أكتب رسالتي هذه لصاحبة قصة حالة خاصة جدا.. سيدتي.. أكتب اليك رسالتي هذه لأقول لك: شكرا.. شكرا.. فبرسالتك التي قرأناها قد أشعلت الشموع المطفأة.. وأنرت القناديل الخافتة في قلوبنا, المحبة الطاهرة النقية, لتزداد توهجا وضياء.. وأزلت الصدأ عن قلوبنا, ونثرت بدلا منه قطرات الندي.. وأسلت دموعنا أنهارا, فسقيت بها الزهور الذابلة, فأينعت, وانتعشت, وأورقت وازدادت نضارة وبهاء.. فجيلنا الذي اقترب من عمر الستين الآن.. هذا الجيل جيل رائع, عاش أجمل سنين عمره في ستينيات القرن الماضي.. فأنا مثلك أكملت الثامنة والخمسين منذ أيام قليلة.. هذا الجيل الذي عاش مع الأدب قصة ورواية وشعرا, ومع الفن مسرحا وسينما وغناء وموسيقي, والرياضة بكل أنواعها... جيل عاش يستمع لأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد وعبد الحليم حافظ.. وقرأ لنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم والعقاد ويوسف إدريس وطه حسين ويوسف السباعي.. جيل عرف كيف يحب وكيف يحب.. جيل عرف كيف يحيا.. لم نسمع عن الغدر والخيانة والكذب والقسوة إلا نادرا, وعرفنا كيف نحب الله الباقي الخالد.. قصتك هي قصتي, وقصة جيلنا بأكمله.. وإن اختلفت التفاصيل, فمن منا لم يحب, ومن منا لم يكتب الشعر, ومن منا لا يحتفظ في بيته بمكتبة تضم عشرات بل مئات الكتب, في جميع علوم المعرفة.. من منا لم يعش قصة حب اكتملت, أو لم تكتمل.. الحب ياسيدتي نفحة روحانية ربانية, فيالسعادة الذين عاشوه, ويالشقاوة الذين لم يعيشوه. جيلنا ياسيدتي شاهد فيلم سانجام الهندي وعرف كيف يكون الوفاء, وشاهد فيلم( قصة حب) وعرف كيف يكون الحب النقي, وشاهد فيلم ذهب مع الريح وعرف كيف تكون إرادة الحب, وقرأ رواية ماجدولين ترجمة الأستاذ مصطفي لطفي المنفلوطي وعرف الحب والتضحية.. عندما قرأت قصتك تذكرت أغنية أم كلثوم الرائعة الأطلال, وكيف كنا نستمع إليها كل ليلة ونحن نذاكر في المساء في أواخر الستينيات, وتذكرت أيضا مسلسل لاتلوموا الخريف للأديب الدكتور يوسف عز الدين عيسي والذي كان يذاع في الراديو عصر كل يوم في الخامسة والربع بعد نشرة الأخبار.. بطولة الفنان الكبير محمود مرسي والذي كان يبدؤه بهذين البيتين من الشعر ينبت الزهر في الربيع ويلقي عند باب الخريف بعض ظلاله لاتلوموا الخريف لو عشق الزهر وتاقت عيونه لجماله وهذه القصة هي قصتك بأكملها, ولكن التضحية هنا كانت من الحبيب الذي رفضه أهلها, لتواضع عائلته, فحصل علي الدكتوراه وظل وفيا لحبيبته إلي أن شاهد فتاة في المدرج أثناء شرحه لإحدي المحاضرات.. تشبه حبيبته تماما وكان هو في خريف العمر ليكتشف انها ابنة حبيبته بعد زواج لم يكتب له النجاح تم بضغط من أهل حبيبته.. نعم جيلنا جيل محظوظ برغم انه وقع بين جيلين, جيل سبقنا مغلق علي تراث وأفكار جامدة وجيل أبنائنا الذي لايعرف سوي البلاي ستيشن والفيديو كليب. الذي أريد أن أقوله لك ياسيدتي انك انسانة شجاعة, واتخذت القرار الصحيح ودافعت عن حبك واحتفظت به بداخلك, ولم تجعلي أحدا يسرقه منك, فلم تنزلقي الي زواج لا ترضينه بدعوي ان المجتمع يريد ذلك أو لأن معادلات الحياة التقليدية تفرض عليك الزواج.. فبقرارك عشت سعيدة وعرفت معني السعادة الحقيقية, بحب لم يفتر, ولم يضعف في داخلك.. أما مثلي وآخرون من أصحاب قصص الحب التي لم تكتمل فقد سعوا لإشباع احتياجاتهم الانسانية بالزواج... وهذا الزواج لم ينسهم شرارة الحب الأول الذي ظلت شرارته مشتعلة حتي وهم يقتربون من الستين. سيدتي.. لقد اقتربنا من خط النهاية, وأوشك السباق علي الانتهاء, فربح من ربح, وخسر من خسر, وأنا علي يقين انك من الرابحين في الدنيا والآخرة.. فبعد قراءتي لقصتك في الصباح الباكر.. ارتديت ملابس الإحرام وتوجهت من جدة إلي مكة وأديت مناسك العمرة, ووقفت في الملتزم ما بين الحجر الأسعد وما بين باب الكعبة المشرفة, وانهمرت دموعي من أجلك, ومن أجل جيلي, ودعوت الله أن يجمعك بحبيبك في الدنيا.. ولم لا لعله يقرأ رسالتك في بريد الجمعة ويمد لك يديه لتكتمل قصة الحب الرائعة, فمثلك يستحق الكثير.. لم لا وهل زواجك الآن هو من أجل مآرب أو مال أو غيره.. لم لا وأنت حافظت علي العهد طيلة هذه السنين, ولي عتاب علي فارسك.. انه لم يصمد فكان الأولي به ان يقاتل من أجلك, بعد حصوله علي الدكتوراه.. ولكنه استسلم... وسأدعو الله إن لم تتحقق هذه الأمنية في الدنيا أن تلتقيا في الفردوس الأعلي.. فالمرء يحشر مع من يحب, كما قال عليه أفضل الصلاة والسلام. مهندس بهاء الدين أحمد جدة السعودية