دخلت السياحة العالمية مرحلة جديدة في دائرة الحصار الأمني حيث أظهرت واقعة محاولة الاعتداء الفاشلة التي قام بها راكب نيجيري محسوب علي تنظيم القاعدة علي طائرة الركاب الأمريكية وهي في رحلتها من أمستردامبهولندا الي ديترويت بالولاياتالمتحدة. وجود حاجة ضرورية وعاجلة لسد الثغرات الأمنية في حركة النقل الجوي التي أصبح واضحا أنها مازالت موجودة ولم تتم معالجتها بشكل كامل منذ هجمات11 سبتمبر2001 علي الولاياتالمتحدة, وهو مايلقي بظلال كثيرة قاتمة علي مستقبل صناعة السياحة العالمية. وأكدت الاتصالات والاجتماعات المتتالية التي قام بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع مسئوليه الأمنيين, واعتراف وزارة الأمن الداخلي الأمريكية بوجود قصور أمني خطير في عملية تأمين سلامة النقل الجوي أن صناعة الطيران والسياحة العالميتين في طريقهما الي رسم خريطة جديدة تقوم علي إعادة النظر في كل الإجراءات الأمنية السابق اتخاذها منذ2001 ومراجعة السياسات القائمة. وأول ملامح الخريطة الأمنية الجديدة علي الصعيد العالمي نقل تعليمات وتحذيرات جديدة من السلطات الأمنية الأمريكية الي باقي المطارات في العالم بشأن طرق تفتيش ومراقبة المسافرين, مع وضع إجراءات أكثر تشددا لمراقبة المسافرين الي المطارات الأمريكية تحديدا. وثاني هذه الملامح هو التعامل بجدية بالغة مع كل المعلومات عن تهديدات وتحركات مريبة لركاب أو أي أشخاص آخرين لمنع وقوع أي عمليات ارهابية تستهدف حركة النقل الجوي, وتعيد الأمور الي نقطة الصفر من جديد. وثالث هذه الملامح هو ضرورة التأكيد علي زيادة إجراءات الأمان علي متن الطائرات نفسها. وبالعودة الي الملمح الأول, سنجد أن التقارير الاعلامية حملت إلينا طوال الاسبوعين الماضيين أنباء تفيد بأن أجهزة الماسح الضوئي عن تفتيش ومراقبة متعلقات وأجسام المسافرين عرايا باتت أمرا ضروريا يجب توافره في كافة المطارات العالمية, كما شملت الإجراءات تخفيض شركات الطيران للوزن المسموح بحمله علي متن الطائرات, فضلا عن تشديد إجراءات مراقبة جوازات السفر. وكان وزير النقل البريطاني اللورد أدونيس قد اقترح دراسة احتمال اعتماد الماسحات الضوئية التي تراقب أجسام المسافرين بشكل كامل في المطارات, وكذلك مراقبة وفحص الحقائب التي تصعد الي الطائرات, سواء مع الركاب أو مع الحقائب الجماعية للمسافرين. لكن الدعوة الأمريكية بضرورة تعميم استخدام جهاز الماسح الضوئي للأجسام بادي سكانر في كل مطارات دول العالم, خاصة لفحص ركاب الرحلات الجوية المتجهة الي الولاياتالمتحدة, ردود فعل متباينة في مختلف أنحاء العالم, مابين مؤيد للدعوة ومطبق سريع لها علي غرار بريطانيا وفرنسا, وبين معارض لها ورافض لتنفيذها. لدرجة أن الخبراء يؤكدون ان استخدام هذه الأجهزة أحدثت نوعا من الخوف أو الرعب عند المسافرين قد يؤثر علي حركة السياحة والسفر في العالم. فبعد أن بدأت بعض الدول الأوروبية في تطبيق نظام فحص الركاب والمسافرين بجهاز الماسح الضوئي للأجسام, أعرب جيل دي كورشوف المنسق الأوروبي لشئون مكافحة الارهاب عن معارضته لتعميم استعمال هذه الأجهزة في المطارات الاوروبية تحديدا. وقال المسئول الأوروبي لصحيفة فايننشال تايمز دوتشلاند الألمانية: لسنا مضطرين بالضرورة الي استعمال الأجهزة بشكل منتظم مع جميع الركاب وعلي جميع الخطوط الجوية, بل يمكن ان تختار بعض الرحلات وتستخدم أجهزة المسح الضوئي لتصوير ركابها, وربما فئة أخري من المسافرين. وأضاف إذا كانت حماية الحياة الخاصة مضمونة, وإذا كانت الأجهزة تتيح إجراء مراقبة أكثر فاعلية, فأنا مع قرار سريع, معتبرا أنه من المفضل ان يصدر قرار في هذا الشأن من المفوضية الاوروبية. وكانت الرئاسة الاسبانية للاتحاد الاوروبي يدعمها رأي خبراء الطيران في الدول الأوروبية قد طالبت باتخاذ موقف موحد حيال استعمال أجهزة المسح الضوئي. وقررت دول مثل هولندا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا تجهيز مطاراتها بأجهزة المسح الضوئي, في حين أعربت ألمانيا واسبانيا عن تحفظهما. كما لم ترحب سويسرا باستخدام هذه الأجهزة. في الوقت نفسه, أعرب الاتحاد الدولي للنقل الجوي إياتا عن تفهمه الكامل لمدي أهمية تطبيق إجراءات أمنية حكومية طارئة في المطارات ومن بينه تعميم أجهزة المسح الضوئي لأجسام المسافرين بهدف تحقيق الأمن علي متن الطائرات, خاصة في أعقاب فشل محاولة راكب نيجيري تفجير طائرة الركاب الأمريكية التابعة لشركة ننورث ويست ايرلاينز التي كانت متجهة من أمستردام في هولندا وديترويت بالولاياتالمتحدة يوم25 ديسمبر الماضي. وقال اتحاد إياتا في بيان أصدره عبر موقعه الرسمي علي الانترنت ردا علي الجدل المثار حول تجهيز مطارات العالم بأجهزة المسح الضوئي الأمن مسئولية الحكومات, وإجراءات الطواريء من هذا النوع يجب ان تخضع للمراجعة. وكانت الادارة الأمريكية لأمن النقل الجوي تي. إس. ايه قد أصدرت إعلانا بتاريخ3 يناير الحالي باحلال نظام الفحص الضوئي بنسبة100% لأجسام المسافرين بدلا من النظام المعمول به حاليا في كل المطارات بالنسبة للرحلات المنطلقة الي الولاياتالمتحدة نتيجة للتهديدات الحالية, والتي أثبتت محاولة تفجير طائرة ديترويت الفاشلة مؤخرا انها مازالت مستمرة. وأضاف اتحاد إياتا أن اعلان3 يناير يتماشي مع طلبات إياتا نفسه التي قدمها في خطاب كان قد بعث به الي جانيت نابوليتاتو وزيرة الأمن الداخلي الأمريكي يوم28 ديسمبر الماضي. وقال جوفاني بيسينياني المدير العام للاتحاد الدولي للنقل الجوي: إنه من المهم للغاية أن يتم تحديد أكثر الوسائل فعالية وكفاءة للتعامل مع هذه التحديات القائمة. وأضاف ان درسا واضحا تعلمناه من هذه الحادثة( حادثة طائرة ديترويت) وهو أهمية دمج إجراءات فحص المسافرين بجهاز الماسح الضوئي للأجسام مع عمل المخابرات والمعلومات التي يتم جمعها عن بعض المسافرين. وهناك مخاوف من أن يؤثر تطبيق النظام الجديد لفحص أجسام الركاب والمسافرين بهذه الأجهزة بشكل سلبي علي حركة السفر والسياحة, خاصة لدي الدول التي تعتمد علي صناعة السياحة كمصدر رئيسي للدخل الوطني, كما سيلقي هذا النظام بمزيد من العبء علي مسئولي الأمن في هذه الدول وسلطات المطارات, فضلا عن تأثيره علي تأخير إقلاع بعض الرحلات الجوية, وإيرادات شركات الخطوط الجوية, علما بان إجراءات التفتيش الذاتي للمسافرين المتبعة في كثير من مطارات العالم تتسبب بالفعل في امتداد عمليات تفتيش الركاب لساعات كاملة.