والاسم مثير للدهشة خاصة في هذا الزمان الكئيب, فغبور اسم مسيحي وعثمان اسم مسلم, وهو تعبير عن مشاركة إسلامية مسيحية في تفهم مشترك لمصير مشترك. أو علي الأقل نأمل أن يكون مشتركا, والكتاب الذي يحمل الاسمين أكثر إثارة للدهشة فهو المسيحية في الإسلام. تأمل معي في فقد أبي المؤلفان أن يقولا المسيحية مع أو والإسلام بل ومعاندة للسائد والمألوف, أقصد السائد من عبارات وتقصد للتمييز الضار, جاء العنوان المسيحية في الإسلام, فالمؤلفان منير غبور وأحمد عثمان يستهدفان ومنذ الكلمة الأولي أن يقولا إن المسيحية والإسلام ليسا متجاورين أو متعايشين وإنما متداخلان, وإذ تطالع صفحات الكتاب تكتشف أنك قد تعرف أو تتعرف علي الدينين, لكنك كنت ولم تزل في غفلة عن ذلك التداخل بين دينين حنيفين, ولعل هذا هو ما دفع فضيلة الإمام الأكبر الراحل الشيخ محمد طنطاوي إلي أن يصف منير غبور بأنه كتب الكتاب بروح طيبة ولمقاصد كريمة ومن أهمها التأكيد علي الأفق الإنسانية الصادقة التي تجمع بين المسلمين والمسيحيين, وهذا ما نشكره عليه كل الشكر. ولا يخفي منير غبور هدفه إذ يقول في مقدمته أنا مصري غيور لحاضر ومستقبل وطني الحبيب مصر ثم إلا أننا فوجئنا في السنوات الأخيرة ببعض الأصوات تخالف ما كان سائدا في بلادنا وتدعي أن الأقباط كفار مشركون( ص11) ويقول إنني أشعر بخطورة شديدة علي وحدة وطننا من بعض من يدعون التدين ويريدون تحقيق أهداف وأطماع سياسة تبرأت منها كل الأديان. ثم يبدأ الكتاب في الرجوع بك إلي البدايات الأولي, نورد بعضا منها باختصار شديد لتلاءم مع المساحة المتاحة. * إن أول من تنبأ بنبوة محمد منذ صباه كان الراهب بحيري( بن هشام السيرة النبوية ج1 ص129). * تزوج محمد من خديجة بنت خويلد وكان ورقة بن نوفل ابن عمها مسيحيا لكن الأهم هو أن محمدا وخديجة ينتميان إلي اقصي الجد الأول لقريش وكان قصي قد استعان ببني عذره وهم نصاري في اخراج خزاعة من مكة( طبقات ابن سعد). وعندما نزل الوحي علي الرسول صلي الله عليه وسلم كان ورقة بن نوفل أول من باركه وأكد له صدق رسالته. * وعندما تعرض المسلمون الأوائل للأذي من كفار قريش أمرهم الرسول بالهجرة إلي بلد نصراني هو الحبشة قائلا: لو خرجتم إلي أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق ص23 وعندما استقبلهم النجاشي ملك الحبشة اسمعوه القرآن فقال: إن هذا القرآن والذي جاء به عيسي يخرجان من مشكاة واحدة أي من مصدر واحد(26). * لكن المثير للدهشة هو أن عددا من الأحباش قد أسلم علي يدي هؤلاء المهاجرين دون أن يمانع النجاشي ملك الحبشة, كما أن بعض الذين هاجروا من المسلمين اعتنقوا المسيحية ومن هؤلاء عبيد الله بن جحش بن الأسدي الذي هاجر ومعه زوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان, وقد مات عبيد الله في الحبشة, ولما مات تزوج الرسول صلي الله عليه وسلم زوجته أم حبيبة( ابن هشام السيرة النبوية ح3 ص198). * ولما وجه الرسول رسالته إلي المقوقس يدعوه فيها إلي الإسلام, رد عليه المقوقس برسالة قال فيها: قد أكرمت رسولك وبعثت إليك جاريتين لهما مكان في القبط عظيم وقد تزوج الرسول واحدة منهما هي مارية بنت شمعون القبطية وأنجبت منه ولده إبراهيم, أما اختها سيرين فقد وهبها الرسول لحسان بن ثابت فأنجبت منه عبد الرحمن بن حسان. * وبعد هجرة الرسول الكريم إلي المدينة جاءه وفد من نجران لزيارته فلما حانت صلاتهم صلوا في مسجد الرسول. * ويمضي الكتاب ليستعيد ما نحن فيه الآن, من تطرف ورفض الآخر واتهام لأهل الكتاب بالكفر, ومن سيادة لأفكار بعيدة تماما عن روح الإسلام. ويقول إن بداية ذلك تعود إلي الحالة الفكرية التي نعيشها منذ فترة حكم العثمانيين, فقد تأثرت الشعوب العربية التي حكمتها تركيا بحالة الجمود الفكري التي سادت في أنحاء الدولة العثمانية, فالطبيعة الفكرية للدولة العثمانية هي التي منعت الدولة الإسلامية من المشاركة في عصر النهضة التي شهدتها أوروبا منذ القرن الخامس عشر, ولم ينتعش في هذه الظروف إلا نشاط الأغوات والمجاذيب والدراويش. * ويستعرض الكتاب أوصاف المسيح كما وردت في القرآن فهو كلمة من الله بكلمة منه( آل عمران45) وروح منه أي من الله( النساء 171) ويقول القرآن إن الله أيده بروح القدس وايدناه بروح القدس( البقرة87 والمائدة110), وأن الله قد أتي عيسي البينات وآتينا عيسي ابن مريم البينات( البقرة87) و[253 وجعله مباركا( مريم31). * أما المسيح فقد حملت دعوته تعاليم غاية في التسامح احبوا أعداءكم وكما تريدون أن تفعل الناس بكم افعلوا أنتم أيضا بهم. * وفي سورة[ المائدة110] يذكر القرآن الكريم معجزات المسيح فيقول: إذ الله قال ياعيسي ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلي والدتك اذ ايدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا, وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل, وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتي بإذني. * ثم يوجه الكتاب رسالة إلي المؤسسات الدينية والإعلامية والتعليمية بالوقوف في وجه أعداء المواطنة وشرح حقيقة العلاقة بين الإسلام والمسيحية, أو بالدقة الإسلام في المسيحية. ويبقي أن نوجه الشكر والتحية إلي هذا التآخي المسمي غبور عثمان, وأن نتمني عليهما أن يواصلا معا ومعنا ومع كل دعاة الفهم الصحيح للدين, العمل من أجل حماية وحدتنا الوطنية من هذا البوم الناعق بخراب الوطن. المزيد من مقالات د. رفعت السعيد