مازال حدث يوم11 سبتمبر يعيش في وجدان العالم بعد مرور تسع سنوات علي وقوعه. وفي هذا العام تجددت الذكري, بسبب الجدل الذي ثار حول فكرة إنشاء مركز إسلامي يحتوي مسجدا بالقرب من موقع انهيار البرجين في نيويورك, ووسط مراجعات جرت حول حالة' الإرهاب العالمي' ومدي اتساعه أو انكماشه منذ خروجه من قمقمه رسميا في هذا اليوم التاريخي محافظا علي عزمه وعنفوانه حتي يومنا هذا. لقد عشت أصداء هذا اليوم الفريد وأنا بعيد عن مصر, وانتابني وقتها إحساس قاس بفقدان' الأمن', ليس علي المستوي الشخصي أو المصري ولكن علي المستوي الدولي. وهي تجربة من النادر أن يمر بها الإنسان, فكثير ما نتكلم عن' الأمن الدولي' لكننا لا نعي كنه مكوناته الدقيقة, ربما لبعد المسافة الزمنية بيننا وبين الحربين العالميتين الأولي والثانية, أو لأننا ألفنا بحكم التقدم والعولمة وجود عالم متصل ينتقل فيه الإنسان من مكان إلي آخر بدون أن يتوقع شيطانا من هنا أو هناك رابض يسرق الطمأنينة منه, أو يجهض بخزعبلاته ثقتنا في الحضارة العالمية بكل إنجازاتها الهائلة. في الحادي عشر من سبتمبر2001 كنت في مدينة' كانتربري' بالمملكة المتحدة حيث كنيسة إنجلترا والتي تبعد عن لندن العاصمة بحوالي تسعين كيلومترا. والمناسبة كانت حضور ورشة عمل في جامعة كانتربري لمراجعة فصول كتاب عن' نزاعات الأمن والمناخ في إقليم المتوسط' وقد شاركت في الكتاب بفصلين الأول عن' تقييم الحوار الأمني بين حلف الناتو ودول المتوسط', والثاني عن' ألغام الحرب العالمية الثانية في منطقة العلمين بمصر'. وقد صدر الكتاب بالفعل باللغة الإنجليزية في2003, وقدم له السيد عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية. انتهت ورشة العمل في العاشر من سبتمبر, وقضيت الحادي عشر في تفقد مدينة' كانتربري' الجميلة وكنسيتها الشامخة, وبعد العصر بقليل, وعند عودتي إلي غرفتي بالفندق, شاهدت علي شاشة التليفزيون ما لم أنسه حتي الآن. اصطدام الطائرات بالأبراج في نيويورك وانهيارها حتي سطح الأرض. وشعرت كأن العالم يمر بذبحة صدرية قاتلة, أو أزمة قلبية حادة. وبرغم أن الحدث نفسه كان بعيدا عن المملكة المتحدة, وعن كانتربري, وعن مصر; لكن صدي ما جري علي الأرض الأمريكية رج المعمورة وانتشر بسرعة البرق إلي أركانها القريبة والبعيدة. ولم تكن العودة إلي أرض الوطن سهلة لمعظم المشاركين في ورشة العمل, وبعضهم رجعوا بطائراتهم من منتصف المحيط الأطلسي إلي أوروبا بعد أن أغلقت المطارات الأمريكية أبوابها_ ربما لأول مرة في تاريخها- في وجه الطيران الدولي. صار الإرهاب' عالميا' عندما ضرب ضربته الكبري في نيويورك عاصمة الحضارة الأمريكية; ولو ضرب مكانا آخر بنفس الطريقة لما حظي بصفة العالمية. وفي الحقيقة لقد استيقظ العالم صباح11 سبتمبر2001 علي دنيا مختلفة كانت موجودة لكنه لم يكن قادرا علي رؤيتها وإدراكها وفهمها. لقد استيقظ علي شئ اسمه' القاعدة' مع إنها كانت موجودة قبل11 سبتمبر.2001 وعلي مدي تسع سنوات من هذا اليوم جرت عمليات إرهابية كثيرة قتل فيها آلاف الناس ومازال السؤال معلقا عن متي ينهزم الإرهاب بلباسه الإسلامي المزور؟ لقد شنت الولاياتالمتحدة الحرب علي أفغانستان بعد أسابيع قليلة من11 سبتمبر علي أساس أن الهجوم قد انطلق من أفغانستان بتدبير من' القاعدة', وبمباركة من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري اللذين كانا من وراء' غزوة' نيويورك من البداية. ومؤخرا وبعد انسحاب الولاياتالمتحدة من العراق, قررت أن تركز عملياتها العسكرية هناك للقضاء علي هيمنة جماعات طالبان ذات العلاقات الوطيدة مع القاعدة. والآن يبرز السؤال الذي جاء وقت الرد عليه: هل الإرهاب العالمي بعد تسع سنوات من هجوم11 سبتمبر2001 في طريقه إلي التراجع والاضمحلال, أم أنه مازال في عنفوانه, وأن سنوات كثيرة قادمة سوف تشهد صورا مختلفة له. شواهد كثيرة يمكن رصدها تعضد فكرة أن الإرهاب في طريقه إلي الضعف والاضمحلال مثل كل الظواهر المعاندة لمستقبل تطور البشرية. فالإرهاب بصورته الحالية لا يسير في طريق يؤدي إلي مزيد من حرية الإنسان, ولا يعلي من آفاق حضارته, وبالتالي سوف يفقد بالتدريج طاقته الأيديولوجية, وسوف تنطفئ هالة الإعجاب به من بعض الجماعات والدول. وعلي الجانب الآخر كشف الإرهاب وهجوم11 سبتمبر ثغرات كثيرة في هيكل الحضارة الإنسانية الحالية في صورة شروخ وثغرات متصلة بأمن الأفراد والجماعات تتطلب علاجات جوهرية من بينها ما هو متصل بأمن الحدود والمواني والمطارات. وبعيدا عن هجوم11 سبتمبر, لم يكن النظام الأمني العالمي علي مستوي التعامل مع ظاهرة العولمة, وحركة الناس والبضائع والأفكار, ولو لم تكن القاعدة مسئولة عن الهجوم ونجاحه, لحدث الاختراق من قوي أخري خارجة علي القانون ربما في ساحات أخري غير أبراج نيويورك. لقد راهن البعض علي أن ما حدث في11 سبتمبر سوف يضعف من حركة الطيران العالمية, وأن موجات الهجرة إلي الغرب سوف تتوقف أو تتآكل, وبالفعل حدث تراجع في حركة البشر لشهور قليلة, ثم عادت الحركة إلي معدلاتها العادية إن لم تكن زادت عليها. وبرغم حدوث ثغرات من آن لآخر إلا أن وسائل الكشف عن المسافرين وشخصياتهم وما يحملونه من أشياء قد تغير جوهريا, ولن تمضي إلا سنوات قليلة حتي تتحقق ثورة تكنولوجية في أسلوب تأمين حركة البشر, ودعم تواصلهم. ومن كان يراهن علي نظرية الفصل بين الغرب والشرق, سوف تكتسحه طاقة التكنولوجيا والعلم, والأفكار الخلاقة, إلي عالم مختلف أكثر أمنا وثقة. ما يضبط حاليا من محاولات إرهابية قبل أن تحدث أكثر بكثير مما كان يضبط ويجهض من قبل. وهناك أيضا قدر ملحوظ متزايد من الرشد في العالم الغربي يدفعه إلي تجنب استخدام حريته في إثارة العالم الإسلامي والمساس بمقدساته باسم حرية الرأي. حديث الرئيس أوباما الموجه للعالم الإسلامي من القاهرة, ودعمه لمشروع المركز الإسلامي بالقرب من المكان الذي دارت عليه أحداث11 سبتمبر أو بالقرب منها, قد قدم للشعوب العربية والإسلامية أسلوبا ورؤية مختلفة في التعامل معها. ثم ما يبذل حاليا من جهود دبلوماسية أمريكية ودولية لدعم عملية السلام في الشرق الأوسط, وحل المشكلة الفلسطينية, ودور ذلك في سد أبواب من الشك والعنف, وتجريد الإرهاب من بعض أسلحته التي درج علي استخدامها في توريط الشباب ودفعه إلي عمليات إرهابية ضد الأبرياء. هناك اقتناع متزايد بين المتخصصين أن الإرهاب العالمي في طريقه إلي الغروب. وهذا الاقتناع مبني علي حقيقة تناقص العمليات الإرهابية, وتزايد أعداد العمليات الفاشلة منها. والمهتمون بدراسات الإرهاب يراقبون باستمرار معدلات ظهور القادة الكبار من زعماء الإرهاب في وسائل الإعلام الخاصة بهم كما كان يحدث من قبل في كثير من المناسبات. ولأول مرة لا تصدر بيانات طويلة وحماسية من بن لادن أو أيمن الظاهري بمناسبة11 سبتمبر كما كان يحدث كل عام. كما توقفت إذاعة أفلام طويلة عن هذه الأحداث, أو تلك التي تذيع وتعرض كلمات الانتحاريين قبل قيامهم بعملياتهم الإرهابية. وفي سبتمبر2010 صدر عن القاعدة فيلم فيديو يقدم رسالة صوتية من أيمن الظواهري مصحوبة بصورة له, والرسالة مختصرة ومفتقدة للقوة والحماسة القديمة, كما أنها لا تتضمن تهديدات جديدة موجهة للغرب. وبشكل عام قلت معدلات صدور أحاديث من قادة تنظيم القاعدة, فقد مضت سنة كاملة منذ آخر حديث بالفيديو لأحد قادة القاعدة وآخرها للظواهري كان في أغسطس.2009 هل غروب ظاهرة الإرهاب العالمي حقيقة مؤكدة, أم أنها تغير وقتي وسوف يستعيد الإرهاب عافيته مرة أخري؟ والإجابة علي هذا السؤال تؤكد أن الإرهاب يواجه تحديات كثيرة فكرية ومادية بعد أن ظهر كثير من عوراته وثغراته. وما تم استخدامه مؤخرا من استهداف للإرهابيين علي المستويين الفردي والجماعي قد أدي إلي اصطيادهم واحدا بعد واحد; وقد أدت هذه الاستراتيجية إلي القضاء علي عدد ليس بالقليل من زعماء الإرهاب. كما زادت الولاياتالمتحدة من استخدامها للطائرات بدون طيار داخل باكستانوأفغانستان وفي اليمن. وتقول التقارير أن حوالي ألف من قادة الإرهابيين والمؤيدين لهم قد قتلوا بهذه الوسيلة منذ أغسطس.2008 وفي كل الأحوال يجب أن نعترف بأن جبهة المواجهة مع الإرهاب لا تقتصر فقط علي الميدان العسكري, بل تمتد أيضا إلي ميدان العقائد والأفكار وهذه قصة أخري.