أثار الداعية البروتستانت الأمريكي المثير للجدل د.بات روبرتسون عاصفة جديدة من الاستياء وأالاستهجان فور إطلاقه تصريحات وصفت ما حدث لهاييتي الدولة الكاريبية الصغيرة الفقيرة بأنه عقاب إلهي ولعنة طالت أهلها المؤمنين والممارسين لطقوس الفودو السحر الأسود. وجاء رد فعل الإدارة الأمريكية قاطعا وصريحا عندما خرج المتحدث الرسمي روبرت جيبس ليصف تصريحات روبرتسون بأنها غبية وغير ملائمة. ولا تعد هذه المرة ا لأولي للداعية البروتستانتي روبرتسون 80 عاما لاستفزاز مشاعر الآخر, إذ سبق له في2002 الإساءة للإسلام في شخص النبي محمد صلي الله عليه وسلم واصفا إياه بالعنف وكراهية أمريكا واليهود, ومع ذلك ذكر روبرتسون في2006 أن غيبوبة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق آرييل شارون, هي عقاب من الله, كما طالب باغتيال الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز لأنه لعنة, كما وافق علي التفسير القائل بأن ضرب برجي التجارة بنيويورك جاء نتيجة لانتشار المثلية الجنسية. ولعل ما يروج له روبرتسون من أفكار يتفق- بصورة تدعو للدهشة- مع ما يردده كارهوه من الدعاة المتشددين المتأسلمين وأنصار القاعدة الذين يفسرون الكوارث الدولية وفقا لتأويلات دينية تتربط ما بين الكوارث وانتشار الفساد في الأرض كما حدث مع ضرب برجي التجارة, وزلازل وتسونامي شرق آسيا. وقد جاءت تصريحات بات روبرتسون الذي سبق له الترشح في انتخابات الرئاسة الأمريكية في إطار برنامجه الاسبوعي الذي يبثه عبر شبكته التليفزيونية, حيث أكد أن ما حدث في هاييتي جزاء لما عقدته من تحالف فعلي مع الشيطان ليحررها من الحكم الاستعماري الفرنسي. وأضاف أن اللعنات أصابت هاييتي الواحدة تلو الآخري, مقارنا إياها بالوضع المستقر في جارتها المتدينة جمهورية الدومينيكان, التي تشارك هاييتي في جزيرة هسيبانيولا منذ ما يقرب من قرنين. وتعود الحكاية التي استند إليها روبرتسون إلي أن كهنة الفودو الهاييتين ضحوا بخنزير وشربوا دماءه في العام1791 من أجل ضمان الحصول علي مساعدة الشيطان في طرد المستعمرين الفرنسيين, علي أن يمنحوا الشيطان مائتي عام تالية انتهت بالفعل تبعا للقصة في1991. وعلي الرغم من هشاشة التفسير اللاهوتي لتاريخ الجزيرة, إلا أن هاييتي عانت علي مدار العقود السابقة من الفوضي وانتشار الفساد والفقر والجهل والبطالة والمرض, وسطوة اتباع طائفة الفودو المعترف بها دينيا, والمسموح لكهنتها بممارسة طقوسهم علانية ودون قيود, وهو ما زاد من انتشار ممارسي السحر الأسود. ولايبدو أن الكارثة الطبيعية التي ضربت تاهييتي ستتوقف عند الآثار الإنسانية كتحرك دول العالم وهيئاته لإغاثة الدولة المنكوبة, أوفتح باب الهجرة لسكانها الناجين كما فعلت كندا, ولكنها ستمتد لآثار سياسية منها منح الولاياتالمتحدة صلاحية إدارة مطار هاييتي بناء علي اتفاق مع رئيسها الحالي رينيه بريفال المنتخب في2006, في الوقت الذي أعلن فيه رئيس هاييتي السابق جان بيرتراند أريستيد عن استعداده للعودة إلي بلاده من منفاه الاختياري في جنوب افريقيا. وكان أريستيد الذي جاء كأول رئيس بعد إنهاء الاحتلال الفرنسي في1990, ثم تعرض للإطاحة به في انقلاب عسكري عام1991, ولكنه عاد للسلطة عام1994 بعد تدخل عسكري أمريكي, وشهدت فترة حكمه الثانية صراعات ما بعد انتخابات عام2000, التي أدت لتوترات أعقبتها انتفاضة مسلحة أطاحت به ثانية في2004, صاحبها ماتردد عن استخدام أريستيد للسحر الأسود في فرض سطوته وفي مساعدة أصدقائه من السياسيين ومنهم كلينتون في الانتخابات الأمريكية. وبعيدا عن التحركات السياسية والإشاعات المرتبطة بالسحر وصانعيه وسوء الوضع الحالي بالدولة الفقيرة, فإنه من اللافت للنظر ما أكدته معلومات تشير إلي أن ما أصاب هاييتي مؤخرا لم يكن بالمفاجأة الكبيرة للمتابعين والمتخصصين, وخاصة بعد الأعاصير التي أصابتها في2008 وأدت لمقتل نحو800 شخص ودمرت نحو15% من مصادر الدخل الوطنية, وما أعقبه من أحداث شغب وسطو. وكانت العديد من التقارير قد خرجت علي مدار العقد الماضي لتحذر من ارتفاع الكثافة السكانية, وانهيار البنية التحتية, وإمكانية حدوث الكوارث الطبيعية كالفيضانات والانهيارات الطينية والأعاصير والزلازل نظرا لوقوع هاييتي في منطقة ذات طبيعة جغرافية خاصة. وهو ما حاولت المساعدة في تجاوزه بعثة الأممالمتحدة البالغ عددها نحو900 فرد, لمساعدة الدولة التي تحتل المركز147 من قائمة برنامج الأممالمتحدة للتنمية التي تضم177 دولة, حيث يعيش80% من سكانها تحت خط الفقر أي بدخل يقل عن دولارين يوميا, وتبلغ بها البطالة نسبة65% ويعيش نصف سكانها في فقر مدقع, بينما يعاني ربع سكانها من سوء التغذية. وهكذا يبدو أن سوء حظ هاييتي لم يرتبط فقط باتفاقيتها المزعومة مع الشيطان لتحريرها من الاستعمار الفرنسي, ولكن بطول عهدها مع شيطان الفقر الذي أصاب الجزيرة في مقتل لينقلب سحره علي الجزيرة الساحرة.