يقول د. بهاء حسب الله كلية الآداب جامعة حلوان شهدت فترة مصر الإسلامية التاريخية حركة علمية وخاصة في نطاق العلوم الإسلامية والشرعية. كعلوم الفقه والحديث والقراءات والتفسير وعلوم القرآن, وهي الفترة التي حددها علماء التاريخ وأساتذته وشيوخه بالمرحلة التي شهدت دخول الفاطميين إلي مصر سنة358 ه, مرورا بدولتي الأيوبيين والمماليك, وحتي سقوط الدولة المملوكية الثانية بعد دخول سليم الأول العثماني مصر سنة923 ه, والسبب الدور الكبير الذي قام به( نازلو مصر وزائروها) خاصة من المغاربة وأهل جزيرة العرب, والذين وجدوا في مصر المناخ الملائم للقيام بالأدوار التعليمية والتنويرية والفكرية, وهم يمثلون كثرة لا تحصي ولا تعد, ومن رموزهم الشيوخ الكبار: أبو العباس المرسي, والسيد البدوي, وإبراهيم الدسوقي, وأبو الحسن الشاذلي, والإمام الشاطبي, والعجمي, والحافظ السلفي, والقنائي, والتلمساني, والطرطوشي, والخيمي, والبرقي والنيسابوري, وغيرهم العشرات والعشرات. أما اهتمام أهل مصر وعلمائها بعلم الحديث وروايته فهو مردود إلي عصر صدر الإسلام ذاته في القرن الأول الهجري, منذ أن وطئها حفاظ الحديث النبوي ورواته من الصحابة الكرام, وفي مقدمتهم أبو ذر الغفاري, وكثر حفاظ الحديث ورواته في مصر في القرن الثاني الهجري ومن أهمهم أبو زرعة المتوفي سنة158 ه, وابن لهيعة المتوفي سنة174 ه, والليث بن سعد الفقيه المشهور, وعبد الله بن وهب, وعبد الرحمن بن القاسم تلميذا الإمام مالك والإمام الشافعي, وكذلك من كبار الحفاظ أحمد بن صالح المتوفي سنة248 ه والحارث بن مسكين المتوفي سن 250 ه, ويونس بن عبد الأعلي المتوفي سنة264 ه, ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم المتوفي سنة268 ه. ولاشتهار مصر بحفاظ الحديث نزلها في طلبه من أصحاب الصحاح الستة.. البخاري, ومسلم, وأبو داود, وابن ماجه, والنسائي, واتخذها النسائي دار مقام له حتي توفي سنة303 ه, ومن مصنفاته: السنن الكبري والصغري, وهي إحدي كتب السنن الكبار, وكان له تلاميذه وحفظته بكل ربوع مصر. وتتجلي في القرنين الخامس والسادس الهجريين حركة علم الحديث, ويتضاعف دورها, وتظهر الإسكندرية علي خريطة العالم العربي والإسلامي باعتبارها دارا بحق للحديث النبوي الشريف, مركزا من مراكز نشره وروايته علي حد قول الأستاذ الدكتور فوزي أمين في كتابه المهم( الحركة الفكرية في الإسكندرية في القرن السادس الهجري) لا في مصر وحدها بل في العالم الإسلامي كله, وعلي رأسهم الإمام الكبير الحافظ السلفي, وإن القاريء ليهوله كثرة هذا العدد من الوافدين إلي الإسكندرية من المشرق والمغرب للسماع والحفظ, وهذا ما يؤكده صاحب( شذرات الذهب) في جزءيه الرابع والخامس, وصاحب( نفح الطيب) في جزئه الثاني, وصاحب كتاب( الصلة) وهو ابن بشكوال الذي قال:( إن الإسكندرية قصدها المئات في عام530 ه وحده لينهلوا من علم الحافظ السلفي.. شيخ الحديث بالثغر). حتي ليخيل لمن يرجع إلي( معجم السفر) للإمام السلفي نفسه بأن أهل المدينة كلهم محدثون, بما في ذلك التجار والصناع, حتي المرأة كان لها دورها في حفظ الحديث. وقد عرفت الإسكندرية في القرن السادس الهجري الشيخة الأديبة( ترفة بنت أحمد بنت إبراهيم الرازي), والتي أسماها الشيخ السلفي ب( عائشة) لكثرة حفظها للحديث النبوي, وقيل إنها حفظت أكثر من ألف حديث علي يد الشيخ السلفي, وكان لها مجلس لراوية الحديث وشرح غريبه. ويرجع العلماء السبب في إقبال أهل الإسكندرية علي الحديث وروايته إلي عوامل, منها أنها كانت رباطا وثغرا من أهم ثغور الجهاد ومثوبته, ولذلك غلب علي المدينة الزهد والتدين, وعرفت بكثرة الصالحين والمتعبدين. ومن هذه العوامل أيضا أن الغالبية من أهل الإسكندرية كانوا علي مذهب الإمام( مالك), ومالك في الأصل محدث قبل أن يكون فقيها, وكتابه الموطأ والذي هو عمدة مذهبه أدخل في باب الحديث منه في الفقه. وأشهر رواة الحديث في الإسكندرية: وحفاظه وأصحاب مجالس الحديث الشيخ أبو الحسن علي بن المفضل المالكي. ومنهم أيضا أبو عبد الله الرازي الذي عرف ب( ابن الخطاب), وكان مسند الديار المصرية, وأحد عدول الإسكندرية. والشيخ( أبو محمد عبدالله الديباجي) والمعروف ب( ابن أبي إلياس) والشيخان: أبو طالب أحمد بن حديد ومنصور بن سندي الدباغ الإسكندراني.