حين يتعلق الأمر بمياه النيل التي تعتمد عليها مصر بنسبة95% يعني ذلك أننا نتحدث عن مصدر الحياة في هذا البلد, وقد جسدت الآثار المصرية هذه الحقيقة في لوحة صورت مركبا ضم الفرعون متحدا مع رمز النيل حابي ومع رمز العدالة ماعت ووسط شواغلنا فوجئنا بأن حابي في خطر. حصة مصر التاريخية من مياه النيل تتعرض الآن إلي النقد والمراجعة في الوقت الذي تحتاج فيه مصر وبشدة إلي11 مليارا أخري بسبب الزيادة الكبيرة في أعداد السكان ومعدلات الاستهلاك واحتياجات التنمية. ذهبت الأهرام هناك إلي منطقة البحيرات العظمي إلي وادي المنابع كما اطلق عليه هذا الاسم قدماء الرحالة والمستكشفين لترصد الواقع وتستطلع المستقبل وفي الذهن سؤال ملح كيف تحافظ مصر علي حقوقها التاريخية, وحصتها من نهر النيل؟ سوفي منتجع منيونيو في كمبالا قابلت الأهرام واحدا من مهندسي السياسة الاثيوبية وهو البروفيسور إبراهام كنفي وكنت قد أجريت معه حوارا مماثلا في ابريل عام2004, فقلت له أنتم تطالبون بإعادة توزيع حصص مياه نهر النيل بصورة أكثر عدالة وهي مسألة تثير الانتباه ففي حين تعتمد مصر علي مياه النيل بنسبة95% فان نسبة اعتماد اثيوبيا التي تقود الحملة1% وكينيا2% وتنزانيا3% والكونجو1% ورواندا1% وبوروندي5% والسودان15% وأوغندا2% ذلك أن كثافة هطول الأمطار علي تلك البلدان1600 مليار متر مكعب سنويا تقلل من أهمية مياه النيل بالنسبة لها, فرد قائلا هذا صحيح لكننا ننظر إلي المستقبل خاصة احتياجاتنا التنموية في مجال الزراعة الدائمة وتوفير مياه الشرب للسكان والكهرباء واحتياجات الصناعة وغيرها, وبادرني قائلا: إن الاتفاقيات التي تستند إليها مصر وقعت في عهد الاستعمار البريطاني وان سلطة الاحتلال فرضت علينا تلك الاتفاقيات لأننا كنا تحت الاحتلال لكن بعد الاستقلال الأمر اختلف فقلت له أولا ان اتفاقيات1902 و1929 وقعتها مصر مع اثيوبيا المستقلة, ولم تكن اثيوبيا تحت الاحتلال وهو شأن اتفاقية1993 مع النظام الحالي عندكم, ومن ناحية أخري فإن الاتفاقيات التي خلفها الاستعمار في إفريقيا هي التي أنشأت الدول الإفريقية ومنها دول حوض نهر النيل بالوضع الذي هي عليه الآن, لذا فإن الاتحاد الإفريقي أقر مبدأ غير قابل للنقض منعا لتفتت الدول بسبب الصراع علي الحدود ومنعا للفوضي وهو عدم نقض تلك الاتفاقيات, كما أن معاهدة الانهار الدولية تنص علي مبدأ إقرار الحقوق التاريخية المكتسبة في الموارد المائية, وتعتبر ان مياه الانهار مورد طبيعي مشترك لايخضع لسيادة دولة بذاتها. فانفعل المسئول الاثيوبي وقال من الناحية القانونية قد تكونون علي صواب لكن من الناحية العملية الأمر مختلف لنا احتياجات تنموية متزايدة وموازين القوي في منطقة الحوض تغيرت وهناك دولة جديدة ستنشأ في جنوب السودان وهذه الامور تتطلب صوغ اتفاق جديد يستجيب لهذه المتغيرات, فقلت له انتم غيرتم سياستكم بتحريض من إسرائيل والولايات المتحدة فرد منفعلا نحن نخطط من أجل مصالحنا ونتعاون معهم من أجل ذلك ومع غيرهم وتركني قائلا فكروا جيدا فقد تضيع عليكم فرصة الحفاظ علي بعض مكتسباتكم. وتذكرت في هذه اللحظة حوارا لي بدار الأوبرا المصرية مع الدكتور محمود أبوزيد وزير الري والموارد المائية السابق حين قال لي إن زحف إسرائيل والولايات المتحدة والصين والهند وإيران علي هذه الدول اثيوبيا وكينيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا التي وقعت علي الاتفاق الإطاري بدون مصر والسودان وبوروندي والكونجو الديمقراطية أدي لأن تتصلب هذه الدول في مواجهة مصر خاصة ان إسرائيل والولايات المتحدة تتبنيان سياسة شد الاطراف لاختراق الدول المجاورة للوطن العربي بالتركيز علي دول حوض النيل, لذا فان إسرائيل وأمريكا يدعمان بقوة انفصال جنوب السودان في دولة مستقلة, كما انهما والدول الاخري لهم اطماع اقتصادية واستثمارية في دول البحيرات العظمي واثيوبيا علي حساب مصر, وهو الأمر الذي يجعل هذه الدول في موقف متصلب ضد مصر وحقوقها التاريخية, وسألته ما العمل قال لي يجب أن تبذل مصر جهدا أكبر من حيث الوجود والتعاون مع دول حوض نهر النيل, وان يكثف القطاع الخاص المصري من جهوده لاستغلال الفرص الاستثمارية في تلك البلدان لبناء استراتيجية اعتماد متبادل ومصالح متشابكة مع هذه الدول ومجتمعاتها تفرض عليهم عدم الاضرار بمصالح مصر في مياه نهر النيل وغيرها. التعاون مع إسرائيل وفي مقابلة لي مع وزير الموارد السمكية الأوغندي فريد موكيسا في أحد المشروعات المصرية شمال العاصمة كمبالا وعلي بحيرة فكتوريا سألته قائلا: إن تعاونكم مع إسرائيل جعلكم تعملون ضد مصر, فقال الوزير الاوغندي ليس لدينا تعاون واسع وكبير مع إسرائيل لكنها تساعدنا في الأمور الفنية في الزراعة والري وهناك شركات إسرائيلية تستثمر في أوغندا في مجالات مختلفة وننظر لهم باعتبارهم مثل أي دولة ونحن نريد أن ننمي بلدنا وهذا هو المهم لدينا ولا نريد أن نتأخر كثيرا خاصة أننا بلد فقير وبه زيادة سكانية كبيرة. ويستطرد موكيسا قائلا الآن نحن نعيش عصر العولمة وإذا كانت مصر في حاجة للغذاء ومنتجات زراعية معينة لماذا لا تأتي الشركات المصرية وتستغل الاراضي الشاسعة والمياه الكثيرة هنا وتزرع ما تريد, وتأخذ منه ما تريد وتصدر منه ما تريد وهنا بالمعني الاقتصادي ستأخذ مصر اضعاف حصتها الحالية من المياه في شكل منتجات حيوانية وزراعية, خاصة ان إنتاجية الفدان من الاراضي الزراعية هنا اضعاف ما هو موجود في مصر كما ان هذا الوجود الاستثماري المباشر بالاضافة إلي سياسة المساعدات الحالية ستوجد قوي اقتصادية وسياسية وجماعات مصالح أوغندية ترتبط بمصالح استراتيجية مع مصر تدافع عنها ومن ثم عن حقوق مصر التاريخية في نهر النيل, وأكد الوزير الاوغندي قائلا: لا يوجد عداء بيننا وبين مصر فهي بلد افريقي شقيق واقرب إلينا لكن بعض الناس ينظرون إلي مصر بحساسية خاصة لأنها مصرة علي الالتزام باتفاقيات وقعها الاستعمار وهي اتفاقيات استعمارية يجب التفاوض حولها من جديد ونحن مع مبادرة دول حوض نهر النيل التي يجب تفعيلها وصياغة شراكة جديدة بين دول الحوض تقوم علي سياسة تبادل المنافع والخير المشترك. وفي منتجع مونيونيو قابلت الوزير أحمد أبوالغيط وسألته ماذا ستعمل مصر للحفاظ علي حصتها من مياه النهر؟ قال الوزير: إن مصر تؤكد أن جميع الخلافات يمكن حلها لانه لا يوجد خلاف علي المستوي الاستراتيجي, لكن هناك بعض النقاط الفنية التي تحتاج إلي حل في إطار مبادرة دول حوض نهر النيل الهادفة للتنمية بكل معانيها ونري أن توقيع خمس دول عليها أدي إلي ابتعاد الأربعة الآخرين وهو أمر لا ترغب مصر أن يستمر كثيرا, وأكد أبوالغيط أن مصر منفتحة وعلي استعداد للنظر في كل الاقتراحات لكنها لا يمكن أن توافق علي النص الحالي لهذا الاتفاق, مؤكدا أن مصر لا تريد صداما مع دول حوض نهر النيل لكن التعاون المشترك لتحقيق الفوائد للجميع, واضاف أبوالغيط أن مصر تتفهم احتياجات التنمية في دول الحوض وتسهم فيها منذ عشرات السنوات ومن خلال كل المحافل الثنائية والمتعددة خاصة في مجال الطاقة الكهربائية وان مصر تشجع أوغندا وغيرها من دول الحوض لاقامة سدود لإنتاج الطاقة الكهربائية في إطار مبادرة دول حوض النيل وهذه السدود تأمين لتدفق المياه وهناك عدد من المشروعات يتم النظر إليها بجدية الآن في إطار هذا التعاون ومنها مشروع الربط الكهربائي الإفريقي وهو مشروع شديد الأهمية ومصر جزء من هذا المشروع بداية مع السودان واثيوبيا. وسيتم الربط الكهربائي مع بقية دول القارة وهو ما يساعد كثيرا في هذا المجال خاصة ان هناك العديد من الدول الافريقية التي تتمتع بقدرات مائية كبيرة لانتاج الكهرباء ولاتحتاج اطلاقا للبترول مثل الكونجو الديمقراطية التي يمكن ان تغذي افريقيا كلها بالكهرباء لكن هذه المشروعات تحتاج لأموال ضخمة جدا وسنوات عديدة لانجازها مضيفا أن الامكانات الفنية المصرية في كل المجالات في خدمة إفريقيا ودول حوض النيل خاصة في الزراعة والري والكهرباء وتكنولوجيا المعلومات والنقل والمواصلات والتجربة المصرية في الصحة ومكافحة الامراض المتوطنة والصعبة.