حقق الجمهوريون الأمريكيون أمس أكبر إنتصار لهم في تاريخ انتخابات مجلس النواب مند نهاية الحرب العالمية الثانية في الوقت الذي نجا فيه الديمقراطيون بصعوبة من هزيمة كاملة. باحتفاظهم بأغلبية ضئيلة في مجلس الشيوخ في سباق التجديد النصفي للكونجرس, وإذا كانت ورقة الإقتصاد كانت أهم كروت اللعبة السياسية التي منحت الرئيس الأمريكي باراك أوباما وحزبه الديمقراطي فوزهم التاريخ في سباقي الرئاسة والكونجرس عام2008, فهذه الورقة نفسها هي التي وضعتهم علي المقصلة عام2010 حيث نجح الجمهوريون في ركوب موجة عدم الرضا عن الوضع الاقتصادي للفوز بالأغلبية في مجلس النواب, إلا أن هذه الموجة لم تمكنهم من السيطرة علي مجلس الشيوخ الذي احتفظ به الديمقراطيون لينتهي السباق التشريعي الأكثر شراسة وكلفة في التاريخ بكونجرس معلق لا يحظي فيه أي من الحزبين المتنافسين بالأغلبية المطلقة. ففي ليلة دافئة شبيهة بتلك التي عاشها الديمقراطيون عام2008, احتفل الجمهوريون أمس بمرشحيهم الذين غزوا معاقل الديمقراطيين بكفاءة, واقتنصوا عشرات المقاعد التي كانت تابعة لغرمائهم بعد أن دفع النواب الديمقراطيون في الولايات المحافظة- المؤيدة للجمهوريين تقليديا- ثمنا فادحا لتأييد سياسات البيت الأبيض فيما يتصل بخطة التحفيز الاقتصادي ومشروع التأمين الصحي الجديد وقانون الإصلاح المالي. كما خسر الديمقراطيون مقاعد عديدة في ولايات الشمال الشرقي التي إعتادوا حصدها في السنوات الأخيرة بسهولة. وكانت نسبة الإقبال علي التصويت هي الأعلي في تاريخ انتخابات التجديد النصفي, وأرجع عدد من الخبراء ذلك إلي غضب الناخبين من السياسات الحالية. وعلي الرغم من أن الرئيس الديمقراطي أوباما كان يري أن ارتفاع معدل الإقبال علي التصويت سيصب في صالح حزبه, فإن الرياح جاءت بما لا تشتهي سفن أوباما حيث استغل خصومه الجمهوريون هذا الإقبال القياسي ليحصدوا60 مقعدا ديمقراطيا في مجلس النواب وهو ما يزيد كثيرا عن سقف ال39 مقعدا الذي كانوا يحتاجونها ليفوزوا بالسيطرة علي الاغلبية المكونة من218 صوتا في مجلس النواب الامريكي. وسيرفع هذا الفوز جون بونر المحافظ الي مقعد الرئاسة في مجلس النواب ويضع نوابا جمهوريين علي رأس لجان المجلس مما يضع مكابح علي أجندة أوباما. وفاق نجاح الجمهوريين في السيطرة علي مجلس النواب ما حدث عام1994 حين خسر الديمقراطيون في عهد الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون54 مقعدا في المجلس وهو يشكل أيضا أكبر تحول في السلطة منذ ان خسر الديمقراطيون75 مقعدا من مقاعد مجلس النواب عام.1948 إلا أن هذه النتائج ليست تفويضا كاملا للجمهوريين في ظل بقاء أغلبية مجلس الشيوخ في قبضة الديمقراطيين الذين تمكنوا بصعوبة من الاحتفاظ بمقاعد وست فيرجينيا, وديلاور, وكاليفورنيا, وهو ما ساعد في تحجيم الخسارة في الشيوخ بينما حصد الجمهوريون ستة مقاعد من الديمقراطيين منها أوهايو, وميسوري, وكنساس ليقللوا الفارق مع الأغلبية الديمقراطية إلي مقعدين فقط- في النتائج شبه النهائية- بعد إفلات زعيم الأغلبية هاري ريد من الهزيمة علي يد مرشحة حزب الشاي في ولاية نيفادا. في المقابل, خسرت مرشحات من الحزب الجمهوري أنفقن عشرات الملايين من الدولارات خاصة ميج ويتمان التي أنفقت150 مليون دولار من مالها الخاص في كاليفورنيا. وترجح التقديرات انفاق المرشحين نحو4 مليارات دولار علي الحملات الانتخابية وهو أعلي انفاق في التاريخ الأمريكي أيضا. أما بالنسبة لسباق حكام الولايات فقد انتزع الجمهوريون10 مقاعد لحكام الولايات من الديمقراطيين من بينها ولايات حاسمة في انتخابات الرئاسة مثل أوهايو, وبنسلفانيا, وميشيجان, وويسكنسون, وتينيسي, وأوكلاهوما, ونيو مكسيكو, ووايومنج, وأيوا. وأصبحت سوزانا مارتينيز أول حاكم ولاية من أصول لاتينية بفوزها في نيو مكسيكو لتخلف مرشح الرئاسة الديمقراطي السابق بيل ريتشاردسون. واستهل الجمهوريون ليلة الإنتصارات بإعلان فوز راند بول من حزب الشاي بمقعد الشيوخ في كنتاكي, ثم مقعد إنديانا قبل أن يحصد روبيو المقعد الثاني لحزب الشاي في فلوريدا معلنا عن ظهور تيار قوي في الكونجرس. وفيما يشكل حرجا شديدا لأوباما, خسر المرشح الديمقراطي علي مقعد مجلس الشيوخ في ولاية إلينوي أليكس جيانولياس أمام الجمهوري مارك كيرك وهو المقعد الدي كان يشغله الرئيس الأمريكي قبل انتخابات الرئاسة في عام.2008 كما خسر النائب توم بيريليو مقعده في مجلس النواب رغم قيام أوباما بالمشاركة في الدعاية له قبل الانتخابات مباشرة. وعلي الرغم من نجاح الأمريكيين عام2008 في تجاوز إرثهم العنصري باختيارهم أول رئيس أسود إلا أن هذا الفوز اثار حفيظة التيار اليميني والمحافظ بين الأنجلو ساكسون الذين وجدوا في تيار حفل الشاي اليميني المتطرف مايحقق طموحاتهم فمنحوا التيار الوليد في عالم السياسة الأمريكية فوزا مقلقا للجمهوريين والديمقراطيين حيث حقق مرشحو حفل الشاي الرافضين لتوسيع صلاحيات الحكومة نتائج مؤثرة بفوز راند بول بمقعد مجلس الشيوخ في كنتاكي, وماركو روبيو بالمقعد نفسه في فلوريدا. أما مكاسب الديمقراطيين فانحسرت في فوز ديري براون بمنصب حاكم كاليفورنيا خلفا للجمهوري أرنولد شوازينيجر, والإحتفاظ بحكام نيويورك, وماساشوسيتس, وميريلاند, ونيوهامبشير, وأركنساس, وكولورادو, ومقعد في مجلس النواب عن ولاية هاواي. وقد سارع اوباما بالاتصال بالنائب جون بوينر الرئيس الجديد لمجلس النواب- خلفا للديمقراطية نانسي بيلوسي- كما أجري اتصال بميتش ماكونيل زعيم الاقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ لتأكيد ضرورة العمل المشترك من أجل الشعب الأمريكي. وأعرب أوباما للقادة الجمهوريين عن أمله في التوصل الي ارضية للتفاهم معهم. وأوضح البيت الابيض في بيان أن الرئيس قال لهما إنه ينتظر بفارغ الصبر العمل معهما ومع الجمهوريين للتوصل الي ارضية تفاهم ودفع البلاد قدما. ومن جانبه, صرح الجمهوري بونر بأنه كان صريحا مع أوباما مثلما إعتاد في الماضي, واصفا المحادثة التي أجراها مع أوباما بأنها كانت قصيرة ولطيفة. وأضاف أنه شدد خلالها علي ضرورة البحث في طريقة العمل معا والتركيز علي اولويات الأمريكيين, وهي احداث وظائف والحد من الانفاق الحكومي. ويتوقع المحللون أن يمد مجلس النواب الإعفاءات الضريبية التي أقرها الرئيس السابق جورج بوش حيث ستقف الأغلبية الجديدة وراء التمديد في ديسمبر المقبل. وقبيل المكالمة الهاتفية, قال بونر وقد بدا عليه التأثر بعد استعادة حزبه سيطرته علي مجلس النواب: نأمل ان يحترم الرئيس اوباما ارادة الشعب ويغير توجهاته ويتعهد بتحقيق التغييرات التي يريدها الأمريكيون. وسيتعين علي الرئيس الديمقراطي التعايش مع الجمهوريين الذين سيعرقلون مشاريعه. ولا يخفي الجمهوريون نيتهم في القضاء علي هذا المشروع الاساسي لرئاسة أوباما. ويعارض الجمهوريون خصوصا نصا في القانون يجبر الأمريكيين علي الحصول علي تغطية صحية. كما يبذل الكثير من الجمهوريين جهودا قصوي لتجنب الموافقة علي اي اجراء يسمح يتنظيم اوضاع نحو12 مليون مهاجر يعيشون بطريقة غير مشروعة علي الاراضي الأمريكية وسيعرقل تقدم الجمهوريين في مجلس الشيوخ اقرار هذه المعاهدة لنزع الاسلحة النووية التي وقعها اوباما ونظيره الروسي ديمتري مدفيديف, اكثر صعوبة.