في خضم مسلسلات شهر رمضان والكم الهائل من الدراما المليئة بالشرور والآثام والدم والمخدرات والقتل والارهاب والعار والرذيلة والجنس والعلل والأمراض الاجتماعية التي يمتلئ بها حضيض المجتمع المصري الذي صوره مخرجونا المبدعون في أجمل تقنية فنية من حيث الكادر والصورة التلفزيونية المبهرة والرائعة فنيا التي تجعلهم في مصاف المخرجين العاملين.. في خضم هذه الاعمال الدرامية ولا أقول الرمضانية حتي لا أسيئ إلي شهر رمضان المبارك.. أقول في هذا الخضم والكم الهائل من المسلسلات والبرامج بين ما هو حسن وما هو قبيح.. برزت نقطة نور أضاءت وجه الشاشة الصغيرة وأنارت بصيرتها المفقودة, نقطة النور هذه تمثلت في مسلسل بعنوان قصة حب تأليف د. مدحت العدل وبطولة النجم السوري جمال سليمان والنجمة المصرية بسمة ونخبة من الفنانين والفنانات المصريين كانوا كلهم نجوما حقيقيين في أدوارهم والعمل من إخراج المخرجة المبدعة إيمان الحداد. ومرد هذا القول في رأيي الشخصي يرجع الي عدة أسباب منها أننا بحاجة فعلا الي الرومانسية المفتقدة بشكل جديد وروح جديدة تمزج الرومانسية بالواقعية الموحية بالإصلاح والتهذيب لأخلاق مجتمعنا وسلوكياته في نمط مستحدث بعيدا عن العشوائية والغوغائية برغم روعة أسلوب الكاتب ورؤية المخرج. والرومانسية الجديدة التي أعنيها ليست هي رومانسية مارلو وشكسبير في انجلترا ولا رومانسية ألكسندر ديماس الأب والفرد دي فيني في فرنسا.. فتلك الرومانسية الشكسبيرية قائمة فقط علي العاطفة والحرية والانطلاق غير المحدد في عالم الروحانيات بكل رموزه وشعائره وتنقلاته بين الشعور والوجدان, ثم تنتج لنا في النهاية ختاما مأساويا, لكن ما أعنيه هنا بالرومانسية الجديدة التي أبدعها الكاتب في قصة حب هو امتزاج هذه الرومانسية بمواقفها التي تجمع بين الكلمة النظيفة واللسان العف والمواقف الرفيعة التي يسمو أسلوبها الي مستوي رفيع يكاد يكون شعرا لا نسمع فيه إلا لغة راقية ونجوي بين القلوب التي تنبض بالحب العفيف تقابلها في مواجهات أخري مكائد الكائدين وشكاة البائسين وأنات الحائرين وغدرات الغادرين وانتهازية الأفاقين والتلاعب بمشاعر الشباب والتحريض علي تفكير المجتمع عن طريق الجماعات التي تدعي الجهاد باسم الإسلام.. والإسلام من أفعالهم برئ. لم نر أو نسمع في قصة حب سواء من الانقياء, أو الأدعياء مشاهد عري أو ألفاظ سباب تخدش الأذن والحياء, أو العشوائية الأخلاقية المتدنية الي حد المتاجرة بالأعراض والإباحية العارية في الكلمة والحركة والإشارة والايماءة والملابس وكل الأشكال الخارجة عن الحدود كما شاهدنا في غيرها.. لذلك أحسسنا في قصة حب أننا نري أنفسنا الطيبة ومشاعرنا الحقيقية في مرآة صادقة تعكس عواطفنا وأحاسيسنا, وأيضا تعكس أنانيتنا وأحقادنا ونقائص المجتمع وعيوبه في كثير من النفوس التي تعيش بمنطق فردي ضعيف وهوائي متقلب بين رياح النفعية والانتهازية بأسلوب بعيد عن الاسفاف والإباحية, وأري أن قصة حب أراد كاتبها أن يمزج فعلا بين الرومانسية بعواطفها المتأججة وخيالها الجامح وبين الواقعية التي صنعها المجتمع بما توارثه من عادات وتقاليد وما سنه من شرائع وما قننه من قوانين وما قعده من قواعد وما ابتدعه من سلوكيات وذوق عام. لذلك فإن قصة حب من هذا الجانب تحدثنا عن الحياة الواقعية التي نحياها والتي تأثرت بكل تلك العوامل الإنسانية المتباينة والأزمات النفسية التي يعيشها مجتمعنا المتخبط بين الحق والباطل وبين الخير والشر والنزعات العاطفية والدينية التي تكاد تعصف بكل القيم المتوارثة إن قصة حب برومانسيتها وواقعيتها هي اللون الجديد الذي أرساه مؤلفها كنموذج ومثال أتمني أن تكون بداية للكتابات الاجتماعية ترينا الحق والعدل بقدر ما ترينا سوءات المجتمع, وفي نفس الوقت تحاول أن تضع أيدينا وعقولنا علي الحل لمشاكلنا وتأخذ بأيدينا الي مجتمع أكثر صلاحا دون إحداث الصدمة للجمهور بعرض الموبقات والدعارة وتعليم شبابنا طريق وطرق السرقة والقتل ولذة المخدرات والجنس الرخيص والحرام بدعوي أن هذه حقائق في المجتمع المصري الذي نعيش فيه ولابد من عرضها, أرجوكم يا كتابنا وفنانينا ارتقوا بالفن وارحموا شبابنا من الضياع فهم اسفنج يتشبع ويلتقط كل ما يرونه علي الشاشة, وحتي لا يضيع مجتمعنا تماما ونقضي علي البقية الباقية من القيم والأخلاق وحتي تعود بالتدريج إلي ما يصلح حياتنا بعد فسادها, والله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم.