هكذا تبدو طبيعة الاشياء.. حديقة الجار أكثر اخضرارا.. الفنان في الشرق ينبهر بالاجواء الغربية, بينما هنري ماتيس ينبهر بالأجواء الشرقية وينهل منها ويؤسس مدرسة الوحشية في الفن التشكيلي.. وكان استاذه جوستاف مورو يقول له.. إن الشرق هو مخزن الفنون وأنه قبلة الفنان الحديث هناك.. ماذا تعلم ماتيس من الفن الإسلامي.. ؟؟ تعلم منه شيئين في غاية الروعة... النقاوة والانسجام.. انبهارات ماتيس بالفن العربي جعلته يحج الي المغرب مثل أسلافه ديلاكروا ومثل رينوار.. وجعلته يذهب إلي الجزائر ويغترف من الألوان والنقوش ومن جماليات الرقش العربي وتجلياته التجريدية ثم سافر الي إسبانيا وإلي إيران.. وبدأ يبني عالمه المؤسس علي عبقرية الالوان وروعة التوافق والانسجام بينها وبين المكان والإنسان.. عملية هندسية ابداعية مدهشة.. وهنا يمكنك أن تتساءل لماذا لم ينتبه الفنان العربي إلي كل هذه الكنوز الجمالية؟؟.. يبدو أن لكل قادم دهشة تجعله يكتشف مالم يحس به أهل المكان.. فالاعتياد عدو الإبداع وقاتل الدهشة في آن واحد.. تأمل اعمال ماتيس النافذة المفتوحة بثرائها اللوني ووهج المنمنمات فيها علي عكس لوحة مدينة نيويورك المتشظية بين الأشجار والأخضر والأصفر الباهت.. وتري وحشيته في لوحة مستحمات مع سلحفاة ولوحة الرقصة ولوحة المناقشة بألوانها البنفسجية البديعة ولوحة جارية ترفع ذراعيها ولوحة امرأة في الرداء القرمزي.. تشعر أن ماتيس يقاذفك بقوس قزح في كل عمل من أعماله.. وياسلام علي لوحة صبيتان في مكان أصفرب.. وحشية علي إرهاصات تجريدية.. وماتيس هو المنافس الأكبر والأكبر للعبقري بيكاسو.. حتي إنه يحكي عن بيكاسو أنه عندما كان يصحب زوجته فرانسوا لزيارة ماتيس.. كان يطلب منها ارتداء الجيب الخضراء والبلوزة البنفسجية احتراما لأبجديته اللونية التي كانت تشتمل علي الأخضر اليانع مع مشتقات الأزرق الصريح والوردي الباسم والأصفر الرنان والرمادي الناعس.. ياالله علي روعة الاعمال الجميلة وروحها المستوحاة من سحر الشرق.. موجات من الروعة المتوحشة جعلتهم يطلقون عليها المدرسة الوحشية.. فهل نحن الآن فنانون مسكونون بالوحشية في عالم الشرق وفي عالمنا العربي.. ماذا تظن وماذا تعتقد أنت؟؟.. ولماذا لم نفطن إلي وحشيتنا وفحولتنا الإبداعية قبل ماتيس والآخرين.. نجيب محفوظ فطن إليها مبكرا فكانت طريقه إلي نوبل.. وهل لابد أن ننتظر ماتيس آخر كي نكتشف تاريخ العبقرية الإسلامية في مصالحاتها العميقة بين الإنسان والروح.. ومن المفارقات غير السارة هذه الأيام أن الغرب أرسل لنا ماتيس آخر.. ماتيس جديد.. الجنرال جيمس ماتيس قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط.. لكنه جاء بوحشية جديدة.. تفترس الإنسان وليس الألوان.. وهذا هو الفرق بين ماتيس وآخر.. هذا اكتشف الوحشية عندنا.. وذاك جعلنا نكتشف الوحشية عندهم. المزيد من مقالات جمال الشاعر