مابين حضور الدكتور يوسف بطرس غالي اجتماع لجنة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس الشوري قبل أيام وخروجه من الاجتماع, مفاجأة سارة. لشريحة كبيرة من المواطنين, أنهكهم الغلاء الفاحش. لقد أعلن الوزير, أن الحكومة, قررت لأول مرة إنشاء أسواق للفقراء, تتعامل مع400 سلعة, بحيث تكون أسعار منتجاتها أرخص بما يتراوح بين30% و40% من الأسعار الأخري لنفس المنتجات لدي التجار, والبقالين, علي أن تدخل المجمعات الاستهلاكية وعددها يصل الي1112 مجمعا في هذا المجال, وأنه قد تم الاتفاق مع المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة والقائم بأعمال وزير الاستثمار, علي ذلك. انتهي الاجتماع.. وغادر وزير المالية المجلس, وترك وراءه العديد من التساؤلات التي شغلت العديد من المواطنين من نوعية: متي ستصبح هذه الأسواق حقيقة علي ارض الواقع؟ وما الآليات التي سيتم اتخاذها لإنشاء هذه الأسواق؟ وكيف ستوفر هذه الكمية من السلع, ومن ثم تطرحها بنسب التخفيض المقررة؟ وهل ستدعم الحكومة السلع في أسواق الفقراء لتخفيض الأسعار بالمعدلات المطلوبة؟ ولا عجب, ففي غيبة التفاصيل.. دائما تثور التساؤلات.. وتتعدد التكهنات! أسواق الفقراء, كما يتصورها سعيد الألفي رئيس جهاز حماية المستهلك سوف تركز علي منتجات محددة, وستكون أسعارها في متناول محدودي الدخل, ولا تتعامل في السلع باهظة الثمن, وهذا النظام موجود في دول العالم المختلفة, والذي يبيع السلع بأسعار منخفضة, وبالجودة المطلوبة, وتعتمد هذه النوعية من المتاجر علي شراء كميات كبيرة من السلع بشكل سليم, وتبيعها أيضا بحسابات اقتصادية سليمة تحقق الهدف منها, كما أنها تدار بأسلوب إداري سليم أيضا, ولاتنفق هذه المتاجر من أموالها علي الإعلانات التي تبتلع نصيبا من ميزانية الشركة أو المتجر, وهي تجربة ناجحة في كل الدول التي نفذتها.. ولدينا في المقابل, المجمعات الاستهلاكية التي أدت دورا وطنيا وقوميا في حل أزمات الأسعار, ولاتزال, حيث تعمل علي توفير السلع للمواطنين بأسعار مناسبة, فقد كانت المنفذ الوحيد أمام المستهلكين لشراء سلعة مضمونة, وجيدة, بأسعار معقولة, بينما تقلص دورها نسبيا في الوقت الراهن بسبب دخول عنصر المنافسة بينها وبين القطاع الخاص, ولاشك في أن هذه المجمعات موجودة في كل منطقة,, وهي تخدم الاقتصاد الوطني بشكل أو بآخر, لكن حجم مبيعاتها يدل علي أن معدل الإقبال عليها لايزال ضعيفا, ولذلك يعمل المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة, علي تطوير المجمعات لكي تكون جاذبة للمستهلكين, وزيادة الإقبال عليها, واستطيع أن أؤكد أن هذه المجمعات نجحت في ايجاد حالة من الاتزان في الأسعار, لكنها غير قادرة وحدها علي تخفيضها, مؤكدا أهمية تحقيق التعاون المستهدف بين شركات المجمعات الاستهلاكية وجهاز حماية المستهلك, وإيجاد آلية للتعاون بين المجمعات والجهاز لمتابعة أسعار السلع التي تهم المواطن المصري. سألته: ألم يتلق جهاز حماية المستهلك شكاوي من المواطنين ضد هذه المجمعات, سواء فيما يتعلق بأسعار السلع, أو جودتها؟ الألفي: الشكاوي التي ترد علي جهات حماية المستهلك قليلة جدا, كما أن حجم الشكاوي من السلع الغذائية لا يتجاوز3% من حجم الشكاوي التي يتلقاها الجهاز. وفي ظل موجة الغلاء الفاحش التي تشهدها الأسواق حاليا, يسعي المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة, والقائم بأعمال وزير الاستثمار, لتفعيل دور المجمعات الاستهلاكية في تطوير منظومة التجارة الداخلية, وضمان وجود مخزون من السلع الأساسية لتحقيق استقرار الأسعار, وتحقيق التوازن في الأسعار, ولأن المجمعات الاستهلاكية سوف تدخل ضمن منظومة أسواق الفقراء, التي أعلن عنها وزير المالية, فإن تطويرها أصبح ضرورة, ولذلك يجري حاليا تطوير332 مجمعا, ومن المقرر الانتهاء في المرحلة الأولي من تطوير هذه المجمعات بنهاية العام الحالي, بالإضافة الي إنشاء فروع جديدة في مراكز جميع المحافظات, حيث إنه من المقرر إنشاء112 مجمعا منها53 مجمعا بالوجه القبلي و59 مجمعا بمحافظات الوجه البحري. فكرة خيالية! وفي كل الأحوال, يري الدكتور حمدي عبدالعظيم عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع, والعميد الأسبق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية, أن فكرة إنشاء أسواق للفقراء, هي فكرة خيالية بالأساس, فمن الصعب أن تبيع هذه الأسواق, والمنتجات بأسعار تقل30% أو40% عن نظيرتها لدي التجار, والبقالين, كما ذكر وزير المالية, خاصة في ظل ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج, والأجور, وكذلك المصروفات, بما ينعكس علي أسعار المنتجات, ويؤدي الي ارتفاعها, فكيف إذن ستقوم الحكومة بطرح السلع والمنتجات في أسواق الفقراء التي تنوي إقامتها, وبأسعار تقل30% أو40% عن نظيرتها لدي التجار, والبقالين. وقد يسألني أحدكم: هل ستتولي المالية دعم هذه السلع لكي تستطيع بيعها بأقل من سعرها لدي التجار بنسبة30% أو حتي40% ؟ ولهؤلاء أقول, إنه لكي يتم طرح هذه السلع, بهذه النسب المنخفضة في السعر, ليس أمام الحكومة من حل سوي دعم هذه السلع بمبالغ مالية من الموازنة العامة للدولة, وهو أمر يبدو مستحيلا, ذلك أن هناك نقاشات تدور حاليا, حول ترشيد الدعم الحكومي علي السلع والمنتجات, وقد دار حوار مجتمعي حول إمكانية تحويل الدعم العيني الي نقدي, وتتجه وزارة التضامن الاجتماعي حاليا لتنقية جداول المستفيدين من الدعم, والذين حصلوا علي بطاقات تموينية دون أن تنطبق عليهم الشروط, فكيف إذن في مثل هذه الظروف يمكن أن تقوم وزارة المالية بتوفير دعم لتخفيض أسعار السلع والمنتجات في أسواق الفقراء التي تم الإعلان عن إنشائها؟ وهنا تبدو حالة من التناقض, التي تجعل فكرة إنشاء هذه الأسواق محل جدل, وخلاف, لاسيما أن منظومة الدعم الرئيسية تخضع للدراسة حاليا. وبينما ينظر الدكتور حمدي عبدالعظيم الي فكرة إنشاء أسواق للفقراء علي أنها فكرة خيالية, وتفتح الباب للتساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة سوف تقوم بدعم السلع في هذه الأسواق, لكي تتمكن من طرحها للبيع بسعر يقل عما تطرح به لدي التجار, والبقالين بمعدلات تتراوح بين30% و40%, يري محمد المصري النائب الأول لرئيس الاتحاد العام للغرفة التجارية, أن الفكرة جيدة, وأنها ستقوم في الأساس علي شراء كميات كبيرة من السلع, بحيث يقل سعر الشراء, وبالتالي سوف تباع بأسعار منخفضة بالتبعية, لاسيما أن نسبة غير قليلة من الأرباح علي السلع والمنتجات يتم تحصيلها بين تاجر الجملة, وتاجر التجزئة, وما يضاف عليها من تكاليف النقل, التي صارت مرتفعة, لكن الحكومة حين تنشيء أسواق الفقراء, فهي تتجه لشراء السلع من المنتج نفسه, وبكميات كبيرة, كما يمكن أن تتعامل مع الجهات المنتجة لهذه السلع في الخارج, وبالتالي سيقل السعر, وفي حالة ارتفاع سعر سلعة ما في السوق العالمية, يمكن أن تتجه الحكومة لبيعها بسعر التكلفة, لكي تحقق منظومة السعر المنخفض, مما سيجبر القطاع الخاص علي تخفيض أسعاره.. باختصار سوف توجه الفكرة حالة من المنافسة بين أسواق الفقراء, وبين القطاع الخاص, وبالتالي سوف يكون المستهلك هو المستفيد. وفي كل الأحوال, يري محمد المصري أن المجمعات الاستهلاكية, لا تزال صمام أمان, لمحدودي الدخل لتلبية احتياجاتهم, من السلع والمنتجات, بأسعار مناسبة, في مواجهة موجة الغلاء التي تسود الأسواق حاليا. الأسواق الشعبية, أو أسواق الفقراء كما يسميها وزير المالية, سيكون مصيرها كمصير شركة بيع المصنوعات, وغيرها من شركات القطاع العام.. هكذا قال لي الدكتور جودة عبدالخالق أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة, فالوزير حين أعلن عن المشروع لم يذكر, الكثير عن تفاصيله, ولا آليات تنفيذه, وهو لم يذكر مثلا كيف ستطرح هذه الأسواق السلع والمنتجات بأسعار تقل بنسب تتراوح بين30% و40% عما يطرحه التجار والبقالون, ومن سيدفع الفارق بين ثمن السلعة داخل هذه الأسواق, وخارجها, وهل تصل أرباح التجار في سلعة ما إلي40%, وإذا كان الأمر كذلك, يجب أن يتم تقديم هؤلاء التجار الجشعين للمحاكمة, وإذا لم يكن, فهنا تثور تساؤلات عديدة تتعلق بتدخل الحكومة لدعم هذه السلع, لكي توفرها لمحدودي الدخل بهذه المعدلات من الانخفاض السعري, في وقت تبحث فيه الحكومة عن حلول وآليات تضمن عدم التلاعب في أموال الدعم, وبالتالي وصوله إلي مستحقيه. وعند البحث عن حلول لأزمة الغلاء الطاحنة التي يعانيها المستهلكون حاليا, لابد من ضبط إيقاع الأسعار في الأسواق, وتكثيف الرقابة عليها, لمواجهة جشع التجار, الذين يهدفون فقط الي تحقيق أسعار خيالية, أكثر من هدفهم لتوفير الأسعار للمواطنين بأسعار معقولة, وبهامش ربح مناسب, وأذكر أن أسعار اللحوم في الولاياتالمتحدةالأمريكية وهي قلعة الرأسمالية في العالم تقل بمعدل النصف عنها في مصر, وفي كل المجتمعات الرأسمالية يتم فرض رقابة علي الأسواق واقتصاد السوق يعني وجود ضوابط وقواعد, بينما لا يحارب قانون منع الممارسات الاحتكارية في مصر الاحتكار, وإنما يشجع عليه, لأن عقوباته هزيلة, ولا تتناسب مع الأرباح التي يمكن ان يحققها التاجر, ولذلك يحدث الاحتكار, وتدفع الغرامة, التي تقل كثيرا عن الأرباح التي يمكن تحقيقها من الاحتكار. المجمعات.. نجحت أم فشلت؟ وإذا كانت المجمعات الاستهلاكية قد نشأت في الأساس لتحقيق التوازن في الأسعار, وتوفير السلع بأسعار مناسبة للمستهلكين, في مواجهة جشع التجار, فإن الدكتور جودة عبدالخالق يقول لم تنجح المجمعات الأستهلاكية في أداء دورها بشكل كامل, ولكنها في المقابل لم تفشل أيضا, فبينما تشتعل أزمات الأسعار, تكون المجمعات هي المنفذ الذي تلجأ إليه الحكومة لحل الأزمات, ومواجهة جشع التجار, وفي كل الأحوال, يبقي الإقبال علي المجمعات ضعيفا, لأن فارق السعر بينها وبين السلاسل التجارية الأخري, والتي ربما تكون مجاورة لها ضعيف جدا, بحيث لا يغري المستهلكين علي الإقبال عليها, كما أنها لا تزال تدار بالأسلوب الحكومي التقليدي, الذي لم يعد يتناسب مع الظروف الاقتصادية, وبالتالي فهي تحتاج إلي أسلوب إداري مختلف, وإذا حدث ذلك فإنها أي المجمعات يمكن أن تحدث نقلة في المجتمع المصري. انتهت القضية.. ويبقي محدودو الدخل في انتظار أسواق الفقراء, لتنقذهم من نار الأسعار, التي اشتعلت بشكل غير مبرر في معظم السلع, بلا استثناء!