أين الدور العربي الإسلامي المنسق والفاعل في مواجهة العديد من الكوارث والأزمات التي تلم بعالمنا؟ ثمة حاجة إلي تفعيل شبكة المؤسسات العربية والإسلامية القائمة واستثمار خلاصات عملها في التصدي لمختلف التحديات. ويدخل في هذا الإطار التفكير الجاد في إقامة فرق سلام بلا حدود, تسهم في التصدي لكثير من أشكال المعاناة الإنسانية علي مستوي العالم. لقد تابعنا باهتمام الاستجابات العالمية لنتائج الفيضانات في باكستان. ولا شك في أن حجم الكارثة وطبيعتها حالا دون إيصال المساعدات ومواد الإغاثة إلي المنكوبين بأسرع وقت. غير أن هذا يستدعي منا التأمل في آليات التعامل مع مثل هذه الكوارث. فإن التنسيق بين المؤسسات المعنية علي المستويين الرسمي وغير الرسمي قبل وقوع الكوارث أمر ضروري من أجل تحقيق الاستجابة المثلي لها دوليا ومحليا والتخفيف من الأضرار الناجمة عنها. وهنا أشيد بجهود البنك الآسيوي للتنمية, الذي تبرع بملياري دولار كوديعة ستسهم في تطوير البني التحتية في باكستان خلال الأسابيع المقبلة. فالكوارث سواء أكانت طبيعية أو يمكن التنبؤ بها أو متعمدة أو عارضة, تتطلب استجابة مدروسة تستند إلي برامج مؤسسية تتمتع آليات تنفيذها بشفافية عالية تضمن فعالية وسرعة التعامل مع الكوارث وتداعياتها المأساوية من أمراض وأوبئة وخسائر مادية ومعنوية. إن العالم بحاجة إلي نهج مشترك في التعامل مع التحديات العالمية; يأخذ بالحسبان البيئة الطبيعية والبيئة الإنسانية. فإذا تحقق ذلك, نصل إلي الوحدة العضوية المنشودة بين الإنسان والطبيعة وأخلاقيات المسئولية الكونية. فما نطلبه هو وضع الإنسان في صلب معادلة الكرامة الإنسانية: كيف نغلق الفجوة في معادلة هذا الإنسان بين الفقر والغني؟ كنت أتطلع منذ سنوات عديدة إلي تحقيق التنمية الشاملة في البلاد الإسلامية, والاهتمام بمشروعات التأهيل والتنمية, من خلال توظيف أموال الزكاة في مشروعات استثمارية إنتاجية تعود بالنفع علي المجتمعات الإسلامية وفقرائها. ومن هنا كانت دعوتي إلي إقامة صندوق عالمي فوق قطري للزكاة والتكافل, وهي دعوة أطلقتها منذ أكثر من ربع قرن. وقد أطلقت ماليزيا أخيرا أول صندوق عالمي لاستثمار أموال الزكاة. وهذا جهد محمود نأمل أن يمثل أنموذجا حيا لمفهوم أداء الزكاة: تكافل مجتمعات وعطاء خير ونماء حياة وتحقيق أمن إنساني شامل. يقول الله تعالي:( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم)( سورة التوبة, الآية60). إن تطبيق المعني الإنساني لمفهوم الزكاة بمصارفها الثمانية من شأنه أن يسهم بدرجة عميقة في تخفيف معاناة الملايين من المهجرين والمرحلين واللاجئين والمقتلعين والمهمشين في العالم. فالأمة لا تعرف حدودا, ورسالتها الإسلامية الإنسانية العالمية تدعو إلي التضامن والتكافل ومسح آلام المنكوبين. وفي هذا المجال, لا بد من إعادة التفكير في القواعد الفلسفية للنظم الاجتماعية العالمية; فمحاولات الإصلاح يجب أن تتضمن إعادة النظر في القيم التي تحتويها تلك النظم. وبينما نفكر مجددا في القواعد والأساسيات, لا بد من إلقاء نظرة أوسع علي العوامل الخارجية التي تزعزع العلاقات الهشة, والتي تعيق التعاون الإقليمي والاستقلال المتكافل علي مستوي الدول والمؤسسات والأفراد. وآن الأوان لتفعيل مفهوم الاستثمار من أجل الكرامة الإنسانية عن طريق إيجاد أشكال جديدة من التعاون بين الشعوب والأمم. وأشير هنا إلي منتدي غرب آسيا وشمال إفريقيا( وانا) الذي نعمل من خلاله علي تحديد الهموم الإنسانية المشتركة. بذلك, يصبح بمقدورنا صياغة مقترحات لبرامج قابلة للتنفيذ يتم تقديمها إلي صانعي القرار. ونحن الآن بصدد تطوير مشروع إقامة فرق سلام بلا حدود, تنسق مع كافة فرق السلام الراغبة في التعاون والعمل المشترك, وآمل أن تكون المشاركة الإسلامية والعربية فيها كبيرة. وسيكون للشباب من خلالها الفرصة للمساهمة في هذا الجهد الإنساني, فيتم تفعيل الملايين منهم ممن فقدوا الثقة بسبب الروتين والبيروقراطية والفساد ولكنهم يطمحون إلي العمل في خدمة الآخرين. وفي هذا الشهر الفضيل, أذكر بأهمية تحويل الإنفاق علي المواسم والأعياد المسيحية والإسلامية إلي قيمة إنسانية, بحيث يتم صرف ولو نسبة بسيطة منها لمساعدة المناطق العربية والإسلامية الفقيرة. صحيح أن التحدي الذي نعيشه في هذا الجزء من العالم هو كيفية مواجهة التضارب الدولي والمعايير المزدوجة التي نجد أنفسنا نخضع لها سنة بعد أخري. لكننا اكتفينا في المنطقة من كوننا موضوعا لسياسات التنمية, وحان الوقت لأن نكون مادة فعلية للتنمية ومساهمين فيها علي مستوي الإقليم والعالم. فالتنمية حاسمة في تقرير مصيرنا ومصير الأجيال المقبلة. إن الحوار الأكثر نفعا هو الذي يجب أن يتم بين العرب والمسلمين وليس بين الغرب والعالم الإسلامي. فقد ساهم العرب إلي حد ما فيما نشب من مشكلات بيننا وبين الغرب. فهم يتحملون جزءا من المسئولية فيما آل إليه الحال. لذا أدعو إلي سيرورة شاملة في المنطقة للمصالحات الوطنية, ليبقي لنا وطن, وللمصالحة القومية حتي يكون لنا وزن ضمن خارطة التكتلات الدولية المؤثرة. إن ضياع الإرادة ناجم عن عدم وجود حوار بين العرب والمسلمين. وتقتضي الإرادة إضاءة شمعة في هذا الظلام الدامس الذي أخرس صوت العقل أو أي أصوات تقوم علي الشوري وتهدف إلي إعادة بناء الهويات الإسلامية ضمن الأمة التي تستطيع أن تحتوي كافة الاجتهادات الخيرة لإسلام يصلح لكل زمان ومكان.