شهدت القارة الأوروبية أمس يوما عاصفا من الاحتجاجات الشعبية الرافضة للإجراءات التقشفية التي تبنتها عدة حكومات أوروبية, فقد تدفق أكثر من100 ألف عامل من مختلف أنحاء القارة البيضاء. يمثلون كافة الاتحادات العمالية الأوروبية- علي العاصمة البلجيكية بروكسل- للمشاركة في مظاهرات احتجاج حاشدة ربما تكون الأكبر منذ أعوام التي تجتاح المدينة- مقر المفوضية الأوروبية. كما اجتاحت الإضرابات مختلف الدول الأوروبية, ففي الوقت الذي شهدت فيه إسبانيا أول إضراب عام منذ ثمانية أعوام, إمتدت الإضرابات الاحتجاجية لتشمل الأطباء وعمال السكك الحديد في اليونان, في حين أصاب إضراب المراقبين الجويين في بلجيكا حركة الملاحة الجوية هناك بالشلل التام. ولم تقتصر مظاهر الاحتجاج علي المسيرات أوالإضرابات, حيث ألقي مواطن أيرلندي بحمولة شاحنة كبيرة من الأسمنت علي مبني البرلمان احتجاجا علي إجراءات التقشف الحكومية العنيفة التي لم تجد الحكومات بدا منها لمواجهة أزمة الديون الطاحنة التي تعصف بالقارة العجوز. وحذر اتحاد نقابات العمال الأوروبي من أن عمال أوروبا قد يصبحون الضحايا الرئيسيين للأزمة المالية التي تسبب بها المصرفيون والمضاربون في البورصة. والطريف في الأمر أن المسيرات الرافضة للإجراءات الحكومية القاسية, التي تتراوح بين خفض الميزانية ورفع الضرائب وخفض المعاشات, تتزامن مع إقتراح المفوضية الأوروبية بفرض عقوبات علي الحكومات الأعضاء التي فشلت في الحد من العجز في ميزانياتها وتجاوزت المعدلات المسموح بها. ويؤكد الخبراء أن هذا العجز ينجم بالأساس عن تمويل برامج إجتماعية حكومية وأخري لمواجهة البطالة. وكانت العديد من حكومات الدول ال27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قد اضطرت إلي خفض ميزانية الانفاق والأجور والمعاشات. علاوة علي تسريح أعداد كبيرة من العمال والموظفين لمواجهة أزمة الديون المتراكمة. وعلي الرغم من أن الشعب الأوروبي تضامن بكافة فئاته أمس للتعبير عن رفضه لخطط التقشف, فقد كان التعبير الإسباني بالرفض هو الأسوء من نوعه. فقد ألقي العمال الأسبان بالبيض علي الحافلات كما منعوا الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية من الوصول إلي الأسواق. كما اعتصم مئات العمال أمام أحد مواقف الحافلات بالعاصمة مدريد قبل شروق الشمس ومنعوا أي سائق من الخروج بحافلته إلي الشوارع ولم تسلم مظاهر الاحتجاج من بعض الاشتبكات مع الشرطة أسفرت عن إصابة11 شخصا حتي الآن. وكان المتظاهرون قد بدأوا في التدفق علي شوارع العاصمة مدريد منذ منتصف ليلة أمس الأول وهم يرتدون قمصان حمراء ويحملون الأعلام, حيث أجبروا الحانات علي إغلاق أبوابها وطالبوا روادها بالعودة إلي منازلهم. وشارك جامعو القمامة في المظاهرات لتملأ أكياس القمامة جميع شوارع العاصمة. وشارك أيضا العاملون بالقنوات التليفزيونية في الإضراب, لينخفض استهلاك الكهرباء خلال الساعة الأولي من الإضراب بنسبة15%. وكان رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس ثاباتيرو قد أعلن في شهر يوليو الماضي أن حكومته تعتزم اتخاذ المزيد من إجراءات التقشف إذا استلزم الأمر, وذلك من أجل إنعاش الاقتصاد الإسباني وخفض العجز العام. أما في اليونان, فقد أعلن الأطباء عن إضراب لمدة24 ساعة وهو نفس القرار الذي اتخذه قطاع النقل العام, حيث توقفت كل المواصلات العامة عن العمل طوال الأمس في إطار الاحتجاجات العامة.