علي الرغم من صدور القانون رقم196 لسنة2008 الخاص بالضريبة العقارية منذ أكثر من عام, فإن الجدل الذي أحدثه وقت صدوره لم يخرج عن إطار النخبة المثقفة في المجتمع أو المهتمين بأمره من رجال القانون المحترفين, ثم ما لبث أن أثار اهتمام غالبية الناس وقلقهم في الوقت الذي قارب انتهاء تقديم الإقرارات الضريبية المنصوص عليها في القانون, والتي كان من المقرر أن تنتهي في2009/12/31 ومدت الي أجل آخر. ومنبع هذا الاهتمام والقلق راجع الي ماتضمنه هذا القانون من نصوص مستحدثة تم بمقتضاها إخضاع العقارات السكنية أو المعدة للسكني للضريبة, رغم إعفائها قبل صدور هذا القانون, مما شكل أعباء ضريبية جديدة فرضت بمقتضي هذا القانون علي قطاع عريض من المصريين, فمنذ فرض هذه الضريبة علي العقارات المبنية في عهد محمد علي باشا وحتي استقر أمرها بمقتضي القانون رقم56 لسنة1954 الذي كان ساريا قبل القانون الأخير, لم تظهر أي مشكلات علي السطح وكان الجميع يعلم ان هناك ضريبة علي العقارات تسمي مجازا العوايد تسدد من شاغلي ومالكي العقارات بانتظام, ولم يكن يتم تحصيل الضريبة علي العقارات السكنية منذ بداية الستينيات بسبب تطبيق قوانين تخفيض الايجارات حتي أعفي الملاك والشاغلون منها صراحة بمقتضي قوانين ايجار الأماكن وآخرها القانون136 لسنة1981, وكان تقدير هذه الضريبة علي سائر العقارات يتم مراجعته كل عشر سنوات طبقا للقانون, الي ان صدر قانون الضرائب العقارية الأخير وأثار حوله جدلا كبيرا بين جموع المصريين قاطبة واستشري شعور عام بعدم الرضا والاستهجان والقلق من تطبيقه, مع ان القانون أي قانون يصدر دائما ليحل مشكلة ما طال انتظار الجميع لايجاد حل لها, ولكن الحال بالنسبة لهذا القانون انقلب والصورة اختلفت وأسفرت عن نتائج شاذة قد تفضي الي مشاكل عدة في التطبيق علي النحو التالي: أولا: أخضع القانون الجديد الأماكن السكنية أو المعدة للسكني للضريبة, وقد كانت هذه الضريبة لا تحصل بالفعل من هذه الأماكن بموجب قوانين اخري غير قانون الضرائب العقارية, كالقوانين التي كانت تنص علي تخفيض الايجارات في الستينات, الي ان تم إعفاء مالكي وشاغلي المباني المعدة للسكني من جميع الضرائب العقارية بموجب قوانين تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر واخرها القانون رقم136 لسنة1981 في المادة11 منه, والتي نصت فضلا عن الاعفاء من الضريبة العقارية علي اخراج ايرادات هذه المساكن من وعاء الضريبة العامة علي الايراد أيضا, فإذا ماجاء القانون الجديد وأخضعها كلها للضريبة وألغي كل نص يخالفه من القوانين السابقة, فقد أضاف عبئا ضريبيا جديدا علي عاتق المصريين يتعلق بالمسكن الخاص بكل منهم, الذي يقيم به ليحميه من غوائل الزمن ولا يدر عليه أي دخل, ولا يمنع من ذلك ان القانون الجديد قد وضع حدا للاعفاء من هذه الضريبة بالنسبة للمباني التي لا تزيد قيمتها علي خمسمائة ألف جنيه, إذ إن تقدير هذه القيمة راجع طبقا للقانون للجان الحصر والتقدير التي تبدو تقديراتها جزافية وتحكمية لأنها تتم وفقا للقيمة السوقية للعقار, وهو معيار بالغ التعسف ويشكل سيفا مسلطا دائما علي رقاب الممولين كل خمس سنوات, إذ كيف يمكن تقدير قيمة عقار اشتراه مالكه أو قام ببنائه من مدخراته في وقت ما بمبلغ معين أو آل إليه بالميراث, ولا يرغب في بيعه أو استغلاله بالايجار لآخرين حتي يدر عليه دخلا, ثم ارتفع سعره لسبب لادخل لإرادته فيه ويرجع لأسباب أخري, وهي زيادة افتراضية قد تقبل الجدل ولا يمكن تحديد ضوابطها طالما ان مالكه لم يعرضه للبيع في سوق العقارات لمعرفة سعره الحقيقي؟! ناهيك عما قد ينشأ عن تطبيق هذا القانون من نتائج شاذة تخضع مالك وحدة سكنية بعقار للضريبة لمجرد انه اشتري تلك الوحدة بكل مدخراته ليقيم بها, بينما مستأجر وحدة أخري في ذات العقار وفي ذات الظروف ويقيم بها أيضا لا يخضع لتلك الضريبة وكأن الملكية الخاصة أصبحت خطيئة يجازي بسببها المالك بفرض ضريبة علي الاقامة فيما يملكه, بما ينتفي معه مبدأ العدالة الاجتماعية في فرض الضرائب المنصوص عليه بالمادة128 من الدستور. ثانيا: ليس صحيحا ماقيل من أن النص الذي يخضع المكان المعد للسكني للضريبة العقارية في القانون السابق طعن عليه امام المحكمة الدستورية العليا وحكمت بدستوريته لسببين: 1 ببساطة لأن المسكن أو المكان المعد للسكني كان معفيا من الضريبة العقارية بموجب قوانين اخري اخرها القانون رقم136 لسنة1981 الخاص بتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر, كما سبق القول, فلم تثر أي منازعات بشأنها امام المحاكم بسبب هذا الاعفاء, لكن ما أثير أمام المحكمة الدستورية حول الضريبة العقارية كان منصرفا الي طعن من إحدي الشركات التي تتضرر من الضريبة العقارية علي مبانيها التي كانت تستخدم في غير الأغراض السكنية, فحكمت المحكمة بجلستها المنعقدة في2002/2/1 برفض الطعن وبدستورية هذه الضريبة, تأسيسا علي أن المبني وإن كان يعد رأس مال إلا أنه يدر دخلا حقيقيا أو حكميا باعتباره من مقومات المكان التجاري. 2 إن الأمر يختلف بالنسبة للعقار السكني الذي يملكه المواطن ويقيم به ولا يدر عليه أي دخل, فيعتبر العقار رأس مال لا يدر دخلا عليه شأنه شأن الأرض الفضاء غير المستغلة, والتي تخرج عن نطاق تطبيق قانون الضريبة العقارية لهذا السبب, ولأن القول بإخضاعها للضريبة, رغم انها لا تدر دخلا من شأنه الاعتداء علي حق الملكية الخاصة التي تتسع للأموال بوجه عام, وفي ذلك قالت المحكمة الدستورية العليا, انه وإن صح ان تتخذ الضريبة وسيلة لتوزيع أعباء النفقات العامة علي المواطنين, وفقا لأسس عادلة, إلا أنه لايجوز ان تفرض الضريبة ويحدد وعاؤها بما يؤدي الي زوال رأس المال المفروضة عليه أو الانتقاص منه بدرجة جسيمة, فما لذلك الغرض شرعت الضريبة, وما قصد الدستور أن تؤدي في نهاية مطافها الي ان يفقد المواطن رأس المال المحمل بعبئها, وقد قيلت هذه الأسباب في القضاء بعدم دستورية الضريبة العقارية علي الأرض الفضاء غير المستغلة, باعتبارها ضريبة مباشرة علي رأس مال لا يدر دخلا بجلستها المنعقدة في1996/2/3. ثالثا: إن ماقيل من أن الضريبة العقارية تدخل ضمن منظومة النظام الضريبي العالمي لأي دولة, والذي يقوم علي أساس ضريبة الدخل وضريبة المبيعات والضريبة العقارية, هو قول معلوم وغير منكور, ولكنه يتناقض مع ماورد بنصوص قانون الضريبة العقارية, لأن المعلوم ان كل ضريبة في المنظومة المشار إليها لها هدف وحكمة تقررت الضريبة من أجلها فالضريبة العقارية في النظام العالمي هي ضريبة محلية تقررت كي تؤول حصيلتها للمحليات لأداء بعض الخدمات المنوطة بها كتجميل الشوارع ورصفها وزيادة أعمدة الإنارة بها, لكن المستقرئ لنصوص قانون الضريبة العقارية يجد ان حصيلتها لا تؤول بكاملها الي المحليات, وإنما يؤول اليها25% فقط من الحصيلة بينما تؤول باقي الحصيلة ومقدارها75% منها الي الخزانة العامة كما جاء بالنص, بما يفرغها من مضمونها وتنتفي معه الحكمة التي تقررت من أجلها الضريبة, ويناقض الأسس الموضوعية التي ينبغي ان تقوم عليها بتجاوز الأغراض المقصودة منها, لأن ذلك يكشف عن أن الأساس الموضوعي في فرض الضريبة وكونها محلية قد تم تجاوزه الي زيادة الحصيلة العامة, وهو مايدخل في منطق الجباية حتي ولو كان الهدف منه زيادة موارد الدولة, مما يصم هذا القانون بعيب عدم الدستورية. رابعا: عدد الفقيه القانوني العظيم المغفور له الدكتور عبدالرزاق السنهوري في نظريته عن الانحراف التشريعي حالات التشريعات المعيبة بعيب الانحراف التشريعي, وأورد من ضمن هذه الحالات التشريع الذي يتغول علي الحقوق المكتسبة للمخاطبين بأحكامه واعتبره معيبا بالانحراف التشريعي, فإذا كان العقار المعد للسكني سواء كان مملوكا أو مؤجرا معفي من الضريبة العقارية بموجب قوانين سابقة, وصدر تشريع يخضع هذا النوع من العقارات السكنية للضريبة العقارية فقد أخل بالحقوق المكتسبة للمواطنين بموجب القوانين السابقة, بما يترتب عليه الإضرار بالمراكز القانونية المستقرة لهم والافتئات علي الملكية الخاصة التي تشمل رأس المال الذي لا يدر دخلا, والمكفولة حمايته بنصوص الدستور, وهو وجه طعن اخر بعدم دستورية القانون. خلاصة القول: إن الضريبة العقارية علي المسكن الخاص الذي لا يؤجره صاحبه ويقتصر علي الاقامة فيه ليقيه من غوائل الزمن غير دستورية لأنها تمس رأس المال الذي لا يدر دخلا, وهو ماسبق أن قضت المحكمة الدستورية من أجله بعدم دستورية الضريبة علي الأرض الفضاء, ولكنني أري أن تلافي هذا العيب لا يكمن في بسط رقابة القضاء علي هذا القانون عن طريق الطعن عليه بعدم الدستورية امام المحكمة الدستورية العليا, لأن الاعتبارات العملية تقتضي قيام السلطة التشريعية باستدراك هذا العيب من تلقاء نفسها في القانون بإعفاء المسكن الخاص من الضريبة العقارية, وقد يكون ذلك في هذه الدورة أو في الدورة البرلمانية الجديدة التي تبدأ في عام2010, دون أي غضاضة في ذلك لأن القانون لن يبدأ في التطبيق قبل انتهاء لجان الحصر من عملها الذي لن ينتهي بالقطع قبل هذا التاريخ.