل من فيض علومها وآدابها وعراقة وأصالة شعبها فأحب مصر وأحبته مصر وشارك في عديد من قضاياها, خاصة ثورة19 متضامنا مع زعيمها سعد زغلول وكرمته مصر أديبا وشاعرا ومبدعا فتحت له كل أبواب الشهرة والمجد فكتب لها أحلي ما تغنت به أم كلثوم بداية من أهل الهوي ياعين, وهو صحيح الهوي غلاب, وقول ولا تخبيش يازين, وعن العشاق سألوني ثم رائعته الشهيرة عن الحج القلب يعشق كل جميل دعاني لبيته لحد باب بيته, وأما تجلالي بالدمع ناجيته وغيرها وغيرها, وهي القصة التي اختارتها الإعلامية راوية بياض رئيس قطاع الانتاج مع عملين آخرين كبيرين أسماء بنت أبي بكر لبهي الدين ابراهيم وشجرة الدر ليسري الجندي ضمن الأعمال التاريخية والدينية ورموز الوطن التي يضعها القطاع في مقدمة الأعمال الإبداعية ذات العائد والمردود الثقافي والأدبي علي شبابنا في مصر والوطن العربي, واستطيع من خلال قراءتي للنص الأدبي لأهل الهوي التأكيد علي بعض الجوانب التي أبرزها محفوظ في شخصية بيرم التونسي وقد تكون غائبة عن كثيرين ومواقفه الوطنية مع مصر وعشقه لشعبها وترابها الطاهر رغم جذوره التونسية, فكان عطاؤه لمصر لايقل عن عطاء أخلص أبنائها الوطنيين, ومن هنا فقد أحبته مصر وشعبها وفتحت له كل أبواب الشهرة والتألق وجعلته واحدا من أكبر شعرائها المبدعين في هذه المرحلة. * في البداية أقول إن قصة بيرم التونسي ستكون العمل الثاني الذي يسير فيه محفوظ عبد الرحمن في نفس الاتجاه الابداعي الغني بعد نجاح مسلسل أم كلثوم عام2000 وكانت أغاني بيرم سندا قويا يضارع في ندية أشعار وقصائد المصريين وقد يتفوق علي بعضها. * إن بيرم أراد ان يصل صوته إلي أكبر قاعدة من مواطني بلده مصر فأنشأ مجلة المسلة وصدر العدد الأول منها في مايو1919 مواكبا لثورة سعد زغلول, وكان لهذه المجلة شأن كبير في دعم ومساندة الثورة وتوجهات زعيمها سعد. * في الفترة التي تم فيها نفي سعد زغلول وأصحابه إلي مالطة استطاع بيرم ان يشعل نار الوطنية لدي المصريين بأزجاله ضد الاحتلال الانجليزي وكانت قطاعات كبيرة من الشباب تلتقط هذه الأزجال وتحفظها وترددها في كل أنحاء مصر. * لم يغفل العمل انتقال بيرم من الاسكندرية للقاهرة لتحقيق انتشار واسع لمواقفه الوطنية مع بلده مصر فأصدر العدد الثاني من المسلة وكان يتضمن نقدا لاذعا وصريحا لبعض المسئولين في الحكم وتسبب هذا النقد في إغلاق المجلة. * لم تقف مواقف بيرم عند هذا الحد بل تجاوزته بإصدار جريدة الخازوق التي كانت سببا في نفيه خارج البلاد, فقد شعرت السلطة أن مصادرة مجلة المسلة لم تردع بيرم أو تقتل عزيمته ووطنيته فتم نفيه إلي مرسيليا في سن السابعة والعشرين في ليلة عيد الأضحي المبارك وترك ذلك أثرا شديدا ومؤلما في نفسه خاصة في هذه الليلة المباركة. * كتب بيرم في منفاه عديدا من الأغنيات والأزجال المليئة بالنقد اللاذع ضد المحتل وكانت مثل طلقات الرصاص كما وصفها بعض النقاد. * لم تبخل مصر علي بيرم بأي فرصة أو مناسبة يحقق فيها طموحاته وابداعاته الفنية ووجد فيها ترحيبا من كافة الجهات المعنية بنشر أعماله في حياته وبعد رحيله ومنها قيام هيئة الكتاب بنشر فصول من أعماله الكاملة التي أعدها له الأديب الراحل شكري صالح وغيرها. * لم يغفل النص علاقته الوطيدة التي توثقت بصديق عمره زكريا أحمد الفائز بنصيب الأسد من أغانيه وأشعاره لأم كلثوم وكان من أهمها رائعته هو صحيح الهوي غلاب التي كان يتمني الاستماع اليها ولكن القدر حال بينه وبين الاستماع اليها فقد تغنت بها ام كلثوم في نفس يوم وفاته, ولنا بعض المقترحات الاتية: ان يصدر أسامة الشيخ رئيس الاتحاد تعليماته لرئيسي قطاع الانتاج والتليفزيون لكي يعرض أهل الهوي في تونس جذور بيرم في وقت عرضه في القاهرة وسيكون لهذا الاقتراح نتائجه المبهرة في توثيق الروابط المصرية التونسية اكثر وأكثر فإذا كان كل بيت في تونس لا يخلو من احدي روائع ام كلثوم فسوف يحتفظ كل بيت مصري بأهل الهوي لبيرم كوثيقة تؤكد للاجيال القادمة روعة اللقاء الذي جمع بين العملاقين الكبيرين.