دفعني لكتابة هذا المقال تصريح قرأته لإحدي الممثلات الصاعدات تعلن فيه من خلال مانشيت لافت للنظر أنها لن تقبل القبلات ولا مشاهد العري, وهيهات أن تسقط في براثن الإباحية مهما يكن الثمن. وكنت قد قرأت عشرات التصريحات المماثلة التي تدل علي مفهوم الكثيرين الجديد للفن وللفضيلة.. مع أننا مازلنا نري في أفلام الأبيض والأسود وأوائل الأفلام الملونة كبار نجمات الزمن الجميل يرتدين المايوه ويؤدين مشاهد القبلات التي يستلزمها العمل الفني.. وفي رأيي أن هؤلاء يستحققن الاحترام والتقدير أكثر من غيرهن. موقف آخر لفت انتباهي عندما انفجرت أزمة الفنانين العرب في العام الماضي واستمعت إلي أحد الممثلين الذين لا ينتمون إلي الصفوف الأولي وهو في حالة من التشنج يهاجم وجود العرب في السينما والتليفزيون بمصر لاقتناعه بأنه يتم علي حساب الممثلين المصريين. وقد تميز الفن المصري دائما بوجود مطربين وممثلين ومبدعين علي أعلي مستوي. وحتي في هذا الزمن الذي تعيش فيه السينما المصرية حالة من التدهور فإن نقطة القوة الأساسية في كل الافلام هي الأداء التمثيلي. لكني أعتقد أن الممثل ليس مجرد وعاء جسدي يتقمص ويتلبس شخصيات أخري, بل إن له دورا اجتماعيا ربما لا يقل أهمية عن دوره الفني. وهناك نجوم مصريون كبار يدركون ذلك بالفعل لكنهم ربما لا يجدون الفرصة للتعبير عنه. ولا أستطيع أن أمنع نفسي وأنا أتابع مثل هذه التصريحات ومثل هذه المواقف من أن أسترجع ما شاهدته بنفسي عبر شاشات التليفزيون من مواقف كبار النجوم الأجانب. وسوف أعطي بضعة أمثلة سريعة من بين عشرات الأمثلة للتدليل علي ما أقصده. منذ نحو عشر سنوات أقدمت النجمة الفرنسية الكبيرة إيمانويل بيار التي أسعدني حظ دعوتها لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي علي الاعتصام في باريس تضامنا مع مجموعة من المهاجرين الأجانب الذين حاصرهم البوليس في أحد المنازل توطئة لطردهم من البلاد نظرا لعدم حصولهم علي أوراق إقامة رسمية.. وقد ألقي القبض علي النجمة الكبيرة أمام شاشات التليفزيون وذهبت مع المقبوض عليهم إلي الحبس بمنتهي الهدوء. وشاهدتها تصرح حرفيا: إنني فعلت ذلك دفاعا عن مباديء حقوق الإنسان وعن المثل العليا التي ورثناها عن فولتير وفيكتور هوجو والتي أري أن فرنسا تتنكر لها الآن.. فكان لتصريحاتها دوي ضخم في الضمير الفرنسي. ومنذ بضعة أشهر تابعت بالصدفة حوارا أجراه التليفزيون الأمريكي مع المطربة شاكيرا. ومع أنني لست من المعجبين بفنها وكنت أتصور أنها مجرد دمية تقفز وتتلوي يمينا وشمالا وهي تغني إلا أنني فوجئت بها تتحدث من القلب عن قانون أصدرته ولاية أريزونا الأمريكية للتضييق علي المهاجرين وتسهيل إجراءات إلقاء القبض عليهم. وقامت هذه الفنانة بتفنيد كل الحجج بأسلوب منطقي. ولولا أنني شاهدتها تتحدث بنفسي لتصورت أنها تقرأ من ورقة أعدت لها. وقالت من بين ما قالت إن أمريكا قامت علي أحلام المهاجرين وعلي عرقهم ودموعهم, فكيف تريدون الآن تحطيم أحلام الأجيال الجديدة من المهاجرين؟ مثال آخر من فرنسا عندما هطلت الثلوج بغزارة هناك في منتصف الثمانينيات ولم يجد الفقراء مأوي أو مأكلا فهاموا في الشوارع ومات بعضهم من البرد تفتق ذهن الكوميدي الكبير كولوش عن فكرة إنسانية رائعة وهي إنشاء ما سماه مطاعم القلب كانت ومازالت تجمع مئات الفقراء وتوفر لهم يوميا الطعام المجاني وتحولت إلي مؤسسة خيرية لا تهدف ألي الربح بعد وفاة كولوش. ومن أهم الأمثلة التي تضرب في العالم علي مواقف النجوم ما صنعته النجمة الراحلة ميلينا ميركوري التي أدت دور عاهرة في الفيلم الشهير أبدا الأحد. فعندما سيطرت علي اليونان الديكتاتورية العسكرية عام1967 كانت ميلينا ميركوري من زعماء المقاومة وهربت من اليونان قبل اعتقالها وربما تصفيتها جسديا. وعندما سقط الحكم الديكتاتوري عام1974 عادت ميلينا وأصبحت وزيرة لثقافة اليونان لسنوات طويلة وناضلت لاستعادة كنوز اليونان القديمة المنهوبة. وكان من حظي أن جلست بجوارها في حفل عشاء بمؤتمر موندياكولت الذي نظمته اليونسكو في المكسيك عام1982, وكنت عضوا بوفد اليونسكو ورأيت كيف تتصرف هذه السيدة العظيمة للدفاع عن مصالح بلادها. وقد لخص نجم الكرة الشهير تييري هنري الدوافع التي تكمن وراء هذه المواقف عندما سألوه عن أسباب تبرعه بسخاء من أجل فتح مدارس في بلاد إفريقية حيث قال: لقد عشت مرحلة أخذت فيها كل شيء من كرة القدم ومن الجمهور. والآن جاءت مرحلة جديدة يتحتم علي أن أرد فيها بعض ما حصلت عليه. ولأن التربية كما قال شيخنا العظيم محمد عبده هي مفتاح التقدم فكيف لا تتقدم هذه المجتمعات التي يتربي فيها الفرد علي العطاء وخدمة الآخرين ولا يكتفي بالحصول علي المكاسب والمناصب. وكل هذه المواقف التي ذكرتها تعبر عن رسالة الفنان الذي يقبل المخاطرة والتضحية ويتخذ مبادرات قد يغضب لها البعض. فدور الفنان ليس أن يتخذ مواقف ديماجوجية ترضي الجميع دون أية تكلفة من جانبه. وأعلم بالتأكيد أن بعض نجوم هوليوود يعدون علي أصابع اليد الواحدة لهم فضائح في مجال تعاطي المخدرات والخمور وتجبرهم المحاكم علي قضاء فترات نقاهة بالمستشفيات للعلاج من الإدمان. لكن المقارنة التي أعقدها هنا تتعلق بدور النجم في المجتمع وفي حل مشكلات الناس البسطاء وليس في أي جانب آخر. ولا أشك في أن الكثير من نجومنا يقومون بمبادرات فردية في سبيل الخير ولا يعلنون عنها.. لكن هذا لا يكفي. فهؤلاء النجوم يحظون بشعبية ضخمة لدي أبناء الشعب المصري والعربي وهي مكانة يستحقونها عن جدارة. لذلك أسأل: ماذا فعلوا ليردوا بعضا من جميل هذا الشعب؟ فماذا فعلوا للمساهمة في مواجهة أخطر المشكلات الاجتماعية والإنسانية التي نواجهنا مثل تفشي الأمية وختان الإناث والعشوائيات وأطفال الشوارع والتحرش الجنسي؟ فجهود الحكومة لا تكفي ولا بد أن يساهم المجتمع المدني في إيجاد الحلول.. ولأن نجومنا يعدون من أبرز رموز المجتمع المدني فإنه يترتب علي ذلك مسئولية جسيمة تجاه شعبهم. وأتساءل: متي يتولد لدي نجومنا الوعي بأن في رقابهم دينا للناس وأن رد هذا الدين لا يكون بالكلام الجميل وإنما باتخاذ المواقف من أجل الإسهام في حل أخطر مشكلات المجتمع وتخفيف المعانة عن المحرومين.