مهما لجأ البعض إلي التقليل من شأن ماحدث إلا انه يبقي امرا مرعبا ومسمارا في نعش منظومة القيم.. اذ ماذا بعد قيام محام بنحر مواطن داخل محكمة الجلاء. ولجوء زملاء له إلي حجز اعضاء النيابة بمركز ايتاي البارود وقيام احدهم بتكسير المكتب, واحداث اصابات برئيس النيابة؟ رجال القانون وعمداء كليات الحقوق يصفون ماحدث بأنه مؤشر خطير علي ان ميزان العدالة قد اصبح مختلا, ومن ثم يطالبون بدراسة اسباب تلك الحوادث منعا لتكرارها, والضرب بيد من حديد علي المتجاوز فيها, فيما يصف نقيب المحامين تلك الحوادث بأنها فردية, ولاتؤثر علي ان تأخذ العدالة مجراها, وان المحامين والقضاء وجها العدالة التي لاتستقيم بدونهما. في البداية يقول حمدي خليفة نقيب المحامين ان الموضوع ليس بالصورة التي نقلت فقد بدأت تلك الحادثة بمشادة بين محام ووكيل نيابة واستمرت حتي قام وكيل النيابة بالتعدي علي المحامي مما اثار حفيظة المحامين, ونحن من منطلق الاسرة القانونية الواحدة تم احتواء الازمة بمكتب النائب العام, وانتهت المشكلة بالتصالح وعلي ان تقوم كل جهة بمحاسبة العضو التابع لها عن اي خطأ أو تقصير, وانتهت الازمة عند هذا الحد, وباعتباره حادث فرديا لايؤثر في العلاقة بين المحامين والقضاء شأنه شأن أي. حادث قد يكون له تجاوز من اي من الاطراف مما يقتضي العلاج, ويضيف ان احتواء الازمة يؤكد حسن العلاقة بين المحامين والقضاء باعتبار ان كليهما وجه العدالة ولاتستقيم العدالة بدون جناحيها اي انه قد انتهت الازمة عند هذا الحد. الدكتور احمد بلال عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة يصف ماحدث بالمأساة القانونية ويؤكد ان ماحدث لايجوز مهما كان السبب ويعاقب عليه قانون العقوبات, فاذا صدر من وكيل النيابة تصرف غير سليم فهناك الوسائل القانونية لمواجهة هذا الأمر, وهي ان يلجأ للجهات المسئولة او النائب العام لتقديم بلاغ بهذا الشأن, وهذا من حقه, ومن حقه ايضا ان يحرر محضرا بالواقعة, إذا كانت جنائية, اما ان يرد علي سلوك يراه غير مسئول بسلوك اجرامي فهذا غير مقبول علي الاطلاق, لان معني ذلك اننا ننحي القانون جانبا وكل يأخذ حقه بنفسه, وهذا ليس طبيعة المجتمع المتحضر. ويري د. أحمد ان الأهم من كل ذلك هو البحث عن الاسباب التي ادت إلي حدوث كل هذه التداعيات منعا لتكرارها, وحفاظا في نفس الوقت علي هيبة واحترام الهيئة القضائية, ايضا حفاظا علي حقوق المواطنين. والمطلوب بطبيعة الحال يضيف البحث عن الاسباب التي دفعت السيد وكيل النيابة الي اللجوء إلي سلوك قد لايكون ملائما ومتناسبا مع طبيعة عمله في هيئة موقرة. وعن الاسباب التي دفعت المحامين إلي التسرع باللجوء إلي مثل مالجأو إليه لابد ان هناك اسبابا عديدة تتعدي حدود ما تم في الواقعة المعنية وهذه الامور كلها لابد ان تدرس دراسة كافية حتي نتفادي مثل هذه السلوكيات الشاذة. حاسبوهم امام القضاء من جهته يؤكد الدكتور حسن ربيع عميد حقوق بني سويف ان ماحدث يعد اخلالا بكل القيم والمباديء وجميع القوانين والاعراف المتعارف عليها بين أهل المهنة الواحدة, ومن الشاذ ان نسمع في يوم من الأيام عن مثل هذه الواقعة الشنعاء لرجال مهتمهم الحفاظ علي القانون وتنفيذ احكامه بكل دقة. اما الدكتور محمود كبيش استاذ القانون الجنائي ووكيل كلية الحقوق بجامعة القاهرة, فقد صدم عند سماعه لهذه الواقعة, لانه وعلي حد قوله ماحدث يعد جريمة وان كانت تحدث في اي مجتمع, ولكن هذه القضية لها دلالتها فهي بمثابة مسمار في نعش منظومة القيم التي تحميها هذه السلطة القضائية المعتدي عليها باطرافها الثلاثة, القاضي الجالس, وسلطة التحقيق والمحامي. ويوضح ان المادة12 من الدستور تنص علي انه يلتزم الجميع باحترام القانون والمباديء الإسلامية والقيم السائدة والاعراف الموروثة والتقاليد, فهذا النص بما حدث قد انتهك, ولذلك يطالب د. محمود القضاء بان يكون حاسما في هذه القضية ضد المعتدي لرد اعتبار المحامين بالدرجة الأولي فهم متبرئون من ذلك التصرف غير المسئول ولان الجميع علي ثقة بأن جموع المحامين الشرفاء تحمروجوهم خجلا من هذه الفعلة الشنعاء ويجب تطبيق القانون عليهم. ويقول المستشار فتحي رجب وكيل اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس الشوري ان النيابة العامة جزء من السلطة القضائية ولها احترامها الكامل بدءا من بداية السلم النيابي, فوكيل النيابة هو حامي حمي المجتمع وهو وكيل للنائب العام وتوفير مركزه القضائي يقتضي مخاطبته بلهجة غاية في التهذيب والاحترام, فاذا اخطأ وكيل النيابة فالقانون يحمي من يخاطبه أو يتعامل معه من هذا الخطأ بأن يتقدم بشكوي إلي رئيسه أو للنائب العام وسيجد الانصاف الكامل لان السلطة القضائية ايضا من بدء درجاتها تلتزم بسلوكيات واخلاقيات وقواعد صارمة, فلا يمكن ان يترك رجل القضاء يتمتع بالحصانة دون ان تكون عليه التزامات تساوي هذه الحصانة, فهو ينبغي ان يترفع عن اي اخطاء أو تصرفات تشوب حياته الخاصة أو العامة أو تعامله مع الجمهور أو مع السادة الاساتذة المحامين, وبذلك فان حق الشكوي مكفول خاصة للمحامي لانه في مفهوم القانون هو رجل القضاء الواقف وينبغي علي وكلاء النيابة طبقا لتعليمات النائب العام الواضحة والصريحة ان يتعاملوا مع القضاء الواقف تعاملا يتسم بالادب والخلق الرفيع. وتعليمات النائب العام والتقاليد القضائية, وتقاليد مهنة المحاماة كلها وضعت قواعد صارمة اثبتت علي مر الزمان جدواها والتصقت بالمهنة. ويضيف المستشار فتحي رجب ان للاسف قد قضي بعدم دستورية نص القانون الذي كان يعاقب علي البلطجة وهذا الحكم الدستوري صدر لانه قانون البلطجة لم يكن قد عرض علي مجلس الشوري. ويطالب بأن يتم السعي لاعادة نص قانون البلطجة بطريقة دستورية بعد عرضه علي المجلسين. انهيار القيم ويري د. أحمد سعد استاذ القانون والمحامي بالنقض ان هذه القضية تعكس انهيار القيم والقدوة وهيبة القانون, فكل الحزن علي ماحدث وبعيدا عن حكم القانون من رجل قانون علي رجل قانون فان ميزان العدالة اصبح مختلا, لانه كيف نباهي ونتفاخر بان القضاء هو القضاء الجالس بما يشمله من سلطة التحقيق والمحامي هو القضاء الواقف فماذا تركنا للمواطن العادي ولمن يلجأ وطرف القضية هما الملاذ الاخير له؟ فهذه القضية لها بعد اجتماعي يضيف يعكس انهيار القيم ولابد لاعادة القيم مرة اخري ان يكون هناك حضور للقانون وصرامة في تطبيقه علما بأن سلطة التحقيق قد الزمها القانون بتقصي الموضوعية والحيدة, لانها قبل ان تكون سلطة اتهام هي سلطة تحقيق, وقد منح القانون المحامي اذا لم يعجبه في النيابة الحق في ان يلجأ إلي التظلم إلي المحامي العام لأول او النائب العام. والأكثر من هذا ان قرار النيابة حتي لو اتي فيه ظلم لموكله فان القضاء الجالس هو الحكم العدل بين طرفي العدالة وهما المحامي والنيابة, اما كون المحامي لم يعجبه قرار النيابة فيقتص بنفسه متمثلا في الاعتداء علي وكيل النيابة فهذه هي الفوض بعينها, وانتهاك لحرمة القانون وقدسيته. ولذلك يناشدد احمد سعد النائب العام بتحريك الدعوي العمومية ضد هذا المحامي, حتي يتطهر منه المحامون اذا ثبتت ادانته, وبالتالي يعود التوازن لكفتي الميزان, مع الاخذ في الاعتبار ان المحامي لا يفغر له الخطأ اليسير لأنه رجل قانون اولا واخيرا, وبالتالي يجب ان يؤخذ في الاعتبار عدم جواز, اعتذاره بالجهل بالقانون لانه قد انتهك القانون وهو من رجاله. ويضيف اما عن المحامي الذي قام بطعن احد الاشخاص داخل قاعة المحكمة, فقد اعتدي علي المجني عليه, واعتدي علي المجتمع بأسره, لان منصة القضاء لها احترامها وقدسيتها, والمحامي المعتدي نسي ان مسرح الجريمة الذي ارتكب جريمته فيه هو منصة القضاء التي تصدر الاحكام وهي عنوان للحقيقة, وفي صدرها كلمة باسم الشعب فقد اعتدي هذا المحامي علي الشعب باكمله, ولايجوز لاي محام الايتبرأ من هذا الفعل الشائن.