لا أتذكر عدد المرات التي قرأت فيها أبحاثا وأوراقا ودراسات تخص قضية الدعم بكل تداعياتها وعناصرها المتشابكة وكذلك ما تطرحه من أسئلة مفتوحة دائما من عينه( هل تحبه نقديا او عينيا!!) ولعل هذا التنوع في الأبحاث والدراسات والآراء يوحي بأهمية القضية وحساسيتها لدي الأغلب الأعم من شعبنا المكافح. ومن ثم فالكل يدلي بالرأي والنصيحة وتظل القضية قائمة والمشكلة موجودة تبحث عن علاج, وأود في هذا المجال أن أطرح الملاحظات التالية: إذا أتفقنا علي أن الدعم لسلعة أو خدمة يعني بيع هذه السلعة أو الخدمة بسعر أقل من التكلفة مراعاة لظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية إذا اتفقنا علي ذلك فإن هذا لا يعني أننا بصدد اقتصاد ضعيف أو مهدد النمو ولكننا أمام ظاهرة أو موضوع يدخل في صلب النظام الاقتصادي القائم. منظومة الدعم في مصر تطورت بشكل مذهل في الاعوام العشرين الأخيرة, سواء من حيث مخصصات الدعم في موازنة الدولة أو من حيث شبكة المستفيدين من أفراد المجتمع وكذلك القوي المنتجة والموزعة التي تقدم السلع والخدمات المدعومة, هذه المنظومة المعقدة أصبحت بحاجة إلي مراجعة مستمرة علي مختلف المستويات لتقليص حجم الفاقد غير الضروري. أسلوب دعم السلع والخدمات سوف يستمر لفترة زمنية ليست بالقصيرة ومع الزيادة المطردة في عدد السكان لن تستطيع الموازنة العامة للدولة أن تتحمل الاعباء بلا نهاية مع اعترافنا بوجود ثقوب في منظومة الدعم تتسع مع الوقت ومع تزايد اعداد اصحاب المصالح مما يحتم ضرورة البحث في قضية ترشيد الدعم. من المفترض أنه مع تحقيق التقدم المنشود في ترشيد الدعم أن يحدث تحسن في مستوي معيشة المواطنين وترتفع طاقاتهم الإنتاجية مما يسمح بزيادة دخولهم وهذا يوحي بإمكانية حدوث تحريك نوعي وكمي في اعداد واحتياجات الفئات المستهدفة كل فترة زمنية محددة. لابد أن نتأمل القضية من منظور متكامل شامل, فالأمر لا يتعلق فقط بشبكة توصيل الدعم إلي مستحقيه أو المخصصات المالية التي تتحملها موازنة الدولة بل أن الأمر يتعدي ذلك بكثير ليتحول إلي كيفية إدارة إحدي السياسات الاقتصادية المهمة لرفع مستوي المعيشة وزيادة الدخول للطبقات غير القادرة( نسبيا) مما يسهم بشكل غير مباشر في زيادة كفاءة وفاعلية الطاقات الانتاجية الكلية داخل المجتمع, وبمعني آخر فإن الدعم كأسلوب اقتصادي ليس مجرد مسكن للألم ولكنه دواء يمكن استخدامه لفترة زمنية معينة لعلاج بعض الامراض والأوجاع الاقتصادية. لا يستطيع أحد أن ينكر الدور المهم الذي تلعبه وزارة التضامن الاجتماعي والجهد الملموس الذي يبذله وزير التضامن الاجتماعي في سبيل رفع كفاءة إدارة سياسة الدعم, سواء في مجال تحديد مستحقي الدعم أو التأهيل المستمر للمؤسسات المشتركة في عمليات الإنتاج والتوزيع ولكن حتي تؤتي هذه الجهود ثمارها فلابد من البحث عن آلية تضمن تبعية مؤسسات الإنتاج والتوزيع لوزارة التضامن الاجتماعي فمن غير المعقول أن تضع الوزارة الخطط والسياسات والبرامج ونأتي لمن ينفذها لنكتشف أن معظم من بيده التنفيذ يتبع وزارات أخري. ولذلك إذا أردنا أن نحول الدعم من مشكلة أو قضية إلي سياسة إقتصادية تساعد علي حل بعض المشكلات الاقتصاية فلابد من التفكير في نقل تبعية مؤسسات الانتاج والتوزيع( المنفذين لسياسة الدعم) الي وزارة التضامن الاجتماعي مما يحقق أغراض الرقابة وتقييم الأداء. علينا أن نعترف بأن الرسالة الإعلامية الموجهة للمجتمع بشأن قضية الدعم غير واضحة المعالم, والأهم من ذلك هل نحن مصرون علي أن نقول للناس ان الدعم شر لابد منه أم أنه سياسة اقتصادية يمكن استخدامها في ظل ضوابط ومحددات معينة في علاج العديد من المشكلات الاقتصادية مما يعود عليهم بالنفع الشخصي ويعود علي المجتمع بالنفع العام. عند تطبيق أي سياسة اقتصادية فهناك دائما الرابحون والخاسرون, وأعتقد أن وزارة التضامن الاجتماعي معنية بتحديد رؤية إستراتيجية واضحة لسياسة الدعم وإقناع فئات المجتمع بها وطرح باقة متنوعة من أساليب التنفيذ ولكنها لا تستطيع ان تفعل هذا بمفردها فالامر يحتاج إلي مشاركة كل العقول المستنيرة المهتمة من أجل زيادة اعداد الرابحين. عميد كلية التجارة جامعة عين شمس