كان لافتا للغاية أن يحرص الإسرائيليون, ضمن مراجعاتهم هذا العام لتجربتهم العسكرية المريرة في حرب أكتوبر3791( حرب يوم الغفران) علي فتح ملفات أهم وأخطر أسرارهم العسكرية وبالذات ذلك السر الذي ظل كثيرا من الكتاب والمفكرين والباحثين العرب ينكرونه, أو علي الأقل يستبعدونه, تحت حجج وأضاليل واهية, المتعلق بالتفكير الإسرائيلي الجاد في استخدام السلاح النووي ضد القوات المصرية بأمر من وزير الدفاع حينئذ موشي ديان. فقد كشف أبرز المؤرخين للمشروع النووي الإسرائيلي أفنير كوهين أن إسرائيل أعلنت خلال حرب يوم الغفران;( حرب أكتوبر1973) حالة تأهب نووي ثلاث مرات, وأن وزير الدفاع موشي دايان طلب مناقشة احتمال اللجوء الي الخيار النووي داخل الحكومة الأمنية المصغرة, إلا أن رئيسة الحكومة جولدا مائير ووزراء آخرين رفضوا اقتراحه. وحسب ما ذكره كوهين في أحدث مؤلفاته حول هذا الموضوع أنه بالاستناد الي شهادة البروفيسور المتوفي يوفال نئمان أعلنت تل أبيب, خلال الحرب, حالة تأهب استراتيجي مرتين أو ثلاث مرات, ويذكر أيضا أنه ربما اللحظة الأكثر دراماتيكية في التاريخ النووي الإسرائيلي كانت في المراحل الأولي م الحرب. فخلافا لحرب عام7691( حرب الأيام الستة) بدت اسرائيل في حرب عام1973 علي حافة الانهيار ووفقا للتقارير فإن ديان, الذي بدا قريبا من الانهيار النفسي, وتحدث عن خراب الهيكل الثالث اقترح استخدام السلاح النهائي الموجود في حوزة إسرائيل التي كان يخشي أن تكون قد اقتربت من نقطة االلاعودةب وأراد, علي مايبدو, أن تلتفت الولاياتالمتحدة الي أن اإسرائيل وصلت الي هذه النقطةب. دلالات كثيرة تفصح عنها هذه الاعترافات: أولاها, أن وضع إسرائيل في الأسبوع الأول من الحرب, وقبل الدعم الأمريكي عبر الجسر الجوي الذي أقامته الإدارة الأمريكية, كان شديد السوء, لدرجة التفكير في استخدام سلاح شديد الخطورة ربما ليس فقط علي القوات المصرية, بل وأيضا القوات الإسرائيلية, وهذه الدلالة تدحض أكاذيب كل من يحاولون طمس عظمة الانتصار العسكري المصري في حرب اكتوبر1973, والذين يحرصون دائما علي الترويج لأكذوبة أن اإسرائيل لا تهزمب, فلولا التدخل العسكري والضغوط السياسية الأمريكية لتغير مجري الصراع كله إذا ما سارت الأمور علي أرض المعارك علي ما كان يجب أن تسير عليه. ثانية هذه الدلالات هي تعرية سياسة االغموض النوويب الإسرائيلية من أباطيلها وكشف حقيقة امتلاك إسرائيل للسلاح النووي. أما الدلالة الثالثة وربما تكون الأهم فهي أن إسرائيل غير مبرأة و غير معصومة من خطيئة احتمال اللجوء الي استخدام السلاح النووي, وأنها, وكما يزعمون كدولة ديمقراطية لن تلجأ الي استخدام هذا السلاح, أو أنها تريد فقط أن تعيش كما يروج دعاتها. فالسلاح النووي الإسرائيلي سلاح قابل للاستخدام وهنا مكمن الخطر والتهديد الحقيقي الذي يجب علي العقل الاستراتيجي المصري خاصة, والعربي عامة, أن يأخذه في الاعتبار. هذه الدلالات المهمة تفرض الكثير من الأسئلة أبرزها وأهمها يتعلق بالعلاقة بين التحدي الإسرائيلي للمجتمع الدولي, المدعوم أمريكيا, الخاص برفض الامتثال الي ضرورة التوقيع علي معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ودعم الجهود الدولية الرامية الي جعل الشرق الأوسط إقليما خاليا من أسلحة الدمار الشامل, وبين ما كشفه افنير كوهين من أسرار تتعلق بالتفكير الإسرائيلي الجاد في استخدام السلاح النووي في حرب أكتوبر1973 ويتركز في ما إذا كان الإسرائيليون يعدون العدة لإعلان بلدهم دولة نووية أو دولة أمر واقع نووية, والتخلي عن سياسة الغموض النووي التي التزموا بها منذ امتلاك هذا السلاح عام1965 أم لا. السؤال شديد الأهمية ويفرض استحقاقات هائلة علي مصر أولا وكل الدول العربية ثانيا التي مازالت حريصة ومتمسكة بسياسة عدم الانتشار النووي فوجود مثل هذا الخيار الإسرائيلي لوضع حد للضغوط التي تتعرض لها إسرائيل للتوقيع علي معاهدة حظر الانتشار النووي التي ترفضها يعني أن سياسة منع الانتشار تلك تقترب من مرحلة الإفلاس, وأن الانتشار النووي ربما يصبح الحقيقة الوحيدة الموكدة, لكن ماهو أخطر هو أنه انتشار أحادي أي انتشار يقتصر علي امتلاك دولة واحدة في المنطقة هذا السلاح وهي إسرائيل وأن أي دولة أخري محظورة عليها ذلك في ظل أمرين: أولهما, أن كل دول المنطقة وخاصة الدول العربية وإيران هي دول سبق أن وقعت وصدقت علي معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وثانيهما, أن أي دولة من دول المنطقة تفكر في أن تتحول الي دولة مالكة للسلاح النووي سوف تتعرض لضغوط هائلة تحول دون ذلك من بينها التهديد المباشر باستخدام القوة, بل وربما الاستخدام المباشر للقوة, وقد التزمت إسرائيل بهذا الأمر حيث نفذته مرتين الأولي ضد المنشآت النووية العراقية عام1981, والثانية عام2007 ضد منشأة نووية سورية حديثة, والآن تتعرض إيران لعقوبات دولية مشددة ولاستعدادات إسرائيلية وتهديدات أمريكية باللجوء الي الخيار العسكري, لفرض أمر واقع هو أن إسرائيل وحدها هي القوة النووية الوحيدة في المنطقة. إسرائيل ليست حريصة فقط علي أن تتفرد بامتلاك السلاح النووي ولكنها حريصة أيضا علي الدفاع عن هذا السلاح, فإذا كان الإسرائيليون يعتبرون امتلاكهم لهذا السلاح هدفا وجوديا لإسرائيل, أي يربطون بين بقاء دولتهم وتفردهم بامتلاك هذا السلاح, ويعتبرون أن امتلاك أي دولة أخري له تهديد لوجود الكيان الإسرائيلي, فإنهم لايسمحون لأية دولة في المنطقة بامتلاك القدرة علي تهديد هذا السلاح لأن تهديد هذا السلاح هو ذاته تهديد للوجود الإسرائيلي من وجهة نظرهم, سواء كان هذا التهديد بتدمير المنشآت النووية الإسرائيلية أو عبر جهود سياسية ودبلوماسية تستهدف نزع هذا السلاح. هناك معلومات مؤكدة تقول إن العدوان الإسرائيلي علي مصر عام1967 كان يهدف, ضمن أهدافه المتعددة, الي الحيلولة دون تمكين مصر من تنفيذ تهديدات وردت علي لسان الرئيس جمال عبدالناصر بضرورة التدخل العسكري ضد المنشآت النووية الإسرائيلية قبل أن تتمكن إسرائيل من امتلاك القنبلة. وإذا كانوا قد نفذوا التهديد باستخدام القوة العسكرية ضد تهديد عسكري محتمل لمنشآتهم النووية, فإنهم يمكن أن ينفذوا هذا التهديد باستخدام القوة العسكرية لمنع إيران أو غيرها من امتلاك قدرات نووية متقدمة يمكن أن تتحول الي سلاح نووي, أو اللجوء لكل الوسائل للهروب من تنفيذ القرار الدولي الخاص بنزع أسلحة الدمار الشامل في المنطقة وفرض سياسة منع الانتشار. هذه الاحتمالات تفرض حتما تهديدات مؤكدة ومباشرة ضد مصر وغيرها من الدول العربية, وإذا كان الإسرائيليون قد فكروا فعلا في استخدام سلاحهم النووي ضد القوات المسلحة المصرية عام1973, فإنه يمكن أن يفكروا في ما هو أسوأ. وإذا كان وزير الخارجية الإسرئيلي افيجدور ليبرمان قد أمر واضعي الاستراتيجيات في وزارته بوضع مسودة خطة عن اماذا نفعل إذا استيقظنا واكتشفنا أن الإيرانيين يملكون سلاحا نووياب فإن مصر, كلها, مطالبة بالإجابة علي سؤال, احسبه سؤالا تاريخيا ومصيريا هو: ماذا سنفعل إذا استيقظنا واكتشفنا أن إسرائيل تعلن نفسها دولة أمر واقع نووية, أي دولة نووية بالأمر الواقع, بكل ما يعنيه هذا من إنهاء فعلي لسياسة منع الانتشار النووي في المنطقة؟ السؤال تزداد خطورته عندما نتذكر أن الإسرائيليين شنوا علي مصر عدوانا عام1967 لمنعها من تهديد منشآتهم النووية, وأنهم فكروا فعلا في استخدام هذا السلاح ضد القوات المصرية عام1973 لولا التدخل الأمريكي بتوفير البديل العسكري لمنع سقوط إسرائيل, وأن هذا كله يعني أن استخدام هذا السلاح مازال محتملا إن لم يكن مؤكدا, رغم كل أكاذيب من يوالون إسرائيل من العرب وغير العرب التي تزعم أن إسرائيل دولة ديمقراطية, وأن سلاحها النووي سلاح مؤتمن.