المباريات الرياضية دخلت عالم الاستثمار, والاحتكار من أوسع أبوابه!. ومن الآن فصاعدا, لن تكون مشاهدة مباريات كرة القدم أمرا سهلا, ولا بالمجان السبب هو ظهور بيزنس التشفير الرياضي, الذي ابتدعته شبكة تليفزيون العربART, ومن بعدها قناة الجزيرة.التي صارت تحتكر حقوق بث المباريات بدءا من بطولة كأس الأمم الإفريقية الحالية, وحتي كأس العالم في عام2014, بموجب صفقة تجاوزت الملياري دولار!. وإذا كانت قناة الجزيرة قد فاجأت مشاهدي, وعشاق الكرة المصرية, أمس الأول بإذاعة مباراة مصر ونيجيريا بدون تشفير علي القناة الثانية الرياضية, ووعدت بنقل مباريات مصر, وتونس بالمجان, فإن ذلك لايعني أننا من حقنا أن نستمتع بمشاهدة باقي البطولات الرياضية.. ويبقي السؤال: هل هذا البث المجاني المؤقت سوف يحل مشكلة احتكار نقل مباريات كرة القدم نهائيا؟.. بالطبع لا, ذلك ان مشكلة الاحتكار سوفت تظل قائمة في بطولات قادمة, هناك مباريات كأس العالم في البرازيل في عام2014, وبطولة كأس العالم في عام2018, وأخري في عام2022, وهناك مباريات قادمة لكأس الأمم الافريقية, وهكذا.. ولاشك أن المأساة سوف تتكرر ما لم نتدرب علي فكرة اقتحام مزادات نقل المباريات, بكيان قوي يدخل المزادات بقوة, واحترافية, ويشتري حقوق البث, حتي لاتصبح جماهير الكرة تحت رحمة المحتكرين!. بداية سرطان الاحتكار! نبدأ الحكاية من البداية, فقبل20 عاما, كان الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا يقوم بتوزيع حقوق البث علي المنطقة العربية وافريقيا وآسيا من خلال اتحاد اذاعات الدول العربية, والاتحادات الإذاعية المماثلة في إفريقيا, وآسيا, ويقوم اتحاد اذاعات المنطقة العربية ببيع هذه الحقوق ل22 دولة, وكان المبلغ المدفوع في نقل المباريات لايتجاوز نصف مليون دولار, وكانت هذه الأسعار في متناول كل الدول, وفجأة انقلبت الصورة, فقد قام الفيفا ببيع هذه الحقوق للشبكة العربية لتليفزيون العرب(ART), فانتقلت اللعبة إلي ملعب الأخيرة, ونشأ بيزنس التشفير الرياضي, الذي يتسم بقواعد جديدة, تجعل المحتكر يفرض شروطه, وأصبح الربح هو القاعدة الحاكمة, بغض النظر عن أخلاقيات الإعلام, والحق في المشاهدة!. أما لماذا اتجه الفيفا, والكاف لبيع حقوق نقل المباريات الرياضية, فتفسير ذلك ان الاتحادات الرياضية لكرة القدم, وفي مقدمتها الفيفا, قد استجابت لضغوط الأندية التي شكت مرات عديدة من ارتفاع أسعار شراء اللاعبين في صفقات الأندية, والتي تصل إلي ملايين الدولارات, فضلا عن القيمة المالية المرتفعة لعقود احتراف اللاعبين, وبالتالي فإن بيع حقوق البث للمباريات هو طوق النجاة الذي سوف يمكن الأندية من الاستمرار في ممارسة النشاط الرياضي الكروي, وإلا فسوف تندثر كرة القدم من الأندية في العالم, من هنا قرر الفيفا, والاتحادات القارية الرضوخ لضغوط الأندية, لتدخل حقوق بث مباريات كرة القدم عالم البيزنس!. المزاد لمن يدفع أكثر وكانت الخطوة التالية هي بيع حقوق البث بالمزاد لمن يدفع أكثر, ويصبح من حق الفائز بالمزاد أن يفرض شروطه, فهو يشتري الحق الجملة, ومن ثم يبيعه بالقطاعي لكل دولة علي حدة, وبأسعار تختلف من دولة إلي دولة. الاحتكار الرياضي كما يقول أمين بسيوني رئيس اللجنة الدائمة للاعلام في جامعة الدول العربية كان مجالا لمناقشات عديدة من خلال اللجنة الدائمة بحضور وزراء الإعلام, والرياضة العرب, وبحضور الأندية الرياضية الكبري في المنطقة, ومع أن وزراء الإعلام العرب كانوا حريصين علي الجمهور, ومتعاطفين معه, لكن في النهاية, اتفقت كل الأطراف علي أن شراء حقوق البث في النهاية هو عملية تجارية أو( بيزنس) لايمكن إخضاعه لأية قواعد, حتي لايستفيد طرف علي حساب طرف آخر, وظلت المشكلة ولاتزال قائمة حتي الآن!. وللأمانة, فقد حاربت حينما كنت مسئولا عن اتحاد الاذاعة والتليفزيون لتحرير النشاط الرياضي من الاحتكار, وعقدت اجتماعا لاتحاد إذاعات الدول العربية, والافريقية, والآسيوية, واتفق الجميع علي أن سياسات بيع حقوق البث بالجملة مسألة لايمكن إلزام الاتحادات بها, بسبب تغير قواعد اللعبة, وانتهاء سياسة البيع بالجملة, ودخلت حقوق بث المباريات المزاد, ومن يدفع أكثر يفوز بالصفقة, ثم يبيع هذه الحقوق بالقطاعي للدول المختلفة الراغبة في الشراء, ولاشك أن قاعدة العرض والطلب هي التي تحكم هذه العملية, والفيفا هو نقطة الالتقاء بين بائع حقوق البث للمباريات الرياضية ومشتريها. عصر التليفزيون المدفوع التليفزيون المدفوع, أو المشفرة وفقا للدكتور عدلي رضا أستاذ ورئيس قسم الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة, صار سمة من سمات العصر الحديث, ولكي تحصل علي خدمة لابد أن تدفع, وبالتالي لابد من تهيئة الرأي العام المصري لهذه الظاهرة, والتكيف معها, وفي حالة صفقة قناة الجزيرة التي عقدتها مع تليفزيونART)), تم فرض شروط مجحفة علي مصر حيث تم السماح لل13 دولة المشاركة في البطولة بالنقل الأرضي للمباريات, في المقابل تم حرمان دول الشمال الإفريقي( مصر وتونس والجزائر) من هذا الحق, ومن الشروط المجحفة التي تم فرضها علي مصر, أن يسمح لها بنقل10 مباريات, منها3 مباريات تلعب فيها مصر, وال7 مباريات الأخري تحددها قناة الجزيرة, ويتعجب من تصرفات تليفزيونART الذي باع حقوق البث, وتجاهل حقوق المشتركين في القنوات الرياضية المشفرة, تم تدارك ذلك فيما بعد, وقرر رد رسوم الاشتراك للمشتركين بعد اتمام الصفقة مع قناة الجزيرة. ويتعجب الدكتور عدلي رضا من موقف اتحاد الكرة, الذي كان عليه أن يمارس ضغوطه علي الاتحاد الافريقي لكرة القدم لكي تتمكن مصر من النقل التليفزيوني الأرضي للمباريات مثلما سمح ل13 دولة مشاركة في البطولة بهذا الحق لكننا لابد أن نتعامل مع الواقع الجديد, وأن ندرك أن الرياضة صناعة, واستثمار وبيزنس, وصفقات, وأن نعلم جيدا أن قناة الجزيرة تريد أن تسيطر علي المضمون الرياضي, فدخلت عالم الاحتكار بكل قوتها, وأن الاتحادات الدولية والقارية تتعامل مع الرياضة علي أنها بيزنس, في المقابل أصبح من الضروري أن يقوم اتحاد اذاعات الدول العربية بإنشاء قناة رياضية مشفرة تشتري حقوق بث المباريات ثم تتولي بيعها لكل المنطقة العربية, وألا سوف تظل قناة الجزيرة تحتكر كل البطولات القادمة, وحتي يتم انشاء القناة الرياضية العربية المشفرة المقترحة, يجب أن يقوم المجلس القومي للرياضة بإنشاء ساحات للمشاهدة الجماعية للمباريات في مراكز الشباب, والأندية, من خلال اشتراك واحد يتم البث من خلاله لكسر شوكة احتكار البث الرياضي! كسر شوكة الاحتكارات الرياضية الاحتكار الرياضي أصبح أمرا واقعا يجب التصدي له.. هكذا قال لي وليد حسني رئيس قناة مودرن سبورت, فقد انشغلنا نحن في تبادل الاتهامات, وتصفية الحسابات, والتفرقة بين الإعلام الرسمي والخاص, مع أننا نعمل جميعا تحت اسم مصر, وكلنا إعلام مصري سواء كان هذا الإعلام رسميا أو حكوميا, كما تخلينا عن وضع رؤية شاملة لمواجهة ظاهرة الاحتكار,, والحل يكمن هنا في اتحاد الإعلام المصري الحكومي والخاص لدخول مزاد بيع حقوق بث المباريات, بدلا من أن تفوز بها قناة فضائية واحدة, ولو اجتمعنا واتحدنا وفي الاتحاد قوة لكنا وصلنا الي حل نواجه به احتكار بث البطولات الرياضية العالمية, والقارية, لكنه في النهاية يري أن تقصيرا ما حدث من جانب اتحاد الكرة, الذي لم يتفاوض, ولم يمارس دورا في إتاحة النقل الأرضي للمباريات, وهو الحق الذي تتمتع به13 دولة مشاركة في البطولة باستثناء مصر, وتونس, والجزائر, ولا شك أن ماحدث من احتكار في إذاعة مباريات كأس الأمم الأفريقية يمثل انتقاصا من قدر, وقيمة الاعلام, والمشاهد المصري علي السواء! ويسألني: كيف نكسر شوكة الاحتكار للبطولات الرياضية القادمة؟.. ويبقي السؤال بلا اجابة مادمنا قد تركنا الساحة للمحتكرين!! أخلاقيات الإعلام.. أين ذهبت؟ الاحتكارات الفضائية ظاهرة سلبية, ترفضها الدكتورة ماجي الحلواني أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة, وعضو مجلس إدارة اتحاد الكرة بالتعيين, وتعترض علي المبالغة في رسوم المشاهدة للمباريات المشفرة, وتؤكد أن نسبة الاحتكارات زادت, مما يدفعنا للسؤال التالي: ماذا سنفعل في كأس العالم في ظل هذه الاحتكارات؟ وتضيف: لابد أن يقوم الفيفا, والكاف, بوضع ضوابط لمسألة الاحتكارات, وتلفت الانتباه في الوقت نفسه الي أن الإعلانات تستطيع أن تغطي تكلفة شراء حق البث, والواقع يؤكد ذلك, فمعظم الإعلانات علي قناة الجزيرة لمنتجات مصرية,.. ويبقي أن ما يحدث من احتكار يتنافي مع أخلاقيات الإعلام, الذي يجب ألا يكون هدفه الربح فقط, وإنما هناك أهداف تثقيفية, وتوعوية, وترفيهية, وتعليمية, لا يجوز حرمان المشاهد منها, والمؤكد أن المشاهدالمصري لن يعجز عن مشاهدة المباريات, ولديه من الوسائل, والبدائل التي يستطيع من خلالها تحقيق متعة المشاهدة. الرياضة.. فكر استثماري بينما يري الكابتن أيمن يونس عضو مجلس اتحاد الكرة أننا لم نعش بعد عصر الاحتكارات الرياضية, ولابد أن نتوقع ما هو أسوأ من ذلك, لأن المستقبل محسوم لمحتكر واحد هو قناة الجزيرة الرياضية التي تتعامل مع المسألة من منظور اقتصادي بحت, ويسألني: هل دور التليفزيون المصري يقتصر علي شراء بضاعة مبيعة لآخرين, أم عليه أن ينافس القنوات العالمية, ويدخل عالم صفقات بث المباريات الرياضية؟ والمسئولية ليست مسئولية التليفزيون, لأنه كجهاز اعلامي لم يقصر, بقدر ما هي مسئولية حكومة لابد أن تفكر بشكل جديد, فكما هي تستثمر في البترول, والمشروعات الصناعية, والعقارية, عليها أن تتعامل مع الرياضة كاستثمار يمكن أن يدر ملايين الجنيهات, فهي يجب أن تكون مكملة لشخصية الاقتصاد المصري كي لا نتسول فرجة المباريات من قنوات فضائية أخري تبيع وتشتري في المشاهد المصري, وتحرمه من متعة المشاهدة. أما من يتهمون اتحاد الكرة بالتقصير في التفاوض مع الفيفا أو غيره لبث المباريات, فهؤلاء لا يدركون مهمة الاتحاد, ثم يبادرني بسؤال: هل حماية وأمن البعثات الرياضية مسئوليتنا؟ وهل شراء حقوق البث, او انتزاعها مسئولية الاتحاد ايضا؟ في النهاية لابد أن يكون قرار شراء حقوق البث هو قرار دولة, ومن الضروي أن نتعامل مع الرياضة علي أنها استثمار لا مكسب وخسارة مباريات, هذا هو الفكر الجديد الذي نتطلع اليه. انتهت القضية.. وتبقي جماهير الكرة تحت رحمة المحتكرين, حتي إشعار آخر!!